18 نوفمبر، 2024 1:46 ص
Search
Close this search box.

لا إصلاح بدون مصلحين

لا إصلاح بدون مصلحين

في البداية نشد على أيدي العاملين في موقع كتابات لأصلاح الخلل الذي أعترى الموقع جراء عملية القرصنة الدنيئة. يجري الحديث هذه الأيام عن ما يسمى مشروع الأصلاح الذي ينوي التحالف الوطني تقديمه لبقية الكتل السياسية والذي لا نعرف مضمونه لحد الآن ولا نعرف ماذا يريدوا أن يصلحوا، فهم يقولون ان مشروعهم يحتوي على عشرات النقاط ربما سبعين أو أكثر تنتظر الأصلاح على ثلاث مراحل قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى. الأصلاح كما نعلم هو التقويم والتحسين والتعديل، ولا يكون أصلاح الا بوجود مُصْلح أو شخص قادر على الأصلاح. والحقيقة التي يعرفها الجميع هو أن العراق أصبح دولة بائسة فاشلة ولا يمكن تصنيفها بالدولة المدنية الحضارية وفيها الكثير من الخلل بالرغم من وجود إنتخابات شكلية وبرلمان تابع لتأثير قادة الكتل، ولذلك فالدولة تحتاج الى إصلاح حقيقي وجذري فهل سيرى الأصلاح المقترح النور؟ نتمنى ذلك. أطلقت ورقة الأصلاح من قبل التحالف الوطني بسبب تكاثر النزاعات مع الكتل الأخرى، وكان الأحرى أطلاق ورقة التصالح قبل ورقة الأصلاح. الأصلاح قد يكون بين شخصين أو فئتين إختلفتا أو تنازعتا على شيء ما وهذا ما يحدث الآن، وهنا نحتاج الى شخص ثالث موثوق يحترمه طرفا النزاع للتوسط بينهما والوصول الى حل وسط يرضي الطرفين.  فنادراً ما يستطيع شخصان متنازعان حل مشكلة وقعت بينهما الا بتنازل أحد الطرفين طوعاً أو كرهاً عن الأسباب التي أدت الى النزاع. إذا فأول أداة للأصلاح هو توفر النية بالأصلاح من قبل الطرفين المتنازعين والقبول بنتيجة التحكيم وبعدها يأتي دور المصلح الخبير الموثوق. أما الأداة الثالثة للأصلاح فهو أدوات المصلح وهي النظم والتعليمات والقوانين التي سيتبعها للوصول الى إصلاح يقره طرفا النزاع وأخيراً ترجمة ذلك الكلام الى الواقع الملموس. الوضع السياسي المتأزم في العراق هو بين طرفين أحدهما له سلطة والأخر يعتبر نفسه مهمش ومستهدف فكيف يكون التحاور, لذلك فمن أجل نجاح الأصلاح لا بد من توفر شخص ثالث مصلح يضع النقاط على الحروف ويقول هذا صحيح وهذا غير صحيح ويتقبله الجميع.  فلننظر هل في الداعين للأصلاح مصلح خبير موثوق؟ ثم ما مدى قابلية نظام الدولة العراقية الحالية على الأصلاح؟
دعيت الحكومة في السنوات السابقة كثيراً من أجل الأصلاح من قبل الشعب على شكل تظاهرات ومن أحزاب بشكل مقترحات واجتماعات ولكن لم يحدث الأصلاح. لماذا؟ وأخيراً جاءت دعوات الأصلاح من الذي كان مسئولاً بالدرجة الأولى عن الأصلاح وهو الحكومة وبالأخص رئيس الوزراء وكتلته والمتحالفين معه. طبعاً لم يطلق التحالف الوطني مبادرة الأصلاح من قبل الا بعد أن ضغط الطرف الآخر و بلغت العملية السياسية الى طريق مسدود. وهذا يجرنا الى الأستنتاج أنه لم تكن هناك نية طوعية بالأصلاح من قبل الحكومة والأئتلاف تنصف الطرف الآخر، وهذا أول شيء غائب عن عملية الأصلاح. وقد نستنتج أن دعوة الأصلاح جاءت للمحافظة على وحدة التحالف الوطني وبضغط شديد من إيران لجلب كتلة الصدر الى حضيرة التحالف من جديد بعد أن جمح وأصر على سحب الثقة، وليس لأجل الأصلاح ذاته. ولكن رب قائل يقول أن نية الأصلاح توفرت الآن بعد أن أدركت الكتلة الأكبر أنها بدأت تفقد شعبيتها وتسير نحو التحلل والتفكك.
