مما لاشك ان التركمان سبق وان عانوا الكثير من الساسة العرب السنة مند تشكيل الدولة العراقية ولغاية سقوط النظام البعثي عام 2003، فقد بدأت حملة التعريب البغيض الاولى في كركوك من منطقة حويجة في عهد رئيس الوزراء ياسين الهاشمي في الثلاثينات من القرن الماضي. اما الاخوة العرب الشيعة فلهم دورهم الكبيرفي انجاح حملة التعريب الثانية في عهد نظام صدام حسين والتي شملت جميع انحاء كركوك والمناطق التركمانية الاخرى وإستمرت حتى عام 2003 حيث اعقبتها حملات التكريد. ولقادة الاحزاب العربية الشيعية دورهم ايضا في صياغة الدستورالعراقي الدائم بالشكل الذي يهدى للاكراد في طبق من ذهب عبرالمادة 140ما يسمى بالمناطق المتنازع عليها والتي تحولت فيما بعد الى المناطق المستقطعة من كردستان والتي هي أساسا مناطق تركمانية وفي مقدمتها كركوك.
معظم الوافدون الى كركوك كانوا من الإخوة العرب الشيعة، وهؤلاء الاخوة تطوعوا للاسف لقاء بعض الإغراءات لخدمة سياسات نظام صدام حسين في عملية تعريب محافظة كركوك، إذن لا عجب في احتمال ان يتعاونوا مع العرب السنة ضد الاكراد، وقد ياتي اليوم الذي تدفعهم مستقبل عروبتهم في كركوك وغيرها ليتعاونوا ضد التركمان ايضا، وهو ما حصل فعلا في تعاونهما بالبرلمان ضد الغاء قرار النظام البعثي الخاص بتصحيح القومية وضد نيل التركمان حقوقهم، وكذلك في موضوع اهتمام التيار الصدري بالعرب الوافدين في كركوك، وفي التصريحات الاخيرة للسيد مقتدى الصدر الخاصة بمكونات كركوك والذي تجاهل فيها التركمان اصحاب المدينة الحقيقيين .والتعاون السني- الشيعي المتوقع في كركوك وغيرها من المناطق التركمانية قد يرغم التركمان مكرهين على تعاون غير متكافئ مع الاكراد.
المهم للتركمان في هدا الظرف العصيب هوان يعيدوا النظرفي هدفهم وخطابهم السياسي في مواجهة التحديات التي تهددهم في المسقبل المنظور، وأن تتبنى احزابهم السياسية وفي طليعتها الجبهة التركمانية سياسات ومواقف حكيمة موحدة للتركمان وغير معادية لأي من الاطراف في هذه المعادلة الصعبة، و التركيز العلمي على توعية الجماهير التركمانية ضد الاخطار المحدقة بها ، وغرس الشعور القومي فيهم بحيث يعلو انتماءهم القومي على إنتمائهم المذهبي او المناطقي وهو ما يحتاج الى إعلام مرئي ومسموع ومقروء هادف .
لكل فعل رد فعل. الموقع شبه القوي للعرب في كركوك يعني انهم متوحدون قوميا وليس مذهبيا ضد خطر محاولات الحاق كركوك بالاقليم الكردي شبه المستقل وهو الخطر الذي يهدد التركمان اكثر من العرب ،اما نحن التركمان فغدونا مجتمعا لا رد له لأي فعل ضده ، ولم توقظنا المآسي والمجازر السابقة وممارسات الاقصاء القديمة والحديثة ، ولا يوقظنا الان خطر ضياع كركوك وموطن التركمان التاريخي بين تلعفر ومندلي. كيف سيكون موقف التركمان فيما لو تهيأ العرب في كركوك للقتال ضد الاكراد بالتعاون مع وحدات من الجيش العراقي. هذا الاحتمال وإن كان ضعيفا ولكن مع من سيتعاون التركمان في حال نشوب القتال بين العرب والاكراد؟. واين هي مصلحتهم القومية ؟ هل هي في حيادهم ،ام في الانحياز لاحد طرفي الصراع ؟ هده التساؤلات تتطلب التمعن والتفكير من قبل زعماء الرأي والقادة السياسيين التركمان.غيرأن انحياز التركمان في رأينا لهدا الطرف او ذاك لن يحميهم من الإنصهارفي بوتقة الطرف الدي ينحازون اليه،لأن التركمان ضعفاء الان سياسيا وماليا ولا توجد دولة تدعمهم كالدول التي تدعم المكونات العراقية الاخرى ،وليس لهم اقليم خاص بهم وهو ما يجب ان يكافحوا من اجله قبل كل شئ .
