إذا أردت أن تتعرف على درجة حضارة بلد ورقيه ومكانته بين الأمم,فعليك أن تتطلع لعاصمة هذا البلد وتتتفحص مقدار نظافتها وإرتياح الناس فيها, لما تقدمه لهم إدارة هذه العاصمة من خدمات وإهتمام بمرافقها السياحية ومركزها, من حيث التنظيم والنظافة والأهتمام.ولعاصمتنا بغداد الحبيبة ماض مجيد في الحضارة والرقي تشهد به الشعوب والأمم,ويقر به القاصي والداني.حيث كانت واقول كانت…. وأكرر القول كانت منارا للتحضر والعلم والرقي.وكان فعل ماضي ناقص.وكم كنت اتمنى ان اقول أصبحت بغداد او أمست بغداد او أضحت أوصارت ولكن نصيبنا ونصيبها أن نقول كانت بغداد.
بعد هذا الدور الحضاري والريادي المشرق لبغداد حاضرة العراق وعاصمة الخلافة العباسية .عندما كان يقصدها طلاب العلم وبعد أن ضرب بها المثل في الرقي والتمدن. فوصفت الشعوب من هو متحضر متمدن بالمتبغدد.صارت هذه المدينة الرائعة بشكلها وبساتينها ودجلة خيرها وشواطئها مثالا للتخلف والأنحطاط والتردي. فتحولت من مدينة زاهية متألقة بكل شيء الى خربة كبيرة ملآى بالنفايات والأزبال والقمامة, تعمها الفوضى وتسرح وتمرح فيها الكلاب والقطط السائبة والجرذان واشكال عجيبة غريبة من الحشرات والهوام.مدينة فقد فيها الأمن والأمان تصول وتجول فيها العصابات وكواتم الصوت. وباتت مدرسة متقدمة من مدارس تخريج خلايا عصابات الجريمة المنظمة. مدينة مقطعة الأوصال, الحركة فيها صعبة جدا والأنتقال من مكان لآخر يقتضي وقتا طويلا جدا فالشوارع مزدحمة جدا والسيطرات العسكرية الغير مؤهلة تعطل سير المركبات وعدد السيارات بإزدياد والشوارع تتقلص فبغداد المنكوبة أشبه بدافور وربما مستقبل دارفور أفضل فلا يزال هناك امل لأهل دارفورأن يتجاوزا محنتهم .أما نحن فلا أمل لنا ما زالت هذه الكتل هيّ المتحكمة بمستقبل ومصير العراق وأهله.
إن أي عاصمة في العالم تهتم بمركز العاصمة وتظهره بابهى حال. وحال بغداد و مركزها الذي يمتد من باب المعظم الى الباب الشرقي في أسوء حال لا بل إن الأزقة والشوارع التي تقع خلف بناية أمانة العاصمة خير مثال للقذارة والأهمال والفوضى فالمياه الثقيلة تجري بكل حرية على سطح الشوارع واكوام الأزبال تزكم الأنوف والقطط السائبة والكلاب لها الحرية الكاملة في الحركة والتجوال نهارا و ليلا وتهاجم المارة والسابلة ,ولا نرى من أمانة العاصمة أو محافظتها إلا مشارع إعلامية غير مجدية شواع طليت بالأسفت كما تطلى الجدران .دون إهتمام بالبنية التحتية المطلوبة أهدرت عليها الملايين وبعد شهر او شهرين تعود كما كانت بل أسوء من ذلك فقد سرقت الأموال وأهدرت وراحت لجيوب الأزلام والمحسوبين .فلا تجد في بغداد جلّها شارعا تنطبق عليه معايير الشوارع الحديثة .بل حفر ومطبات ومجاري طافحة وأزبال متراكمة .
شعب بغداد يحبس أنفاسه منتظرا التطورات الخطيرة التي قد تنجم عن الصراع والتكالب على السلطة وإقتسام الغنيمة ,لضعف حكومة المحاصصة المنبثقة عن مجلس نواب مرتهن بإرادة رؤساء كتل لا هم لهم إلا المصالح الشخصية أو الفئوية الفاقدين للمؤهلات الديموقراطية, وغير المكترثين بالمصالح الوطنية وحاجات الشعب الملحة.وجراء هذا الصراع المقيت ينتظر الناس تدهورا للأمن بشكل أكثر وعمليات إرهابية أعنف.
