11 يناير، 2025 10:49 ص

الشيعـة في المملكة العربية السعوديـة

الشيعـة في المملكة العربية السعوديـة

لا يـقصد من هذا الكتاب المطول لأحوال الشيعة في المملكة العربية السعودية ولمدة تزيد على (120) عـاماً ، خلال عهدين متلاحقين (العثماني والسعـودي) ، لا يـقصد منه المقارنة بين هذين العهدين ، ولا ينـاقش الكتاب قضايا فكرية عقائدية ، ولا يهـدف الكتاب أثارة قضايا طائفية تزيد في الفرقة وتضع المزيد من الحواجز بين أتباع الدين الواحد والوطن الواحد .
والكتـاب إنما خصص للدفاع عن المواطنين الشيعة في السعودية ، فلأنهم الفئة الأكثر حرماناً واضطهاداً في المجتمع السعودي ، حيث ادى الحرمان والاضطهاد الى خلق توترات امنية مزمنة ، آن لها ان تنتهي ، وآن لطلاب الاصلاح من ابناء السعودية الاهتمام بجذرها ومعالجته اذا كانوا يعملون فعلاً من اجل بناء وطن يشعر فيه كل ابنائه بالأمن والطمأنينة والاحترام .
لقـد اعد هذا الكتاب من اجل تحقيق غرضين أساسين : الأول ـ التعـريف بالمواطنين الشيعة فـي السعودية تاريخاً وثقافة وهوية .. لانـهم رغم كثرتهم اريد لهم ان يكونوا مجهولين داخل وطنهم وخارجه لا يـكاد يحس بهم أو يعرفهم احد وكأنهم غير موجـودين أصلا في هذه البلاد وكان المطلوب منهـم تسيير الصناعات النفطية في مناطقهم بصمت حتـى لا يصيب الحرج العائلة المالكة حين يقـال : أن عدداً كبيراً من رعاياهم من الشيعـة . والهدف الثاني ـ تسليط الأضواء على معاناة الشيعة في ظل الحكم السعودي الحـالي القائم على تصورات طائفية .. والـدعوة الى مساواة المواطنين واحترام خصوصيـة كل فئة ومذهب في اقاليم السعودية المختلفة في التاريخ والثقـافة والعادات والطباع والاقتصـاد بل وفي المناخ ايضاً .
ان تـواجد الشيعة في المملكة السعودية ، اصبـح اليوم من الظواهر شديدة الاثارة التي فرضت نفسها عـلى الباحثين والدارسين خاصة خلال الخمس عشرة سنة الأخيرة . وبعد ان كان الشيعة في المملكة اقليـة لا تثير اهتمام احد بل لم يكن يشعر بوجودها الاقـربون فضلاً عن الابعدين ، وبعد ان كان الاستغـراب والدهشة يصدمان العديد من الناس حول اصـل وجود هذه الاقلية في بلد تحكمه اقلية مذهبية اخرى بـدأ العالم ومنذ ت2 /1979 ، أي بعـد انتفاضة الشيعة ضد الاضطهاد الموجه اليهم يتابع تحركهم ويـدرس احوالهم وظروفهم وعلاقة ذلك بالاضطـراب السياسي وتأثيراته المستقبلية على كيان المملكة بشكل عام .
وفـي خضم هذا التوجه والاهتمام المتزايد اثيرت الكثير من المسائل المتعلقة بوجود الشيعة في أهـم منطقة في المملكة ليس حول معتقداتهم وإنـما حول أساس تواجدهم ومناطق سكناهم وتاريخهم وظروفهم واحوالهم اليوم وعلاقاتهم بالسلطة الحاكمة التي تعاقبت على حكم مناطقهم .