للقنوات الفضائية في يومنا أهميتها البالغة في التوعية والتعبئة القومية. في نظرالرأي العام التركماني ان فضائية تركمان ايلي خانت قضيتهم وأن اصحاب القضية يغضون النظ عن هذه الخيانة لانهم ينتهجون سياسة الخنوع لمن لا يأبه بحاضرهم ومصيرهم . فقد كانت الفضائية التركمانية بمثابة السلاح الوحيد بيد التركمان الذي لم يستخدم بالشكل الامثل في الدفاع عنهم وشرح قضيتهم العادلة، وقد كان باستطاعتها منذ تاسيسها ترسيخ مفهوم القومية التركمانية والوعي القومي بين التركمان في مختلف انحاء مناطقهم وان تنقل القضية التركمانية لكل العراقيين والعالم، ولكنها للاسف لم تفعل ذلك وكانت النتيجة على سبيل المثال ان انقسمت تلعفرثاني اكبرالمدن التركمانية بعد كركوك الى شقين شيعي وسني ، وبلغ الامرفيها حدا خطيرا بحيث اصبح التركماني السني، يفضل العربي السني على التركماني الشيعي فهو أمر مؤسف جدا لا وجود له بين الاقوام الاخرى ، ويعكس مدى حاجة المجتمع التركماني الى حملة اعلامية سريعة وهادفة .
إن ما ينطبق على تلعفر، ينطبق أيضاعلى غيرها من المناطق التركمانية منها محافظة ديالى . نحن نسينا اشقاءنا التركمان الذين يربو عددهم النصف مليون في هده المحافظة لعقود طويلة وتركناهم فريسة للاستعراب والاستكراد والانتماء للقبائل غيرالتركمانية ، والأغرب من كل ذلك هو اننا استهزأنا من فرط جهلنا للحقائق التأريخية ، بلهجتم ولم نهتم بهم وبعاداتهم وتراثهم،وبتصرفاتنا غيرالواعية تجاههم، سلخناهم عن الجسد التركماني ونحصد اليوم ثمار ما زرعناه .
الرئيس جلال الطالباني قد يختلف مع رئيس الاقليم الكردي مسعود البرزاني، في الرأي وفي اسلوب التعامل بشأن الازمة السياسية العراقية الراهنة المتعلقة بسحب الثقة عن حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي . فالطالباني يسعى من وراء هذا الانحياز والإختلاف الظاهري مع البرزاني الى إنتزاع المزيد من المكاسب والحقوق للاقليم الكردي، وانه وإن كان يبدو منحازا للمالكي في هده الازمة،فأنه في الواقع لا يخدم سوى مصلحة شعبه والاقليم الكردي.
المالكي وعلاوي وجهان لعملة واحدة وكلاهما تجاهلا التركمان وقدما في الماضي الكثيرمن الطاعة والخدمة للساسة الاكراد في مسألة كركوك، اما المالكي الذي شكره التركمان وغيرهم من سكان كركوك على ترؤسه جلسة لحكومته في كركوك يوم 5 مايس الماضي والتي وصفت بانها كانت تاكيدا من الحكومة المركزية على إستحالة الحاق كركوك بالاقليم الكردي ،لكن الملفت للنظر في إلاجتماع هو انصياع القوات الامنية الكردية لاوامر اصدرها المالكي بإخلاء كركوك قبيل الاجتماع الوزاري الدي قاطعه الوزراء الاكراد ،وهو ما يثير الشكوك بوجود اتفاق مسبق للماكي مع الاكراد يهدف الى تعزيزشعبيته ، وينتهي في نهاية الامر بتراجعه امام البرزاني قريبا وتنتهي الازمة لصالح الإقليم الكردي.
