18 ديسمبر، 2024 7:39 م

مالك بن نبي وسلطة الثقافة

مالك بن نبي وسلطة الثقافة

بن نبي يفهم الاقتصاد كبعد من أبعاد الثقافة كما يدرك أن أسلوب الإنتاج الاقتصادي ذاته هو تعبير عن ثقافة المجتمع وانعكاس لها، كما أنّ السياسة التي تعني في الجوهر تدبير شؤون الناس هي ظاهرة ثقافية بامتياز.

في الأيام القليلة الماضية استبعد النظام الجزائري المفكر الراحل مالك بن نبي من قائمة الشخصيات الثقافية والفكرية الجزائرية التي كرمها الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة ووشحها بأوسمة الدولة. وبطبيعة الحال فإن أسماء بارزة أخرى مثل محمد أركون، وفرانز فانون، وسي محند أومحند، ومحمد الميلي، ومحمد إقربوشن وغيرها من الشخصيات الفنية والفكرية والأدبية الكبرى قد أقصيت أيضا.

هنا نتساءل لماذا يقصى مالك بن نبي من طقوس هذا التكريم رغم أنه قد انشغل أكثر من غيره من المثقفين الجزائريين بمشكلة الثقافة طوال حياته، وأنتج في هذا المضمار أعمالا فذّة تصلح فعلا لأنْ تكون برنامجا تبنى على أساسه الثقافة الوطنية العصرية؟ يلاحظ دارس مؤلفات بن نبي إلحاحه الشديد والمستمر على المشكلتين الثقافية والحضارية ولا يعني هذا أنه يفصل بينهما وبين المجتمع والعمل السياسي وشؤون الاقتصاد أو أنه ينزع نزعة مثالية ولا يولي الشرط المادي لتفسير وفهم حركة التاريخ أهمية مركزية.

مما لا شك فيه أن بن نبي يفهم الاقتصاد كبعد من أبعاد الثقافة كما يدرك أن أسلوب الإنتاج الاقتصادي ذاته هو تعبير عن ثقافة المجتمع وانعكاس لها، كما أنّ السياسة التي تعني في الجوهر تدبير شؤون الناس هي ظاهرة ثقافية بامتياز.

وفي هذا الإطار نجد بن نبي يؤكد أنه “جرى العرف إذا ما أريد الحديث عن الثقافة أن تقتصر مشكلتها في ذهن القارئ على قضية الأفكار”، ومن ثمّ يضيف موضحا عدم صحة هذا الموقف قائلا “إن تنظيم المجتمع وحياته وحركته، بل فوضاه وخموده وركوده، كل هذه الأمور ذات علاقة وظيفية بنظام الأفكار المنتشرة في المجتمع، فإذا تغير هذا النظام بطريقة أو بأخرى فإن جميع الخصائص الاجتماعية الأخرى تتعدل في الاتجاه نفسه. إن الأفكار تكون في مجموعها جزءا هاما من أدوات التطور في مجتمع معين، كما أن مختلف مراحل تطوره هي في الحقيقة أشكال متنوعة لحركة تطوره الفكري…”.

ينبغي التوضيح هنا أن التيار المادي الذي يتهم مالك بن نبي بالمثالية الثقافية يبني فكرته بخصوص حركة التاريخ على الموقف المادي التقليدي الذي يعتقد أن البنية التحتية هي وحدها فقط التي تصنع التاريخ وتقرر مصيره وأنها هي التي تحرك البشر، علما أن هذا النمط من الاعتقاد يهمّش دور العوامل الثقافية والروحية في بناء التاريخ وصنعه.

لا بد من الإشارة إلى أن مالك بن نبي قد سبق الكثير من المفكرين الاستراتيجيين المعاصرين الذين يولون أهمية قصوى لدور الأفكار في تفجير التحولات الكبرى مثل المفكر الاستراتيجي الأميركي المعروف جوزيف ناي الذي قدم نظرية متكاملة بخصوص دور القوة الثقافية والحضارية الناعمة في صنع التأثير في التاريخ، وهي النظرية التي تدين كثيرا لنظرية الهيمنة عند غرامشي التي تعني القيادة الثقافية والسياسية والفكرية.
نقلا عن العرب