نحن في عاصمة شبه محجور على من يحترم نفسه أن يعيش أو يتجول فيها, فالأمن منفقود والنظام في خبر كان, والخدمات أمست من الماضي. ولا رجاء بتحقيق شيء منها. فلا يحصل البغداديون إلا على كلام معسول ووعود كاذبة مخجلة. والمرأة هيّ الأخرى محجور عليها, وشبه سجينة الدار. فهي لا تستطيع دخول الأسواق للتبضع او مزاولة أي عمل فيها لما تعانيه من سوء تصرف العديد من غير الآبهين بإسماعهن ما يعيب من الكلام,أو التحرش السمج. فالأسواق بلا تنظيم وقد إستغل الباعة واصحاب المحال الطريق بشكل متعسف, حتى إن الطريق في بعض أسواق الشورجة لا يتجاوز 25 سم فتصور المضايقات والأحراجات فالمرأة هنا لا تستطيع المجازفة ودخول هذه الأسواق رغم حاجتها الملحة, فالرقابة معدومة. ولا يستطيع أحد ردع أي متجاوز لأن القانون مفقود. والسائد اليوم هو الحكم العشائري فأي شخص تحاسبه أو تنتقده على أي تصرف شائن يهدد بالعشيرة. فالشرطي ورجل الأمن وخيار الناس تتجنب هؤلاء والسبب الدعم والتشجيع والتبني للعشائرية من قبل الحكومة حيث منحت رتب عسكرية أسندت لجقالين وبقالين وبنجرجية دون حق.وهم حماة الديار!!!!!!!
المرأة نصف المجتمع وهذا النصف معطل تماما عن ممارسة الأعمال التجارية والصناعية والخدمية في المدن خوفا على العرض والشرف فمن المسؤول؟
هذه أمور هامة ليست الحكومة وحدها المسؤولة عنها .وإن كانت مسؤولة فهيّ حكومة محاصصة لكل الكتل والأحزاب وعلى الجميع تقع المسؤولية.
أما ترتيب العاصمة وتنظيمها وإعادة الحياة إليها فليست مسؤولية أمانة العاصمة وحدها. فكل الدولة ومؤسساتها وأحزابها مسؤولة عن ذلك .فماذا يعمل موظف الأمانة أو مراقبها مع متجاوز شرس على رصيف مجاور لبيته ويجعله كراجا لسيارته ؟ وهو يحتمي بالعشيرة المسنودة من الحكومة أو الأحزاب.فماذا يفعل شرطي المرور مع سائق مسؤول مستهتر يسير بإتجاه معاكس فيربك السير ويعرض أرواح الناس وممتلكاتهم للخطر؟ أو آخر يغلق شارعا ليغسل سيارته.
إن حال بغداد اليوم أسوء من حال دارفور في السودان فبأي آلاء ربكما تكذبان؟
لو أجريت إحصائية دقيقة وإستبيان منصف لواقع لأهل بغداد وحال بغداد دارفور العراق, لتبين إن غالبية البغداديين الذين كانوا يسكنوها قبل 2003 قد غادر من تمكن منهم العراق. ولم يبق إلا من هو قليل الحيلة ضيق اليد متعسر الحال. وإحتل مكانهم الحواسم وحديثو النعمة من سراق المال العام أو المتاجرين بالسحت الحرام من المخدرات والممنوعات. والأمر ذاته حال المثقفين والعلماء والفنانين والشعراء والأكاديميين والمهرة من الأطباء والمهندسين واصحاب رؤوس الأموال والتجار المحترفين لا تجار آخر زمان من تجار السياسة. الكل غادر العراق نائيا بنفسه عن أتون النار المتلهبة التي تلفح دارفور العراق لا السودان. فبأي آلاء ربكما تكذبان؟ فهل علاج هذا يحتاج الى مؤتمر في أربيل او السودان؟ أم يحتاج الى نٌقرة السلمان؟ فبأي آلاء ربكما تكذبان؟؟ .