أتساءل بين فترة واخرى كاي مواطن عن انتهاء معركة تحرير الموصل وإعلان المدينة خالية من تنظيم (داعش) بعد نحو ثلاث سنوات من سطوته عليها، واترقب هذا الْيَوْمَ، كحال وسائل الاعلام التي تنتظر الخبر العاجل لتنفرد به، لنطوي بعدها صفحة من القتل والتهجير وتشريد المدنيين الأبرياء وانتهاك الأعراض والحرمات، لكن تلك الأحلام تبددها التصريحات المسربة للقادة الأمنيين وهم ينقلون توصيات رئيس الحكومة حيدر العبادي بضرورة الحفاظ على ابرز معقل يتمركز فيه (الدواعش) وهو جامع النوري والمئذنة الحدباء وعدم إلحاق الأضرار بهما لرمزيتهما بالنسبة للمدينة وتاريخهما، وهو مايؤخر حسم المعركة بشكل نهائي فالقائد العام للقوات المسلحة قد يكون تجاهل او تناسى في توصياته ان استمرار المعركة معناها تقديم المزيد من دماء أبناء القوات الأمنية والمدنيين الفارين من المعارك، فكل يوم تطول فيه الحرب في الموصل يكون ثمنه العشرات من الضحايا والعبادي يصر على عدم حسم المعركة وكأن الجامع الذي أعلن منه البغدادي “خلافته المزعومة” ومنارة الحدباء أغلى من دماء المقاتلين والمدنيين الأبرياء، هذا لا يعني التحريض على تهديمها بقدر تذكير رئيس الحكومة بانه لا شي أغلى من الانسان فالطابوق ممكن اعادة بنائه مرة اخر بعد الانتصار في المعركة لكن الخسارة الحقيقية تكون بفقدان المزيد من أبناء الوطن.
ومع هذا فهناك أسباب اخرى تعرقل حسم معركة الموصل على الرغم من مرور نحو ستة أشهر على انطلاقها، وهي فترة طويلة قياسا بالحسابات العسكرية والمعارك السابقة التي خاضتها القوات الأمنية ضد تنظيم (داعش) ومنها عسكرية وسياسية واجتماعية، فالتحصينات التي استخدمها (داعش) جعل القوات الامنية تستخدم تكتيكا جديدا لمعالجة الأنفاق التي حفرها عناصر التنظيم تحت الأرض اضافة الى الأزقة الضيقة في الموصل القديمة التي لا تنجح فيها غير حرب الشوارع وهو ما قد يجعل المعركة تطول أكثر فاكثر، بينما يعد الحل السياسي سببا آخراً في عرقلة الحسم بسبب غياب الخطة المستقبلية لإدارة المحافظة لما بعد تنظيم (داعش) وهو مايحتاج الى وضع استراتيجية واضحة ومشتركة بين جميع الأطراف المحلية والاقليمية والدولية ومنها الخلافات على الحدود الادارية، بين اقليم كردستان ومحافظة نينوى، في حين يعد الوضع الاجتماعي ابرز المخاطر التي قد تدفع لتأجيل حسم المعركة كون ماحصل كان بمثابة حرب فكرية أراد التنظيم من خلالها جعل أهالي الموصل ينتهجون افكارا متطرفة ضد بقية المكونات، وهذا بحد ذاته يحتاج لوقت طويل لإعادة تأهيل المواطنين من خلال الدور الذي يجب ان تلعبه المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني.
وعلى الرغم من جميع تلك الأسباب الا ان تحرير الموصل بأسرع وقت ممكن اصبح ضرورة حتمية لإيقاف تقديم المزيد من الضحايا وتدمير المدينة التي تحولت غالبية بناها التحتية الى خراب، ولَم تعد صالحة لاستمرار الحياة فقرار حسم المعركة يتطلب موقفا ثابتا من رئيس الحكومة حيدر العبادي وليس من اي طرف اخر، كون من يدفع ثمن التأخير هم العراقيون وليسوا مواطني دولة اخرى، ويبقى السؤال الذي ينتظر الإجابة، متى سيعلن التحرير والنصر في معركتنا ضد الاٍرهاب؟
نقلا عن العالم الجديد