في حال اشتدت الازمة السياسية وتوترت العلاقات بين العرب الشيعة والاكراد فان المصلحة القومية للتركمان تحتم تعاونهم مع العرب الشيعة ،لان العرب الشيعة يشكلون الغالبية سكانيا في العراق وهم الذين ستبقى احزابهم السياسية تشكل الحكومات العراقية فيما لو ظل العراق موحدا ولم يتجزأ الى دويلات سنية وشيعية وكردية ، وهوأمر يجب ان يكون حافزا للتركمان على التأهب والتهيؤ للكفاح في سبيل اقليم تركماني يحميهم من الاخطارالمهددة لمستقبلهم .
الساسة الاكراد ليس لهم أدنى احترام للتركمان لا في دستورهم الصادر عام 1993 ولا في دستورهم الحالي اللدين يضعان التركمان في مرتبة اصغر الاقليات عددا في الاقليم الكردي،ولكنهم نجحوا في كسب تركياالى جانبهم على الرغم من أنهم لايخفون نيتهم في الانفصال عن العراق والذي سيؤدي حتما في حال حدوثه الى انسلاخ جزء من تركيا التي غدت في إطار سياستها “الصفر مشكلة مع دول الجوار” على نفس المسافة مع جميع مكونات العراق ، ولم تعد تركيا يهمها مستقبل التركمان وخطرانصهارهم في البوتقة العربية او البوتقة الكردية . تركيا دولة كبيرة وعريقة ،ولكن الحكومة التركية لاتتحرك وفقا لمصالح تركيا القومية والاستراتجية في المنطقة وفي العراق، وفي تعاملها مع نظام البرزاني وانما تتعامل معه في اطارالمفهوم الاسلامي السني ، وقد تكون لا تدري ان نظام البرزاني المتعصب للقومية الكردية والذي يضع المفهوم القومي الكردي فوق أي اعتبار آخر ، يرسي في جبال قنديل اسس الدولة القومية الكردية في تركيا. والمهم في هذه الحالة هو كيف يحافظ التركمان على مستقبلهم بالاعتمادعلى قدراتهم الذاتية وبعيدين عن تحقيق مطالبهم وحماية أنفسهم بالتمني وبالاستجداء.
خلاصة القول، القضية التركمانية في رأينا تشبه اليوم مريضا مسجاة على الارض فلا سريراو فراش يحميه من التلوث،ولا طبيب يداويه ولا دواء يشفيه من مرضه. وعليه فان طريق خلاص التركمان يمر عبراقليم يحميهم من الانصهار في البوتقة الكردية او في البوتقة العربية في المستقبل.وتحقيق هدا المطلب المصيري لن يتحقق بالتمني والاستجداء وتلقي الاوامر والتعليمات من اناس لايهمهم زوال التركمان وانصهارهم، وانما يتحقق من خلال قراءة عاجلة للحركات التحررية في العالم والتي لشعوبها اوضاعا مشابهة لوضع التركمان في العراق، واختيارنمط الكفاح الدي يحقق للتركمان ثورة سياسية واجتماعية واقتصادية شاملة وعاجلة تسفرعن اقليم يصونهم من التحديات الراهنة ومن العبودية في المستقبل، ويحملهم الى برالأمان والعيش الكريم.
نحن الاجيال القديمة أخطأنا كثيرا في اختيار شكل النضال التركماني ،واكتفينا بأحلام اليقظة وسلكنا الطريق المسدود، وكانت النتيجة ان وصل الشعب التركمان الى أخطرنقطة في تاريخه وهي نقطة الهلاك وخطرالانصهار.فالتركمان لاسبيل لهم للخلاص من وضعهم السياسي الراهن المتخلف ،ومن الاخطار المميتة التي تواجههم من جميع الجهات إلا بثورة سياسية واقتصادية واجتماعية شاملة وسريعة تضمن لهم اقليما تركمانيا يعيد لهم كرامتهم ويحميهم من خطر العبودية والانقراض. وهذه الثورة لن تتحقق إلا بنضال وتضحيات ودماء ابناء الشعب التركماني. و” لقد أعذرمن أنذر” ، وإلا فان لعنة الله ولعنة التاريخ ستلاحقنا جميعا .