التشيـع مذهباً ليس جديدا فيما يعرف اليوم بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية ، (الاحسـاء والقطيف) ، باتفـاق جميع من ارخ لها من الماضين والمعاصرين ولكنهم اختلفوا في تحديد المـدة التي دخلها التشيع ، هـل هي في عهد الرسول الاكرم ام في عهد الامام علي (ع) حيث يرى الشيعة ان التشيـع كان معروفاً في عهد الرسول الاكرم ، وان العـديد من الصحابة عرفوا بموالاتهم للامام علـي ويعتقدون ان اول من بذر بذور التشيع فيمـا عرف قديماً بمنطقة البحرين هو الصحابي أبان بن سعيـد بن العاص الاموي الذي ولاه الرسول الاكرم البحرين مسؤولاً عن بيت المال ، وكان أبان من الموالين للامـام علي فغرس بذور التشيع في المنطقـة ، وبعد وفاة الرسول الاكرم لم يبايع أبــان ابا بكر بالخلافة حتى بايع الامام علي نفسـه ، وتشير الروايات التاريخية الى ان سبب عزل أبان عن منصبة بعد وفاة الرسول مباشرة يعود الى موقفه هذا . بيـد ان المؤرخين يقولون : ان التشييع لم يكن معروفاً حتى خلافة الامام علـي ، وان منطقة البحرين القديمة اعتنقت التشيع في عهده ، وانها شاركت الامام في حروبه كلها (الجمل وصفين والنهروان) .
وأيـاً كان الامر ، فان التشيع ليس جديداً على هـذه المنطقة وانما عمره يزيد على اربعة عشراً قرنـاً ، ويثبت المؤرخون لهذه المنطقة ان رجالها من الصحابة والتابعين والشعراء .. كانوا من الشيعة ، وهم اكثر مـن ان يذكروا .
ويـذكروا المؤرخون ، ان قبائل الشيعة في (الاحساء والقطيف والبحرين الحالية) كانت من اشد الانصـار للامام علي ، ولذلك كان يعتمد عليها في حروبه اكثر من أي قبيـلة اخرى .. وذكروا ان الامام علي كان لا يعـدل بها احداً من الناس ، كمـا كان كثير الثناء عليها ، ومن جملة مديحه لها في واقعة صفين قوله لرؤسـائها : انتم ورعي ورحمي .. انتم انصـاري ومجيبو دعوتي ..
وليـس هناك من شك في ان الغالبية العظمى من سكان الاحساء والقطيف ، كمـا البحرين الحالية ، كانـوا شيعة موالين لأهل البيت منذ عهد الامـام علي . وقد استمر تشبثهم بولائهم هـذا بعد وفـاة الامام علي وسيطرة الامويين على الحكم الذين حاولوا ترسيخ اقدامهم في المنطقة ، الا انهم فشلوا في ذلك لكثرة المناوئين لهـم ولنزوح الكثير من المعارضين للحكم الاموي الى تلك المنطقة سواء من الحجاز او من العراق او غيـرها .. ومن الثابت ان منطقتي الاحساء والقطيف كـانتا بؤرة معارضة للدولة الامويـة حتى انحلالها واستيلاء العباسيين على الخلافة .
وكمـا حدث للامويين ، فـان العباسيين اهملوا اقليم البحرين لأضطرابه ، وكـانت ولايتهم عليه اسميـة ، وقد اتخذ العباسيون المنطقة منفـى للمعارضين ربما لكثرة المعارضة فيها ، ولم يكن لهذه المنطقة فـي نهاية القرن الثالث الهجري أي علاقة بالخلافة العباسية .
وفـي هذه الفترة سيطر القرامطة على المنطقة وامعنوا في الشيعة قتلاً وتحريفاً ، واستطاع (العيـونيون) الشيعة انهاء حكم القرامطة والاجهـاز عليهم وحكموا المنطقة نحو (170) عاماً .
