18 ديسمبر، 2024 10:11 م

مرارا وتكرارا كتبنا وتحدثنا عن زيف وبؤس ما يطرح حول “السيادة الوطنية” زمن النظام المباد الذي سحق أهم خاصية تستند لها هذه الأكذوبة الأكثر استعمالاً على هذه التضاريس المستباحة؛ أي الإنسان وكرامته وحرياته المدونة في اللائحة الأممية لحقوق الإنسان، وفي حقبة “التغيير” بعد أن استأصل المشرط الخارجي تلك الغدة السرطانية (جمهورية الخوف). أكثر من يجتر هذه الأكذوبة بعد واجهات فلول النظام المباد هي القوى التي سلمت وزارة داخليتنا مؤخراً القطريون المختطفون نهاية العام 2015 في بادية السماوة. ونتذكر جميعاً حجم دعايتها وسعادتها بما أطلقت عليه بـ (يوم السيادة الوطنية) بعد الاتفاق مع الولايات المتحدة الأميركية بخروج آخر عسكري لها من الأراضي العراقية، لتشرع الأبواب أمام أوسع وأبشع احتلالات للأرض والبشر مورست فيها انتهاكات لم تشهدها المنطقة منذ زمن بعيد.
لا أحد بمقدوره الدفاع عن مواقف دولة قطر البعيدة عن الحكمة والإنصاف ومبادئ الاخوة والجيرة تجاه العراق في ظروفه الاستثنائية زمن النظام المباد وبعده، حيث كانت وما زالت من أكثر المتحمسين لإشعال الحرائق والحروب في المنطقة بشكل عام والعراق بشكل خاص، وقد أشار الحاكم المدني للعراق بول بريمر الى مثل هذه المواقف المسبقة في كتابه (عام قضيته في العراق) حيث كتب: (أظهر القطريون الذين التقيت بهم موقفاً استعلائياً تجاه الغالبية العراقية الشيعية، الذين عدّوهم مزارعين منحرفين ومظلين. وعندما أشرت الى وجود طبقة شيعية مهنية قوية في العراق، بدأ الارتياب عليهم…). هذه الحقيقة التي انتبه اليها ودونها لأهميتها بريمر في كتابه، تعجز عن مواجهتتها كل الشبكة الأخطبوطية للإعلام المعادي للعراق الجديد وعلى رأسه قناة الدمار الشامل (الجزيرة). حقيقة بؤس وضحالة العقلية المهيمنة على دولة قطر. لكن من خطف هؤلاء بعد دخولهم الأراضي العراقية بموافقة الجهات الرسمية العراقية، واحتفظ بهم طوال هذه المدة (سنة ونصف تقريباً) ومن ثم أطلق سراحهم طبقاً لصفقة تمت بين دول الجوار الممولة والموجهة لهذه المحارق الإقليمية؛ قدم لأعداء العراق من شتى العقائد البالية كل ما يحتاجونه لإعادة إنتاج طروحاتهم المسيئة للعراق وروحه وهويته الحضارية وتطلعاته المشروعة، كما أنه أطاح بآخر ما تبقى من مساحيق السيادة المزعومة.
هذه الحادثة بكل تفصيلاتها هي جزء من منظومة تزداد تورماً على حساب مشروع الدولة والهوية الوطنية والحضارية لسكان أقدم الأوطان، ذلك المشروع الذي اخفقنا في مهمة إنجازه منذ الربع الأول من القرن المنصرم. إن وجودنا ومصيرنا كأفراد وجماعات، وكما برهنت التجارب والمحن المريرة التي عشناها جميعاً من شتى الرطانات والهلوسات والأزياء؛ مرهون بقدراتنا واستعدادنا وتراصنا حول مشروع الدولة الحديثة ومؤسساتها وتشريعاتها الواضحة والصارمة. وهي مهمة ما زالت غاية في الصعوبة، مع مثل هذه الشروط والمناخات والاصطفافات، وقد زادها النفوذ المتعاظم والسافر لدول الجوار وما بعد الجوار في شؤوننا الداخلية، عسراً وتعقيداً، كما نضح عن حادثة الاختطاف وفصلها الأخير. ومن الأهمية بمكان الإشارة أيضاً الى أمر غاية في الأهمية كشفت عنه تلك الحادثة، ألا وهو زيف كل تلك الترسانة من ادعاءات الولاء للمرجعية العليا في النجف، والتي طالبت منذ اللحظات الأولى لذلك الحدث، بالإطلاق الفوري للمختطفين القطريين، الذين لم يطلق سراحهم إلا بعد 16 شهراً وطبقاً لمشيئة أخرى عابرة للحدود والمصالح الوطنية..

نقلا عن الصباح الجديد