لم يتصور أحد في نيسان (أبريل) ٢٠١٤ خلال حفلة تقليد الرئيس فرنسوا هولاند وزير النفط القطريَ عبدالله حمد العطية وسام جوقة الشرف، أن إيمانويل ماكرون الشاب الذي كان موجوداً في الحفلة إلى جانب هولاند بصفته نائب أمين عام الرئاسة، سيصبح في غضون ثلاث سنوات رئيساً لفرنسا. فماكرون المنفتح والوجه المبتسم على طريقة الرئيس السابق جاك شيراك بدأ ممارسة الشأن العام منذ أن عرّفه أمين عام القصر الرئاسي جان بيير جويي إلى الرئيس هولاند الذي عينه لاحقاً وزيراً للاقتصاد في حكومة مانويل فالز. وكان الأخير على علاقة متوترة مع ماكرون لأنه سرعان ما شعر بأنه سيكون منافساً له. لكن ماكرون استقال مبتعداً من هولاند وفريقه ليؤسس حركة «إلى الأمام» منذ سنة ونصف. ومنافسه فرنسوا فيون عن حزب «الجمهوريين» أعطاه لقب «إيمانويل هولاند» واصفاً إياه بخليفة هولاند الاشتراكي في حين أن ماكرون أسس حركة مستقلة لا من الحزب الاشتراكي ولا من الجمهوريين. وأيدته شخصيات من الاثنين في طليعتها وزير الدفاع الاشتراكي اللامع جان إيف لودريان ورئيس حكومة جاك شيراك الديغولي دومينيك دو فيلبان. وأغلب الظن أنه سيكون الرئيس المنتخب في ٧ أيار (مايو) المقبل.
فور فوز ماكرون في الدورة الأولى شعر المسؤولون الأوروبيون بارتياح كبير، في طليعتهم المستشارة الألمانية أنغيلا مركل التي استقبلته خلال الحملة. وتروي الزميلة الصحافية في جريدة «لو فيغارو» آن فولدا في كتابها «إيمانويل ماكرون» أنه تعرف إلى زوجته بريجيت التي تكبره بخمس وعشرين سنة في المسرح بالمدرسة التي كان يدرس فيها حيث وقع في حبها. وتروي بريجيت للصحافية أنها عندما وصلت لتعلّم في المدرسة كان كل الأساتذة يتحدثون عن إيمانويل، وكانت تعلّم الفرنسية في المدرسة، لكنه لم يكن في الصف الذي علمت فيه بل كانت ابنتها معه. لكنه كان يكتب معها كل أسبوع موضوعاً للمسرح، ومن ثم وقعت في حبه وطلّقت زوجها وكان لها ثلاثة أولاد. وابنتها التي كانت في صف إيمانويل شاركت في حملته الرئاسية.
إن هذا الشاب اللامع الذي أعجب كل من التقاه بشخصيته وذكائه وثقافته الواسعة، كثيراً ما ترك أثراً في محاوريه الأجانب من عرب وأوروبيين. ويروي أحد السفراء أن ماكرون خلال زيارة إلى لندن وكان وزيراً للاقتصاد، أثار إعجاب وزير المال البريطاني جورج أوزبورن بمداخلته ومفاوضته المقنعة. وقد يكون صغر سنه نسبة إلى المركز وخبرته القصيرة في الحكم عائقاً في مواجهة مشاكل ضخمة على الصعيد الداخلي، إلا أنه يعمل لإيجاد عناصر كفوءة تساهم في وضع سياساته. وعلى الصعيد العربي، يتوقع أن يستمر في ديبلوماسية فرنسا التقليدية، وفي الحرص على مصالح بلده في منطقة الشرق الأوسط واعتماد مواقف لن تكون بعيدة من مواقف هولاند، خصوصاً في ما يخص الملف السوري. وقد يعزز شراكة فرنسا مع ألمانيا في الاتحاد الأوروبي.
إن وصول ماكرون إلى رئاسة فرنسا أمر مطمئن نظراً إلى سيرة هذا الشاب وإلى صعوده وتفوقه في حملة صعبة واجه فيها زعيم حزب «الجمهوريين» فرنسوا فيون الذي له تاريخ سياسي لعقود في فرنسا، لكنه فشل نتيجة فضائح استهدفته وسياسات خارجية وداخلية متطرفة في استقطاب الفرنسيين. ومن حظ فرنسا أن يفوز ماكرون على منافسته من «الجبهة الوطنية» مارين لوبن يوم الأحد ٧ أيار لأنها تريد تخريب الأوضاع والخروج من أوروبا واليورو ووقف تأشيرات الدخول إلى فرنسا. فصحيح كما قال ماكرون أن فوزه سيكون صفحة جديدة في السياسة الفرنسية.
نقلاً عن الحياة