الكتاب الاشكاليون هم الكتاب الذين (لايخضعون للسائد) بل يعارضونه بسلوكهم ونمط حياتهم ومضامين كتبهم ومواقفهم، ويعتبر
ميشيل ويلبيك الروائي الفرنسي ابرز هؤلاء، فقد اقتحم ساحة الأدب بلغته الساخرة واسلوبه السردي المتفرد، وقال عنه النقاد إنه،
يجمع بين واقعية بلزاك واغتراب البير كامو، إنما بنكهة القرن الحادي والعشرين وأجوائه مابعد الحداثية التي تفصح عن خضوع
الجماعة البشرية لمنطق السوق والنمط الاستهلاكي والرؤية السوداوية للعالم والهجاء الجارح للنفس والمجتمع، ويستخدم ويلبيك
شخصية الكاتب (ويلبيك) ذاتها في رواياته ويسخر من انطوائيته وكراهيته للعلاقات بين البشر.
في الحوار الطويل الذي ترجمته ونشر مسلسلاً في ثقافية المدى مع فيلسوف الحداثة السائلة (زيغمونت باومان)، إشارة الى الروائي
الفرنسي مابعد الحداثي ميشيل ويلبيك، عند حديث باومان عن رفضه للمتشائمين والمتفائلين قائلاً:
(فأنا لا أنتمي إلى أيّ من الفريقين وأرى طريقاً ثالثاً يمكن أن أعدّ نفسي من روّاده – ذلك هو طريق الأمل .)
وعندها يسأل المحاور (زيغمونت باومان ): كيف تتّفق رؤيتكَ هذه مع إعجابك بِـ (ميشيل ويلبيك) الكاتب الأكثر إثارة للكآبة في
يومنا هذا؟
يجيب ( أحبّ ويلبك بسبب بصيرته الحادة وموهبته في حدس الشأن العام في سياق التفاصيل الخاصة، وفي كشف الغطاء عن القدرات
الداخلية المخبوءة للمرء، وقد فعل كل هذا في عمله المسمّى (إمكانيّة وجود جزيرة) الذي أراه العمل الديستوبيّ الأكثر استبصاراً حتّى
اليوم بشأن المجتمع المتشظي والفاقد لكل الضوابط الحاكمة والفردانيّ حتى النخاع في عصر الحداثة السائلة التي نحياها).
لدى قراءة أي عمل من أعمال ويلبيك، نجد تلك الأجواء المتشظية والشخصيات الضائعة التي تقف عند حافة الانهيار أو تتوقع أن
يُقضى عليها في زمن غدا فيه الإرهاب اسلوباً للتعبير عن الاختلاف، وصارت الشخصيات محض أدوات أو أرقامٍ في نظام الانتاج
الغربي الذي يستغل العاملين والموظفين والفنانين إلى أقصى حدود الانتفاع والاستغلال، ويخبرنا ويلبيك بتفصيلات واسعة عن ظروف
العمل السيئة و أساليب التجارة في الالفية الثالثة.
ولايتوقف عن تطعيم رواياته بخاصة روايته (الخريطة والارض) بطروحات موسعة عن الأفكار وأساليب الكتابة وصراع المفكرين مع
مجتمعاتهم، مثلما يسهب في الحديث عن الفنون التشكيلية واستخدام الألوان وينتقد بيكاسو انتقاداً مريعاً و يتحدث عن دورة تكاثر
الذباب أو دورة حياة الزهور واستسلام البشر لطريقة عيش بائسة يواصلون فيها التكاثر تحت ظلال عبودية الاستهلاك وغياب الأمل
وتوقع العمليات الارهابية.
يقول الفيلسوف (زيغمونت باومان) عن الروائي: (يعبّر ويلبك عن شكوكه العميقة في كل اعماله ولايُبشّر بأية آمال عريضة، وهو
لايفتأ يوفّر أسانيد لتقييمه الكئيب للمجتمع البشري. أنا لستُ متفقاً بالكامل مع طروحاته؛ غير أني مررتُ بأوقات عصيبة وأنا أحاول
تفنيد تلك الطروحات، ويمكن مقارنة ديستوبيا ويلبك مع عمل أورويل (1984)؛ غير أن أورويل كتب بشأن مخاوف جيله، أما ويلبك
فوصف الكيفية التي سنغدو عليها إذا ماواصلنا العيش على ذات الطريقة التي اعتدناها: الشكل الأعلى من الوحدة، التباعد والانفصال
الكامل عن الآخرين، والشعور بلاجدوى الحياة وانعدام المعنى فيها).
يحكم ويلبيك على شخصيته الحاضرة في روايته (الخريطة والأرض) بالموت العنيف الذي عاشت رعب توقعه كل لحظة، وينهي
حياتها بجريمة قتل بشعة تليق بهذا العصر السادي العنيف.
نقلا عن المدى