بـعد هذا ، سيطر البرتغاليون على المنطقة فـي اول استعمار غربي صليبي لمنطقة الخليج العربي فـاستنجد بالعثمانيين رغم الخلاف المذهبي ، فكـانت لهم الغلبة وحكموا المنطقة الى ان أنهت قبيـلة بني خالد الحكم العثماني وتحكم المنطقة ، وانـدمجوا مع الشيعة وتحولت كثير من افرع قبيلتهم الى جماعـات مستقرة تعتنق المذهب الشيعي .
ومنـذ عهد السعوديين بقي العنصر الشيعي مؤثـراً سكانياً واقتصادياً واستمر هذا الحال طوال العهد المصـري ثم السعودي الثاني حتى عودة العثمـانيين ثانية الى المنطقة وحكمهم لها اكثر مـن اربعين عاماً الى ان اجـلاهم الملك عبد العزيز عنها .. طيلة هذه السنين كانت الغَلّبة السكانية لصالح الشيعة حتـى وقتئذ .
بـناء على ما تقدم .. يظهر ان التشيع كان ولا يـزال المذهب الاول في المنطقة منذ دخول الاسلام اليها وحتى اليـوم ، ولا صحة للأقوال المغرضة التي تقـول ان التشيع انتشر او وفد من ايران بـل الصحيح هو عكس ذلك . فـأهل هذه المنطقة كانوا عنصراً هاماً فـي فتوحات فارس وكانت الهجرة منهم اليهـا وليس العكس ، فضلاً عن ان المذهب السّنـي كان هو المذهب الرسمي في ايران قبل قيام الدولـة الصفوية ، أي ان عمر التشيع في ايران لـم يزد عن خمسة قرون .
سـكن منطقة الاحساء والقطيف والبحرين القديمة ، قبائل عربية عديدة قبل الاسلام التي هاجرت مـن الحجاز ، وقبل ان يدخل الاسلام الى المنطقـة وبحكم غناها وثروتها واتصالاتها بالاقوام المختلفة لاجل التجـارة ، سكن فيها عدد من العناصر غير العربية وعدد محدود من الفرس الذين كانوا يحكمون المنطقة في جاهليتهـا ، الا ان الغالبية كانت من العرب . وحينما ظهر الاسلام اعتنـقه اهلها سلماً فكانت المنطقة ثاني منطقة تدخل الاسلام بعد المدينة المنورة .
وتـدفقت على المنطقة بعد ظهور الاسلام قبائل امتزجت بالسكان ، وفـي الوقت نفسه  هاجرت اعداد كبيـرة من العرب الى العراق في العقد الثاني الهجـري في خلافة عمر بن الخطاب خاصة الى البصـرة والكوفة اللتين ابتنيتا حديثاً ، ولعل هذا مـا يفسر الوجود الشيعي المكثف فيهما الذي بدا واضحاً في اواخـر عثمان بن عفان .
ان كثـيراً من أسر الشيعة المتحضرة ترجع في اصولها الى هذه القبائل العربية ، وان كـان المتحضرون في كل بلاد الدنيا لا يهتمون بالانساب والاعتـزاز بها ، وان العديد من سكان الاحساء والقطيف يعرفون اصولهـم العرقية رغم انهم لا يستطيعون اثبات هذا الانتماء بذكر اتصاله بفرع معروف من فروع القبائل العربيـة ، ويعتبر الباحثون ان هذا الامر طبيعي جداً ، وهي احدى صفات التحضر والاستقـرار . وبعكس هذا نجد البدو يعتزون بأنسـابهم ويعرفون اصولهم وكانت بادية الاحساء والقطيف تتلقف الكثير منهم وهم في اغلبهم  سنّـة يفدون من وسط وغرب وجنوب الجزيرة العربية في حين كان السكان الحضر وعلى الدوام شيعة .
