بين ديكارت وباسكال / مقاربات فلسفية في الله والوجود
ديكارت؛
يرتكز ديكارت في معطياته الفلسفية على العقل كانطلاقه أساسية في استنتاجه ومن ثم مبدأ الشك فلديه في المبادئ والمعارف أنها قابلة للشك واي سبب للشك هو امر كاف لعدم الاطمئنان للشيء الذي حل عليه الشك.
يقول ديكارت؛ ((فانا اشك بالحواس لأنها خدعتني أحيانا، ولعلها تخدعني دائما وليس من الحكمة للاطمئنان إلى من خدعنا، ولو لمرة واحدة)). يصل ديكارت في شكه حتى في الاستدلالات العقلية ليقول؛ ((فانا اشك في استدلالات العقل لان الناس يخطئون في استدلالاتهم ومنهم يخطئ في ابسط موضوعات الهندسة، فلعلي أخطئ دائما في الاستدلال)).
يرتكز مبدأ ديكارت على ما ممكن اسميه ((الشك العقلي)). وكل شيء بالنسبة له غير قابل للتصديق المطلق ما خلا ما قام على أساس الشك فيه ومن ثم اثباته.الشك لدى ديكارت هو الارتكاز الوحيد غير للقابل للشك. لذلك انه ينظر إلى نفسه مع ماهية الوجود من هذا المنطلق ليقول ((فانا أستطيع الشك في كل شيء ما خلا شكي….
يبدأ ديكارت من مقاربة استنتاجه من التفكير ومن ثم إلى الوجود ليخلص إلى النتيجة التي مفادها ((لما كان الشك تفكيرا فانا أفكر ولما كان التفكير وجودا فانا موجود، أنا أفكر أنا موجود)).
من هذا المنطلق الوجودي يبدأ ديكارت في مناقشة وجود الله ليعطي هذا الاستنتاج فيقول؛ ((أنها فكرة موجود كامل، والكامل صادق لا يخدع إذ أن الخداع نقصا لا يتفق مع الكمال وعلى ذلك أنا واثق أن الله صنع عقلي كفئا لأدراك الحق وما علي إلا ا ن أتبين الأفكار الواضحة وصدق الله ضامن لوضوحها)).
يصل ديكارت في مقارباته الاستنتاجية هذه إلى عجزه في الإحاطة في الكمال كون شكه هو أصلا مصدر نقص يعتريه في كثير من الحقائق التي يجهلها لذلك هو يوظف شكه هذا في عجزه التام للإحاطة بالخالق ومعرفة حدوده.
يقول ديكارت؛ ((إذا عثرت على فكرة تفوق حقيقتها الموضوعية كل ما في بحيث لا أكون علة لهذه الفكرة علمت أنى لست وحيدا في هذا العالم، والواقع أنى أجد بين أفكاري فكرة الله أعنى فكرة موجود كامل لامتناه، من أين جاءتني؟ أن كنت استنبطتها من نفسي؟ فانا موجود بشك وتردد والشك علامة النقص، فكيف أستطيع استحداث فكرة الكامل وانا ناقص؟)).
يقول يوسف كرم في كتابه تاريخ الفلسفة في عصر النهضة ((أن ديكارت أول من حرر العقل من سلطان الوجود)). رغم المؤاخذات ليوسف كرم على مدرسة ديكارت إلا انه بين الحين والأخر يشير إلى قواعده في التقارب بينه وبين الكثير من الفلاسفة الآخرين.
………………………………………………..
باسكال؛
هنا يرتكز باسكال على التجربة فيؤمن بالخلاء البادئ على الحواس ليتعارض مع ديكارت في استدلالهما على امتناعه،
انه يختلف عن ديكارت بانه لا يعتمد منهج واحد في التطبيق على جميع الموضوعات بل لكل موضوع منهجا ينبغي ابتكاره، لكن بنفس الوقت أن النتائج التي يصل باسكال بها إلى الغاية هي نتائج اعتبرها من وجهة نظري تكميلية لما بدأه ديكارت، من جانب أن ديكارت أسس على الشك مبدأ الوجود وأشار إلى امتناع شكه عن الكمال ومنقصته واستدلاله في ماهية الوجود على وجود الله وعدم الفصل بين الماهية الوجودية وبين الله، ليأتي باسكال ويضع الخط الواصل بين استنتاج ديكارت الوجودي بين الوجود وبين ما بعده من نتائج حيث يتجه باسكال بالاستدلال على أسس الميتافيزيقيا للأخرة.
يقول باسكال؛ ((وليس يمكن أن يظل الكافر عديم المبالاة بمصيره، إن خلود النفس من الأهمية بحيث لا يظل عدم المبالاة بالإضافة اليه ألا من فقد كل شعور، إن أفعالنا وأفكارنا تتخذ سبلا مختلفة حسبما كان هناك خيرات ابديه ترتجى، فأعراض الكافر عن التفكير في حقارته وشقائه لن يغير من حاله شيئا، فان الأنسان مائت حتما، فاذا لفتنا نظره إلى الموت لفتنا نظره إلى نفسه والى منفعته الكبرى وهذا ما ينبغي إن يفهمه قبل كل شيء وهذا ما ينبغي إن نعاونه على فهمه، فلنذكر الملحد بالموت وبالأبدية ماذا لديه من القول عنهما؟ هل يقول انه لا يبالي؟ اليس منتهى الحماقة، ونحن نعني أكبر العناية بصغائر الأمور، ألا نثير المسالة الكبرى التي توقف عليها النعيم الأبدي أو الشقاء الأبدي؟ هل يقول إن العقل يثبت إن الدين غير مفهوم؟ فليكن ولكن كيف نستنتج من هذا إن الدين ليس حقا، لنفرض الغموض متساويا من جهة أثبات الدين ومن جهة نفيه، يبقى إن الاختيار بينهما واجب. ونلاحظ إن عدم الاختيار أو هو اختيار ضمني للنفي، من حيث إننا حينئذ نحيا كما لو لم يكن الله موجودا ولم تكن النفس خالدة، وقد يكون هذا حسب الادعاء استهداف للعذاب الأبدي، وحتى لو قدرنا خيبة الأمل في الحياة الآجلة فليس لنا إن ناسف على شيء دام التزمنا بسبيل الخير، فاذا كسبنا كسبنا كل شيء وإذا خسرنا لم نخسر شيئا)). يمضي ديكارت في منهجه من الشك إلى الأثبات ويمضي باسكال في نتائجه التي عبرت عنها إنها تكميلية لما بدأه ديكارت من القلق والذي هو أيضا شك في أحد صوره إلى الأيمان الذي هو أثبات في كل صوره.
المصادر
تاريخ الفلسفة في عصر النهضة / يوسف كرم