عندما كنّا نشارك في افتتاح المبنى الجديد لنادي الإبداع في الكرك، لم نشاهد وزراء أو مسؤولين كبارا، باستثناء رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة، لكن ما فاجأني هو وجود فالنتينا قيسية، المدير العام لمؤسسة عبد الحميد شومان، وجدناها، أنا والزميل فهد الخيطان أمامنا في المبنى الجديد، تشارك (مع فريق من مؤسسة شومان) في الإعداد لبعض الأنشطة المرتبطة بأسبوع الثقافة في مدينة الكرك.
المفاجأة الأخرى خلال كلمة الصديق حسام الطراونة، رئيس نادي الإبداع، إذ أشاد بالشريك الاستراتيجي للنادي المتمثل بمؤسسة عبد الحميد شومان، وبجهود فالنتينا في دعم فكرة النادي وأنشطته.
أينما نولّي وجوهنا في المشهد الثقافي والمبادرات الثقافية المجتمعية الرائدة نجد مؤسسة عبد الحميد شومان مساهماً رئيساً، وهي المؤسسة التي تعمل بصمت شديد منذ عقود في المشهد الثقافي الأردني، وتعمل على التطوير ودعم الإبداع الثقافي والحوار الفكري، ونشر المعرفة والتنوير، وربما تمثل مكتبتها المتطوّرة التي قدّمتها للجمهور الأردني ( وقد احتفلت بمرور 30 عاماً على افتتاحها مؤخراً، وكتبت وكذلك الصديق د. أحمد جميل عزم عن هذه المناسبة) نموذجاً على مواكبة التطورات المعرفية، وكذلك الحال منتدى شومان الذي أصبحت محاضرته الأسبوعية إحدى العلامات الثقافية في عمان، فوق هذا وذاك الأنشطة الثقافية المتنوعة والمتعددة، من الأفلام إلى الندوات إلى المسابقات العلمية.
مؤخراً قامت المؤسسة بعرض غنائي متميز، بعنوان شرفات، إذ قدم مطربون أغاني جميلة من شرفة مكتبة أمانة عمان المركزية المطلة على الساحة الهاشمية، وهي المكتبة التي شكلت هي الأخرى جزءاً مهماً من ذاكرة الأجيال والمثقفين وحتى الطلاب.
ما أود الإشارة إليه هنا وما يمثل قفزة جديدة متميزة في عمل مؤسسة شومان هو خروجها من العاصمة عمان إلى المحافظات عبر الأنشطة الثقافية المتنوعة، ودعمها لمبادرات ثقافية ومجتمعية عديدة في مناطق متعددة.
ما تقوم به المؤسسة اليوم هو ركيزة أساسية من ركائز بناء الثقافة المدنية والتنمية الثقافية المطلوبة، فالعمل الثقافي المجتمعي هو أحد أهم ديناميكيات وشروط بناء المناعة الاجتماعية ضد التطرف والإرهاب والانحرافات الأخرى، مثل المخدرات والجرائم، وفي مواجهة صعود موجات التعصب والطائفية وخطاب الكراهية.
إذا أردنا اليوم بالفعل تشغيل ميكانزم مواجهة ومكافحة لهذه الأخطار، ولحماية المجتمع وتطويره، بل وتأهيله للمستقبل، فإنّ من الخطأ الاكتفاء بالخطابات السياسية والحزبية، أو انتظار الحكومة لكي تستيقظ، ولا حتى نستطيع مطالبة الحكومات بتوفير موارد لدعم الأنشطة والفعاليات الثقافية المجتمعية التنويرية والتعليمية، فالمطلوب أن ينهض المجتمع المدني ليقوم بهذا الدور، وأداء الفريضة الغائبة في واقعنا اليوم، وهي المبادرات الاجتماعية والثقافية والسياسية، بخاصة تجاه شريحة الشباب.
جزء كبير من الدعم الذي يأتي من المؤسسات الأوروبية والأميركية يذهب إلى أنشطة وهمية، شكلية، الهدف الحقيقي من ورائها جني المال لدى البعض، فتحول جزء كبير من المجتمع المدني إلى دور السمسار والدكاكين المفتوحة، يلعبون على الدعاية الخارجية من مؤتمرات مكافحة التطرف إلى تطوير العملية الحزبية وغيرها من عناوين مخادعة، لا تقترب من المهمات الحقيقية في الحفر المجتمعي والتأسيس لثقافة تنويرية مدنية وتطوير المجتمع نفسه!
نقلا عن الغد الاردنية