ان الشـيعة عرب في اصلهم ، وهم قسمان : قسم ينتمي الى القبائل العربية الاصليـة القديمة التي كانت تقطن المنطقـة قبل الاسلام ، وقسـم ينتمي الى اصول بدوية تحضرت واعتنقت المذهب الشيعي او عوائل وفروع قبائل اغراها السكن والرفاه فوفدت من مدن ومناطق مختلفة الى الاحساء والقطيف واندمجـت مع البقية وذابت عصبيتها .
معـظم المصادر العربية والاجنبية تجمع على ان شيعة الاحساء والقطيف من ذوي الاصول العربيـة ، وانهم سكان المنطقة الأصليين منذ قرون طويلة .
وبـرزت في السنوات الاخيرة ، ادعاءات تقـول : ان الشيعة غير عرب لأسباب طائفية وسيـاسية معروفة وكانت مثل هذه الادعاءات قد راحت قبل ان تصبـح البحرين امارة مستقلة حيث طالب الشـاه الايراني المخلوع بها ، وكان العداء السيـاسي مع ايران الشاه ومحاولة الاخير الادعاء بتمثيلها لكل الشيعـة في البحرين بقسميهم العربي وهو الاكثرية والاقليـة ذات الاصول الاعجمية التي وفدت قبل قـرون اثناء سيطرة فارس عليها .. كـان هذا الجواب هو الذي دفع بالقليل من الكتَّاب الى القول بأن الشيعـة غير عرب في حين تصدى لهم آخرون واثبتـوا عروبة البحرين من خلال عروبة التشيع والشيعـة  وبالتالي عدم احـقية فارس في تمثيلهم .
وبـالنسبة لمنطقتي الاحساء والقطيف ، فأن احتكاكها بفارس كان ضعيفاً عدا التوافق المذهبي ونـزوح جماعات من الشيعة الى اقاليم فارس المأهولة بالعرب على امتداد ساحل الخليج الشرقي وبالخصوص الى ما عرف سابقاً باسم امـارة عربستان ، ولم يثبت المؤرخون كما لم يعهد السكان الشيعـة المحليون ، ان عناصر فارسية استوطنت هذه المنطقة بعـكس مناطق الخليج الاخرى حيث تتواجد اقليـات ايرانية شيعية وسنية في الامارات وقطر والكويت .
غيـر ان تصاعد الخلاف بين ايران بعد ثورتها على الشاه مع الحكومة السعودية ، وعزف الاخيـرة على الوتر القومي الذي سبق لها ان حاربته بالعـزف على الوتر الديني في العهد الناصري ، هـو الذي سوغ لبعض الطائفيين الطعن فـي عروبة الشيعة وعروبة التشيع ايضاً .
ان قـضية التمييز الطائفي في السعودية كان يجب ان تكون محط اهتمام كل المخلصيـن والعاملين من اجل رفعة الوطـن ، وكان من المفترض ان يدافع هؤلاء عن ابناء وطنهم وجلدتهم ، من اجل مصلحة الجميـع .. الا ان هذا لم يحدث ـ يتأسف المؤلف ـ الا في حدود ضيقة للغاية ، بل انخرط بعض المثقفين في مشروع السلطة الطائفـي ، وتجاهل بعضهم الآخر الموضوع ، حتى لا يورط نفسه في مشاكـل سياسية مع النظام ، ولـكن كانت هناك مجموعة من ابناء السعودية ـ يقول المؤلف ـ رفضوا التمييز الطـائفي وحاربوه جهد امكانهم بل ودفع بعضهم ثمن موقفه ذاك .
بـدهي ، الانتماء الى طائفة لا يجعل المرء طائفياً ، فـالطائفية ليست مجرد انتماء وألا اصبح كل انسـان في السعودية بل وفي كل مكان من العالم طائفياً .
كمـا ان دفاع المرء عن طائفته التي انتمى اليها بحكم الوراثة او بحكم التبني والاقتناع بفكرها ليس امـراً معيباً خاصة اذا كانت تلك الطائفة تتعرض لشتى اصناف القهـر والاذلال .. الا اذا كان القصد من ذلك الدفـاع ، هضم حقوق المواطنين الآخرين ، مادياً ومعنوياً .
