قال ناصح ومضى : إن ابراهيم (ع) هَمَّ أن يدعوا على أهل العراق .. فاوحى الله تعالى إليّه بأن لا تفعل , فاني جعلت خزائن علمي فيهم , واسكنت الرحمة في قلوبهم ( نبوي ) .
وبقــــيت أُردّدّ : أنا العراقي – عراقي باقي .. رمز الحضارات عراقي باقي .. لقد حضر التاريخ بكل أمجاده أمامي وبقوة .. وكانت عيناي تفيضان بالدمع .. وانا استمع وأتأمّل بكلمات هذه الانشودة التي اعادتني- بحق – الى ذكريات ايام حماسة الشباب وتوقُّد مشاعر الوطنية , عندما يتعرَّض الوطن الى مايخدُش كبرياءه ويمُّس ولو من بعيد كرامة ابنائه .. الذي حصل معي : نوع من اكتشاف الذات , ولحظة أستفاقة من غيبوبة ( ياس جميل ) إصطبَّغ به واقعنا منذ عقد بعد التغيير .. في بلد اللامعقول ( الآن ) .. في بلد الحضارات ايام زمان .. هو بلد الانبياء والمصلحين .. ابو الانبياء العراقي ( ابراهيم الخليل ع .. ولد في اور او في برس قرب بابل في القرن التاسع عشر قبل الميلاد .. ومصطلح الخليل مشتق من : ( خل ) و ( ايل ) .. اي صديق الاله (ايل ) خالق السموات والارض .. حسب اللغة العربية الام التي يتكلم بها عرب الجزيرة العربية … بجميع انواعها : البائدة والمستعربة )
واهله هم الاقوام الذين هاجروا – بسبب الجفاف بما يعرف بالهجرات السامية من جزيرة العرب الى ارض الهلال الخصيب ( العراق والشام وفلسطين ) .. كان ابراهيم من زعماء العرب الاراميين ( إرم بن سام بن آدم ) .. وكانت دعوته التنويرية – التوحيدية – عامة لجميع الوثنيين في عصره .. وعمر هذا العملاق العراقي الثائر , حينئذ 16 عام ( الذي وصفه القران الكريم بانه كان امة لوحده (( إن ابراهيم كان أمة )) .. وحين تمر قرب زقورة اور في محافظة ذي قار تتذكر ابراهيم وحضارة اهله في هذه الارض ( ميزوبوتوميا) – ارض مابين نهري دجلة والفرات .. وحتى اليّشماغ الاسود وتقاطيعه ( شاهد ) يخبرك بحال صياد سومري- قد وضع شبكته فوق راسه – تباهياً وافتخاراً بمهنته .. وحتى الخطان في نهاية اليشماغ يشيران الى جريان نهرين على ربوع تلك الارض .. وعلى هذه الارض عاش الاوائل من اهلي – سومر- وهم اول من خط الحرف واول من صنع عربة في التاريخ .. وحين تكون في ارض بابل .. سوف تتذكر سادس ملوك سلالة بابل الاولى ( 1792 – 1750 ق . م ) وشريعته المكونة من 300 سطر .. باللغة البابلية ( السامية ) وبالخط المسماري الاكدي .. وهي اول قانون وضع على الارض .. الذي تقول فقرة منه [ ان الالهة قد نادتني لامنع الاقوياء من ان يظلمون الضعفاء , وانشر كنوز في الارض وارعى مصالح الخلق ] .. وهنا في بابل قد دوّن اليهود توراتهم , بذائقة ثقافة اهل بابل وبوحي من قيم اهلها وان هم يفخرون بها اليوم .. وحين تكون في ارض المناذرة تتذكر دولة الحيرة التي امتدت بنفوذها الى البحرين .. وتتذكر قصري الخورنق والسدير .. والنعمان بن منذر بن ماء السماء , والذكوات البيض على ارضها .. وعندما تمر بالكوفة تذّكّر علي وهو يخطب الناس ليغذيهم رسالته , التي هي رسالة الاسلام المحمدي وقيمه الانسانية .. قد قال : الناس صنفان: اما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق … في اعظم دعوة تنادي بحقوق الانسان في التاريخ !
ومن كلمة الحق التي اريد بها باطل .. التي ترصّدها علي بن ابي طالب .. يحضر الكلام هنا في مجال السلطة والسياسة .. فاهل الكوفة الاوائل ليسوا جيش قريش الفاتح لها .. القادم من المدينة في عهد عمر , وانما اهل العراق النبط , ولقد صدق علي ع حين يقول : انا نبطي من كوثا .. فهم اهل العراق الذين احتقرتهم قريش بعنجهيتها الجاهلية , وانتصر لهم علي ع بانسانيته .. فالكوفة علوية الهوى .. منذ كانت .. لان اهلها الاصليون هم الموالي بنظر قريش المتعالية .. ومن علي استمر نمو الوعي للحرية والرفض في الكوفة لمقاومة سطوة الحجاج , الذي كان يوسم اهلها تمييزا لهم عن الوافدين لها .. حتى قال عنهم بانهم اهل شقاق ونفاق لانهم ثوار ضد الظلم وتعسف السلطة .. فالمال قد تركز في العاصمتين الاموية وما بعدها العباسية ( بغداد ) .. حتى ان الرشيد لم يتوان عن مخاطبة غمامة هائمة على وجهها في السماء ليخبرها بان خراجها عائد اليه , وكل قد بنى مجد حضارته او تّعَّسَف وظلم ابناء العراق – بناة الامجاد في عمق التاريخ وحاضره … ان الذي اريد قوله بعد هذا السرد التاريخي لابداعات الانسان العراقي .. ايها النواب الجدد انكم سوف تتولون ادارة شؤون شعب عريق في عمقه الحضاري وكبير في قيمه وكرامته وعزته وحريته .. فارجوا ان ترتفعوا قليلا بنفوسكم .. وتقدموا مصلحة العراق على مصالحكم الشخصية , وتغادروا مواقع الخداع والمراوغة والكذب , وسوء الظن المتبادل فيما بينكم , وهاجس المؤامرة .. وغادروا ايضا اللامبالاة بقيمة الانسان وكرامته وحريته وامنه وسلامته .. كما كان ديدن الذين سبقوكم .. وغادروا الطائفية والعنصرية والعشائرية والمناطقية .. فلا يُختزل الوطن في القومية او في العشيرة او المنطقة او الحزب .. غادروا المحاصصة , لانها لا تمت بصلة للديمقراطية , وهي التي تؤدي الى تفّشّي الفساد وتولد المفسدين
.. خططوا لهذا الشعب بنظرة ستراتيجية , وغادروا إنياتكم الممجوجة ووضع الصعلكة الذي كُنتُم فيه قبل هطول النعمة على وجوهكم البائسة !
لك الله ياعراق الخير .