يؤكد مهتمون بالشأن الاقتصادي أن مستقبل العراق الاقتصادي والاجتماعي ولأمد غير قصير ، سيبقى مرهونا بإرادة صندوق النقد الدولي ، ما يعني ان العراق سيبقى مثقلا بالكثير من الكوارث الاقتصادية والاجتماعية، كونه سيرهن ثروات البلد وبخاصة النفطية في ضوء مقررات صندوق النقد الدولي ، الذي يعمل جاهدا على خنق تطلعات أبناء العراق نحو بناء مستقبل اقتصادي أفضل لإجيالهم ، والتخلص من ضغوط الوضع السياسي الحالي ، الذي يلقي بتأثيراته على عموم مفاصل الحياة ويهدد مستقبله السياسي بمخاطر جمة، إن لم يتم الانتباه لمخاطر ضياع مستقبل الاجيال العراقية ، نتيجة إهمال تطلعاتها المشروعة في أن يكون لها موقعا في صنع القرار والمشاركة في التنمية والتطور الاقتصادي والاجتماعي..
ويستغرب هؤلاء المختصون في الشأن الاقتصادي ، من كثرة رضوخ المسؤولين عن الشأن المالي والاقتصادي لشروط صندوق النقد الدولي في أن يفرض إرادته على العراقيين ، في محاولة منه لثنيهم عن ركوب مسارات التطور، بحجج غريبة عجيبة ، أقل ما يقال عنها ، أنها تفتقر لبعد إقتصادي ، وهي قرارات سياسية أكثر من كونها إقتصادية.
ويستدل هؤلاء المختصون الى انه لو كانت هناك إرادة حقيقية للسير بالعراق نحو خطى النهوض الاقتصادي ، لترك المسؤولون العراقيون المهتمون بالشأن المالي ومنها وزارة المالية على وجه التحديد يضعون خططهم الاقتصادية وفقا لتقديرات خبرائها الاقتصاديين، الذين لهم باع طويل في اعداد الخطط والبرامج الستراتيجية، وترك مصلحة العراقيين يقررها خبراؤها ومخططوها، لا ان نضع أقدارنا بيد الآخرين يقررون مصيرنا على هواهم.ومن الأضرار البالغة على مستقبل الأجيال العراقية هو تخلي وزارات المالية عن آلاف الوظائف التي يفترض توفيرها للالاف من خريجي الكليات والمعاهد وحرمان الاف الشباب من فرص العمل الحكومي ، بحجة ان صندوق النقد الدولي رفض الموازنة العراقية كونها تتضمن فرصا عديدة للدخل، تأخذ حصصا كبيرا من الميزانية العراقية ، ما أدخل الاف الشباب في مهب الحرمان من أبسط حقوق البشر في الحياة ، وفي ان يجد المواطن العراقي له مكانا ضمن هذا البلد، وتم حرمانه من ان يتم توفير فرص عيش للخريجين تنقذهم من مهاوي الضياع والغربة في وطنهم، وبالتالي راحت الامراض الاجتماعية تأخذ من جرفهم وتحيلهم الى أجساد كهلة لا تقوى على مواجهة أعبلاء الحياة وصعوباتها ، نتيجة حرمانهم من مصادار ثروة بلدهم وهي ضخمة ، لكنهم لم يجدوا لهم مكانا في هذا البلد وفي حقهم ان يكون لهم وجود فاعل فيه.ومن الأمور الأخرى التي كبل بها صندوق النقد الدولي مشاريع زيادة رواتب الموظفين والمتقاعدين الذين لازالوا يئنون من وطأة وثقل الحياة عليهم وبخاصة شريحة المتقاعدين، التي تعاني الأمرين من شظف العيش وضغط الحياة عليهم كون رواتبهم لاتكفي أكثر من أيام وليس لشهر واحد، كما ان الاف المواطنين من شرائح أخرى محرومة بسبب تقليص النفقات في الموازنة الى الدرجة التي بقيت ارادة الدولة مكبلة ، كما ان امراض الفساد الاداري والمالي ، وهي كبيرة كانت احد الاسباب التي ادت الى تدني مستوى حياة العراقيين، ووجد فيها صندوق النقد الدولي فرصته لكي يزيد من ضغوط الحياة على العراقيين، ويضع امام عيشهم قيودا لكي لايتمكنوا من الحصول على فرص عيش يمكن ان تنقذهم من حالات الحرمان وشظف العيش الرهيب الذي هم عليه، وبالتالي ابقاء المواطن العراقي يرزح تحت نير الفقر والمرض والانهيار النفسي، لكي لايفكر بمعاودة طاقته نحو البناء وفي ان يكون للعراق دور في هذا العالم، وابقاء الاقتصاد العراقي مكبلا بأعباء الديون المتعددة الأوجه، وهو مايضع العراق تحت طائلة الدول الأكثر فقرا وفسادا في العالم، رغم ثرائه النفطي والاقتصادي الكبير، وبما يمتلـكه من طاقات بشرية وموارد كبيرة تعد بمئآت من المليارت سنويا.
من هذا يتبين مدى الضرر الذي تلحقه سياسـات صندوق النقد الدولي بالعراق وبإقتصاديات شعبـه، ويخنق إرادة العراقيين، ويحول دون ان يكون لهم إسهــام فاعل في المجتمع الدولي، وإبقائهم خائري القوى، لايكون بمقدورهم بناء دولتهم والانسان العراقي وفق المعايير الصحيحة المتعارف عليها بين دول العالم.