18 ديسمبر، 2024 11:03 م

التطرف هو عدم الاعتدال والغُلو في الاّراء ، وايضاً هو التعصب للآراء بسبب الجهل المركب ، الذي يجعل الفرد لا يعلم اي شيء ويجهل انه لا يعلم اي شيء ، والتطرف قد يظهر على شكل مادي كما نراه اليوم على الساحة العراقية والعالمية ، على شكل تصفيات جسدية واغتيالات وتفجيرات وحروب ، وايضاً يظهر التطرف بشكل متبنى فكري قائم على إلغاء الاخر وانكار وجوده وان لم يقترن بعنف جسدي ( مادي ) ، وسواء كان التطرف مادياً او فكرياً فهو بالنتيجة سيخلق جواً عاماً وبيئة مناسبة لنمو الارهاب ، كون التطرف هو نقطة انطلاق جميع انواع الارهاب والأرضية التي ينطلق منها
من خلال مراجعة عامة ونظرة شاملة لواقعة التطرف في المجتمعات الشرقية عامة والعربية خاصة  نستطيع ان نستنتج جملة من الأسباب والجذور التي جعلت من هذه الواقعة المتجذرة تظهر بشكل واضح في هذه البلدان دون غيرها ، ومن ابرز الأسباب
١- العقائد المنحرفة : التي تجعل من قتل الاخر ( المختلف ) جهاداً يوجب دخول الجنة ، لتعطي مبررات واهية لاستخدام العنف الممنهج ضد الأفراد ، وعدم تقبل اي نقد او اختلاف فكري او ديني باي شكل من الاشكال ، وتركيزها على الآيات التي نصت على القتال والجهاد واقتطاعها من سياقها عن طريق الاجتهادات المغلوطة تارة ، وعن طريق التلاعب بهذه الأحكام بصورة متعمدة تارةً اخرى ، وابرز الأمثلة على ذلك هو الحملة الإيمانية التي أطلقها النظام البعثي في بداية عقد التسعينيات والتي أسست لظهور التيارات السلفية والوهابية المتطرفة في العراق ، وكل هذه البيئة المتطرفة تساعدها اضافة الى العقائد المنحرفة بعض الاعراف والتقاليد الجاهلية التي ورثتها المجتمعات كالعصبية والقبلية وغيرها من السلوكيات التي تبرر إيقاع الاذى المادي او المعنوي بالاخر
٢- الغلو : وهو من السلوكيات التي حاربتها التعاليم السماوية منذ اول الخلق ، كونه يجعل من الانسان يرى نفسه بمنزلة الاله ( مع فارق التشبيه ) ومعه الحق المطلق ، ومع غيره الباطل المطلق ، ومن معه الحق المطلق يباح له ان يستخدم جميع الوسائل لايصال حقه لاصحاب الباطل ، وكذا الامر والاعتقاد كما في رواية الفرقة الناجية ، فوجود الفرقة الناجية قد يكون حقيقياً ولست بصدد اثبات او نفي وجود هذه الفرقة ، وانما فيما يترتب على هذا الاعتقاد حينما يتبناه المتطرف ، وما يترتب عليه من اعتقاد بكفر جميع الامة وارجحيته وطائفته ، الامر الذي يخلق فريقين احدهما حق والاخر باطل وعلى الحق ان يقضي على الباطل لان الباطل كان زهوقا !
٣- وَمِمَّا لا يمكن انكاره او إخفائه البيئة الشرقية التي اعتادت العنف كتعبير عن الشجاعة والرجولة ، حتى نظمت الأشعار والقصائد الطوال في مدح القتلة وقطاع الطرق كتعبير عن قوتهم وشجاعتهم التي اصبحت فخراً لهم ولقبائلهم ، وايضاً التنشئة التي تلقتها الأجيال ولا تزال وخصوصاً إبان فترة سيطرة التيارات القومية والعنصرية والتأكيد على افضلية قومية واستحقار اخرى ، ولايزال هذا الامر وان كان بشكل اقل وطئة ، ليتم التعبير عنه بشكل مختلف ، بعدما كان يعبر عنه في القنوات التلفزيونية الرسمية للدولة ، اصبح يعبر عنه في الفضاء الالكتروني الذي لا يخضع لأي رقابة او محاسبة ، مما يخلق بيئة مناسبة للمتطرفين لتلويث عقول وافكار الشباب وملئها بالتطرف ومشاهد العنف ومحاولة تجنيدهم وتكليفهم بمهام كما يحصل مع الشباب في العالم الافتراضي من خلال الجماعات المتطرفة
٤- الصراعات الاقليمية والسياسية واستخدامها السيء للدين والطائفية لأغراض سياسية ، لينصب كل طرف من اطراف الصراع نفسه كمدافع عن طائفة او أقلية او ديانة ، ليستنهض الهمم بأتباعها لمساندته وان كان ضد بلدهم ، تحقيقاً لجملة من المصالح الاستراتيجية لمد النفوذ والتأثير لتغيير ميزان القوى الاقليمية لصالحه ، ومحاولة التضييق على الطرف الاخر في النزاع والذي يستخدم نفس الأساليب والتكتيكات القذرة لمد نفوذه وكل ذلك على حساب السكان ، والعجيب بالأمر ان اطراف النزاع قد يتوصلون الى حلول وتفاهمات لتوزيع مناطق النفوذ بينهم ، بينما نجد ابناء البلد الواحد يستمرون بالأقتتال نيابة عنهم بسبب الحقد والكراهية التي غرست في نفوسهم مما أدى الى عدم تقبلهم لبعضهم ، وبالتالي فهم يتقبلون الغريب على حساب ابن البلد المسلم في بعض بلداننا !
٥- لقد شاركت في تدعيم منظومة داعش الإرهابية المتطرفة ما يقارب ( ٨٠ ) جنسية من مختلف أنحاء العالم ، اوربا وافريقيا وأمريكا وآسيا على الرغم من عدم وجود مشتركات بين هؤلاء ، وما وحد هذه المجموعات المتناقضة والمتباعدة هو الاعلام الذي يقوم بدور الموجه والمعبر عن هذه المجاميع المتطرفة ، وإظهارها بمظهر البطل الذي يقاتل من اجل القضايا والمعتقدات السامية والذي لا يلتحق به الا ذو حظ عظيم ، ومن خلال قلب الحقائق والتعتيم على الكثير من الجرائم واظهار جانب المظلومية في قضية هذه الجماعات الإرهابية المتطرفة ، ويدعم هذا الجانب بالاموال واستغلال حاجة الكثير من الشباب وجرهم لهذه البؤرة النتنة ، ونتيجة الدعم المالي الغير محدود ، ومنظومة الافكار المرتكزة على ما تقدم يتم السيطرة على عقول الشباب لجعلها تعبر القارات لتتواجد في المناطق التي خطط لها ان تكون مقابر لهم !