إذا فالطرف الأول المعني بالأصلاح هو التحالف الوطني ورئيس الوزراء بصورة خاصة ويأتي بعدها الطرف الثاني والبرلمان. طبعاَ نحن لا نستطيع النظر الى كل أعضاء التحالف الوطني على حد سواء وإنما تنحصر الصلاحيات والتأثير برؤساء القوائم داخل التحالف وهؤلاء هم المرشحون لقيادة عملية الأصلاح المطروحة. لدينا في التحالف الوطني ثلاث قوائم رئيسية وهي دولة القانون ورئيسها المالكي والأحرار ورئيسهم مقتدى الصدر والمجلس الأعلى ورئيسه عمار الحكيم، وبتأثير أقل فيلق بدر ورئيسه هادي العامري وحزب الأصلاح ورئيسه ابراهيم الجعفري. طبعاَ هناك أشخاص آخرون مساعدون لهؤلاء ولهم بعض التأثير ولكن لا يستطيعوا فرض آرائهم على قادتهم. فهل أي من هؤلاء قادر على الأصلاح؟ لنبدأ بتكتل القانون فالمالكي هو محور المشكلة حيث فرض نفسه بعد انتخابات 2010 وتبين من سيرته في فترته الأولى والحالية أنه لا يريد أن يدع المنصب وقد ردد شعار “ما ننطيها” أمام جمع مما يسمى بقوات الأسناد العشائرية. والغريب إننا لم نسمع من أي من السياسيين من طالب المالكي بالأعتذار على هذا القول والتصرف لأنه مخالف لمنهج الديمقراطية وتوطيد لمنهج الدكتاتورية، وبدلا من هذا جلسوا معه ووضعوا اتفاقية أربيل ولم يفكروا بما قاله من قبيل ما ننطيها . ولأجل أن لا يعطيها بدأ رئيس الوزراء بتصفية خصومه الأقوياء من داخل التحالف في فترته الأولى ثم من خارج التحالف في الفترة الحالية. وبعد المظاهرات الشعبية وعد المالكي الشعب بالأصلاح خلال مائة يوم وإنقضت سنتان ولم نر أي أصلاح ولم يطبق ما أتفق عليه بأعتباره مخالف للدستور وكان من الواجب رفض طلبات العراقية والكردستاني إذا كانت مخالفة للدستور والتنحي عن رئاسة الوزراء وعندها سيكون موضع أحترام لناخبيه وللشعب. ولكن المالكي غلـّب المصلحة الخاصة وهذا أدى الى تحول الأتفاقية الى عناد من جميع الأطراف فاستحوذ رئيس الوزراء على  وزارات الدفاع والداخلية والأمن الوطني لحد الآن وأصبحت هذه الوزارات المهمة تحت تصرفه المباشر. هذا بالأضافة الى تحويل الوزارات التي يقودها أعضاء كتلته الى  وزارات لحزب الدعوة بعد أن تخلصوا من الكفاءات الأدارية والعلمية. وقد تستر رئيس الحكومة في عدة مناسبات على الفاسدين وبدأ يوزع المكرمات لكسب الولاء ولم يطبق بعض القوانين كتخفيض رواتب الرئاسات وأسس قوات عسكرية خارج الدستور لحمايته وللتنكيل بخصومه السياسيين. وأخيراَ وليس آخراً مطاردة أمانة مكتبه للمواقع الألكترونية والقنوات الفضائية التي تحرج حكومته والقرصنة والدخول على تلك المواقع والتجسس عليها. فهل نتوقع من المالكي وكتلته وبطانته أن يكونوا مصلحين بعد هذه السيرة الذاتية؟
من الأطراف الأخرى التي طالبت بسحب الثقة عن رئيس الوزراء ثم انسحبت من هذه الدعوة الى الدعوة للأصلاح هي كتلة الأحرار أو ما يسمى بكتلة الصدر. وليس جديدا إذا قلنا أن من أعضاء هذه الكتلة انبثق جيش المهدي والذين سيطروا على العديد من مجالس المحافظات وساد في زمن تسلطهم القتل والفساد المالي والأداري الى أن ضربهم المالكي بقوة. ومن المتوقع أن تعود هذه الكتلة الى ممارسة عادتها القديمة عندما تتولى السلطة مجدداً. ولذلك لا نتوقع من هذه الكتلة أن تكون كتلة مصلحة. أما الكتلة الأخرى في التحالف الوطني فهي المجلس الأعلى. وبالرغم من الدعوات المتعددة لرئيسها الى التحاور والجلوس على طاولة الحوار الى آخره فهذه الدعوات جاءت بسبب خسارتهم لقوتهم النيابية في الأنتخابات الأخيرة. ومن أسباب خسارتهم هو أنهم كانوا مسيطرين على العديد من مجالس المحافظات وفشلوا في توفير الخدمات العامة. وقد أتهم وزير الداخلية ومن ثم وزير المالية باقر صولاغ وهو عضو ناشط في هذه الكتلة بتأسيس العديد من السجون السرية والأغتيالات والتعذيب والفساد المالي في وزارته حيث لازالت قوائم صرفيات الدولة لعدة سنوات مشكوك فيها وبعضها لم يقدم أصلاً الى مجلس النواب. ولا زالت الوجوه القديمة لهذه الكتلة تتربع على قيادة الكتلة فكيف نتوقع من هؤلاء قيادة الأصلاح بعد أن استشرى الخراب؟ أما إبراهيم الجعفري وجماعته فقد جربناهم حيث ساد خلال رئاسته للوزارة القتل الطائفي والأغتيالات والتفجيرات والتهميش وضياع الكثير من أموال الدولة والشعب والتي سربت للخارج تحت عينيه. أما هادي العامري وبدر فمعروف دورهم بأغتيالات الكفاءات والضباط تنفيذاً لأجندة خارجية ورغبة بالأنتقام. وبذلك لا يمكن الركون الى أي كتلة من التحالف الوطني لقيادة عملية الأصلاح التي دعوا هم اليها، فهم جزء من المشكلة فكيف يكونوا جزءً من الحل، وفاقد الشيء لا يعطيه كما يقال. أما جماعة علاوي فقد جربنا بعضهم خلال ترأسه للوزارة لأقل من سنة وغلطته أنه جمع حوله الكثير من السراق كوزراء الداخلية والدفاع والكهرباء إبان حكمه ولكن هؤلاء غادروا ولم يعودوا كجزء من كتلته الآن. أما الكتلة الكردية فما يهمها هو أقليم كردستان ومصالحهم ولم يتحركوا ضد المالكي بسبب الفساد المالي والأداري في وزارته بل بعد أن أيقنوا أنه لا يريد تحقيق ما يطلبون. أما الكتل الأصغر فبالرغم من أنها لم تجرب الحكم الا أنها تفتقر الى الكفاءات وقد يكون السبب هو فقدان الكثير من كوادرهم بالأختطاف والأغتيال وهي كتل ضعيفة وفي صراع دائم مع الكتلة الأقوى.
أما أدوات الأصلاح من قوانين وإرادات وبصورة خاصة الدستور والقوانين فهي أدوات واهية وعبارات فضفاظة، الكل يفسر بنودها على مرامه وإذا لم تصب في مصلحته يخرقها، أما القوانين فأما تعطل من قبل السلطة التنفيذية بعد إقراره أو تستخدم لغير أغراضها كقانون الأرهاب الذي أصبح حصان طروادة للأيقاع بالخصوم السياسيين. فهذه الأدوات ليست جديرة باعتمادها في عملية الأصلاح.
ومن هنا نرى أن النية الصادقة للأصلاح كانت غائبة من قبل الداعين لها منذ البداية والأصلاح بالنسبة لهم أستمرار مصالحهم دون الألتفات لمصالح الشعب، فلا يوجد مصلحون نثق بهم وكيف نتوقع الأصلاح من قبل المفسدين والمزورين والسراق.  أما أدوات الأصلاح فهي ضعيفة وهي جزء من المشكلة. ولذلك فلا نتوقع أن يرى الأصلاح النور حتى الأنتخابات القادمة وربما لا نرى الأصلاح بتاتاً إذا جاءت الى السطة نفس الوجوه. أما الحل فهو بتعديل الدستور ومسح فقرات الخلاف وإزالة الضبابية من فقراته وجعله أكثر وطنية لتحقيق المواطنة المتوازنة واعتماد الكفاءة وليس الولاء في إدارة الدولة، وعدم تدخل رجال الدين في الدولة أوالحج اليهم متى ما أراد السياسيون الأستقواء بهم، وتوزيع صلاحيات رئيس الوزراء وتحديد فترته وتأسيس مجلس أعلى للدفاع بدل القائد العام للقوات المسلحة تكون القرارات فيه بالأجماع، وتقويم القضاء والجيش واستقلاله، ومنع القضاة والعسكريين من ممارسة السياسة الا بعد سنتين من استقالتهم من وظيفتهم وما أن يدخلوا في السياسة فلا يحق لهم العودة للقضاء والجيش، وسن القوانين المهمة كقانون الأحزاب وعرضه على الأمم المتحدة للمشورة وقانون الأنتخابات وقانون محاربة الفساد وقانون من أين لك هذا، وعدم إصدار القوانين المكممة للأفواه والأقلام وتعديلها كقانون الصحافة وقانون تداول المعلومات عبر الشبكة الألكترونية وقانون المخبر السري … الى آخره. فمتى ما يحدث هذا نقول أن العراق خطى بالأتجاه الصحيح ومع ذلك سيبقى الطريق طويلاً لأن المشكلة ليست في السياسيين فقط ولو أنهم المسئول الأول، فالمجتمعات لا تتغير بسرعة الا تحت قوة القانون الذي ينطبق على الحاكم قبل المحكوم وليس تحت سوط الدكتاتوريات المرفوضة.

أحدث المقالات