18 ديسمبر، 2024 11:06 م

الموت حباً… والحب الذي يقود نحو الرئاسة

الموت حباً… والحب الذي يقود نحو الرئاسة

من منكم يتذكر الفيلم الفرنسي ( الموت حباً ) Mourir d’aimer : من اخراج أندرية كايات André Cayatte الذي عرض في سينما غرناطة في النصف الاول من السبعينات القرن الماضي والذي كان قد عرض لأول مرة في باريس بداية عام 1971 ؟
وأتذكر عندما شاهدته، ان الشابات والنساء كانوا يجهشن بالبكاء في الصالة اثناء عرض الفيلم رغم ان احداث الفيلم لا تتفق والمفاهيم الاجتماعية العراقية. والشرقية. والغريب أن الفيلم لاقى اقبالا كبيرا من المشاهدين، مما أدى بإدارة السينما الى تمديد عرضه أسابيع اخرى.

من الناحية الفنية هو فيلم ميلو درامي، يتحدث عن قصة حب عنيفة بين دانيال المدرسة المتمردة على القيم والتقاليد، وتلميذها، جيرارد ليجوين، الذي مثله ” برونو برادال ” الذي تكبره في السن، والذي لم يبلغ سن الرشد بعد ! (كان سن البلوغ في ذاك الوقت 18 سنة)، وهو مأخوذ من حادثة حقيقية وقعت في فرنسا. .
كان هناك فارق كَبِير في السن بينهما، هي امرأة مكتملة الأنوثة وقوية وتعرف ما تريد، وهو شاب صغير مراهق. أتهمت المدرسة التي أدت فيه دور البطولة،الممثلة “أني جيرادو”، بإغراء تلميذها القاصر بنظر القانون والمجتمع. وعندما انكشفت قصة العشق بينهما، يجابهان معا نظرة المجتمع الرافض لمثل هذه العلاقة التي كان يعتبرها شاذة حينذاك، وغضبت الأسرة، وحاولت منع ابنها من الاستمرار في هذه العلاقة، يتقدم والده بشكوى للقضاء ويتم توقيف المدرسة عن التدريس اول الامر، ولكن استمرارها في العلاقة معه تقوم الشرطة بالقبض عليها ووضعها في السجن، وتخضع لجلسات أشبه بالتعذيب مع أطباء نفسانيين. ويتخلى عنها اصدقائها، وبعد ان تخسر حبيبها، تضع حدا لحياتها بالانتحار، كان ذلك اثناء الثورة الطلابية عام 1968، والتي كانت بداية هدم كل المفاهيم القديمة والبالية في فرنسا، اجتماعيا وسياسيا.

ما الذي أعاد الى ذهني هذا الفيلم ؟ لان فرنسا في هذه الأيام تعيش قصة تشبهها تماما ولكن مع نهاية سعيدة، وأن التلميذ الصغير والمدرسة، ليس فقط ان استطاعا حماية حبهما ومن ثم الزواج رغم فارق الكبير في السن، بل سيدخلان الى القصر الاليزيه معاً، كرئيس للجمهورية الفرنسية وهي كسيدة أولى !

عاشت فرنسا قصص حب غريبة مع جميع رؤوسائها تقريبا في العصر الحديث، عدا الجنرال ديغول، فقد كان مهموما بتحرير فرنسا من النازيين، وكان الرئيس الأخير الذي سيترك السلطة هولند، يعيش مع امرأة بدون زواج وله منها اولاد، وعندما فاز اكتشف الرأي العام انه يعيش قصة حب مع صحفية، ظهرت معه يوم الفوز بالرئاسة على المنصة في ساحة الباستيل، وقبلته امام أنظار أم أولاده والجماهير، وكانت هذه اول فضيحة له، ولكنه بعد أشهر قليلة، استطاع احد المصورين ان يصطاده وهو يغادر قصر الرئاسة على الموتوسيكل وفي غفلة من حرسه الخاص، ويذهب لملاقاة عشيقة جديدة، هي ” جولي غاييه ” ممثلة شابة، ونشر المصور مجموعة من الصور مما أدى الى أن تغضب الصحافية وتكتب كتاب عن علاقتها به وتروي فيه كل شيء، وقد بيعت منه كميات كبيرة، وحازت هي على أكثر من مليون يورو من المبيعات !
نعود الى المدرسة التي فاز تلميذها قبل ايام بالجولة الاولى في الترشيح للرئاسة الفرنسية !
السيدة “بريجيت ” كانت مدرسة للغة الفرنسية والمسرح في مدرسة خاصة، تابعة للآباء اليسوعيين، في مدينة “أميان ” وكانت متزوجة ولها ثلاثة ابناء، من زواج سابق، ووقعت في عشق احد طلابها “مانويل ماكرون “، والذي لم يك يتجاوز عمره 15 سنة وهو من أسرة ثرية والداه طبيبان. كانت تكبره بأكثر من 25 عاما، واحد من اولادها كان أكبر منه بعامين! وأحبها التلميذ بوله وكان يكتب لها قصائد حب، تقرأها على الطلاب وكانت ابنتها زميلة له في نفس الصف .
وعندما اكتشفت العائلة، استاءت، واعتبرت ان هذه العلاقة غير طبيعية، وأنها بالنسبة لابنهم مجرد مشاعر مراهق، سرعان ما تنتهي، فتم ابعاده الى باريس لإنهاء سنته الاخيرة في الثانوية، ولكن القاء بينهما لم ينقطع، وتمرد الولد على أهله واقترن بها وهو بعمر 18 سنة وكان عمرها 43 عاما.
كانت هذه المرأة القوية وراء كل نجاحاته، وهي المستشارة الاولى له وهي التي دفعته للتمرد على من قدمه للحياة السياسية، الرئيس هولند، والذي لم يك احد قد سمع بأسمه من قبل، فقد اختاره كمستشار له في مجال الاقتصاد، ومن ثم فرضه على رئيس وزراءه ” مانويل فالس ” في الحكومة الثانية التي ألفها كوزير اقتصاد، ولكنها بعد اقل من عام حرضته على الاستقالة من وزارة الاقتصاد، ويؤلف حزبا جديدا ( فرنسا الى الامام ) وان يتقدّم للترشيح للرئاسة،
اليوم عمر مانويل ماكرو 39 سنة، وهي بعمر 64 سنة، وجدة لسبعة احفاد من ثلاثة ابناء، وان احدى بناتها وهي محامية، كانت تقود حملته الانتخابية !
ألا يُذكركم هذه الاحداث الحقيقية، والتي لا يقبلها العقل الشرقي، ولا حتى في بعض الدول الغربية، بفيلم الموت حبا ً؟!