ان التمـييز الطائفي وليس الانتماء الطائفي او الدفاع عن الطائفة التي ينتمي اليها المواطن هــو الذي يجعل من الانسان طائفياً . وقد حرص المؤلف على ايضاح معـالم سياسة التمييز الطائفي التي ينتهجها الحكم السعـودي ضد المواطنين الشيعة ، ودعـا الى الغاء تلك السياسة التي احدثت توترات داخلية شديـدة وأثرت في الاوضاع الأمنية في اهم منطقة من مناطق السعودية .
ان دفـاع المواطن عن طائفته التي تتعرض للاذى ، دفاع عن النفس ، بــاعتباره أحد افراد تلك الطائفة ، وهـذا أمر طبيعي جداً ، لأن المواطنة في السعودية اخضعت منذ وصول العائلة السعودية الى الحكم لمعيار مذهبي .. فـالمواطن الصالح بنظر تلك العائلة هو ذلك المواطن الذي يتخلى عن هويته المذهبية لصالح هويتها هـي ، اما من يتمسك بهويته فلا يوثق به ولا يحق له حتى مجـرد المطالبة بحقوق المواطنة .
مـن خلال هذه الرؤية ، جـرى التعامل مع العديد من ابناء السعودية فنزعت حقوقهم الدينية والوطنية خاصة الشيعة الذين اعتبـروا أغلبيتهم في مناطق النفط ذوي قيمة كمية ضئيلة .
والغـريب ان العديد من اركان النظام الطائفي في السعودية ـ التسمية للمؤلف ـ يعتبرون دفاع الشيعة عـن انفسهم ودعوتهم لالغاء سياسة التمييز المنتهجة ضدهم عملاً طائفياً ، فأصبح التمييز الطائفـي للذين لا يملكون سلطة ولا قوة ولا مالاً ولا صوتاً .. طائفيين .. واما اولئك الذين يمارسون الطائفية بـالقول والفعل ومن مركز القرار وهم في موقع المسؤولية الوطنية .. اولئك الذين يعتبرون انفسهم جنـوداً في الحرب الطائفية التي اشعلوها خدمة لمصالح فئة او عائلة .. اولئك الذين يملكون رسائل الاعلام واسلحـة القتل واموال النفط ويحتكرون الفتاوى والتحدث باسم الدين ، اولئك وحدهم هم الوطنيون الوحدويون ـ يعـلق ساخراً المؤلف ـ .
إن الشـيعة في السعودية ورغم انهم يتبعون المذهب الأثني عشري كالايرانيين والعراقيين واللبنانيين وغيرهم ، الا انهم عرب وفي بعض الاحيان يسمون بـ (البـحارنة) نسبة الى البحرين القديمة دلالة على اصالتهم فـي هذه المنطقة وهم عرقياً قريبون من الشيعة في البحرين . ولفظة (البـحارنة) يطلقهـا الطائفيون للسخرية والانتقاص ، ومفـرد البحارنة بحراني ، وهي صيغة عربية صحيحة لـلانتساب ، فكل من سكن البحرين (الاحساء والقطيف والبحرين الحالية) فهو بحـراني ، ولان كل البحارنة تقريباً هم من الشيعة ، لـذا اصبحت الكلمة مرادفة في المعنى للشيعي ، فـالبحراني تعني الشيعـي ، وتعنـي ساكن المنطقة الاصلي الا انها تعطي بالنسبة للطائفيين معنـى دونياً تمييزياً ، فـالبحراني الشيعي ابن المنطقة بالنسبة لهم هو غير العربـي الذي يعني البدوي القبلي والسيد المسيطر .
ان المـآسي التي تعرض لها الشيعة في السعودية تبدو مقاومة طغيان الطائفية امراً محتماً وواجبـاً شرعياً ومشروعاً ، بـل ان الواعين من ابناء الطائفة يرون الا سبيل امامهم لتحقيـق الحياة الحرة الكريمة الا بمقاومة سياسة التمييز الطـائفي والنظام الذي يرعى تلك السياسة ويعتبرها احدى اهم اركان مشروعه السياسي . ويـعترف المسؤولون بوجود مشكلة تمثلها الاقلية المذهبية الشيعيــة السـاخطة على النظام القائم ولكنهم لا يقرون بحقها فـي الدفاع عن نفسها واعلان مظلوميتها .
لقـد كانوا ولا يزالون ينظرون الى المشكلة باعتبارهـا قضية مؤجلة الحل وان الزمان كفيل بحلحلتها او تجاوزها ، وقـد ثبت بأن تأجيل الحل او التأخر عن المبادرة والسعي اليه من قبل المسؤوليـن وضع اعاقات جديدة امام حلها فأصبحت مناطق تواجد الشيعة بؤراً للقلاقل والاضطرابات خاصة فـي العقود الاربعة الماضية .
اراد الامـراء السعوديون معالجة الظواهر دون الاهتمام بخلفياتها التاريخية والاجتماعية والاقتصاديـة ، فتوجهت انظارهم لوضع حلول آمنة لتـلك الظواهر ، وبـدا واضحاً ان الحكومة السعوديـة مصرة على حل مشاكلها مع مواطنيها الشيعة بـاعتبار ان قضيتهم قضية امنية مقطوعة الجـذر يمكن حلها بالطرق السريعة عبر الاعتقالات والاعدامـات والتعذيب وممارسة المزيد من التضييق في المجال العقائـدي والمزيد من الحرمان في المجال الاقتصادي والمزيــد من الابعاد لمجمل ابناء الطائفة الشيعية في المملكة عن الواقع الاجتماعي والسيـاسي لعموم البلاد ، وذلك بأثارة النعرات الطائفيـة ليكون بقية المواطنين بمنأى عن التأثيـرات المعارضة التي يمكن ان تصل اليهم في ظل اجواء الانفتاح والتـلاقي .
ولـم تدخل القضية الشيعية منذ ولادتها مسار حل واقعي مقبول من السلطة السياسية واجهزتها الامنـية . كل ما كان يعني السلطة هو تأجيل حـل المشكلة ومعالجة الانشقاقات التي تظهر بين الحين والاخر بفـرق المباحث والحرس الوطني . ولـلحق فأن عوامل عديدة ساعدت على تكريس معاناة الاقلية الشيعية في المملكة لا تـرجع كلها الى النظام السياسي القائم وان كان الاخير يتحمل الجزء الاعظم من المسؤولية تجاهها ، وهـذا دفع بالمواطنين الشيعة لانتهاج اكثر من وسيلة بحثاً عن مسار يـؤدي في نهايته الى الحـل . كما ان الكثير من الاطراف الشيعة الفاعلة ترى ان الحل لم يعد مرهوناً بالظروف المحليـة فحسب بل وبالظروف الاقليمية والدولية ايضاً .
لـقد انتهج الشيعة بعد ان عجزوا عن تحقيق مطالبهم سبيل المعارضة السياسية للنظام حيث ارتـأت اكثر زعاماتهم ان مشكلة الشيعة مع النظام السعودي جزء من مشكلة الوطن الكليـة ، تلك المشكلة التـي خلقها نظام سياسي متخلف ـ على حد قول المؤلف ـ قائم على منهج فكري ومذهبي احـادي البعد لا يعتمد على ارادة شعب ولا على قانون مكتوب تحكم البلاد بموجبه ولا يؤمن باستقلالية القضاء عن السلطـة التنفيذية التي يُطبق الامراء عليها كامـلة . ان نظاماً بهذا الواقع المتخلف لا يجحف من وجهـة نظر زعماء الشيعة حق عامة الشعب فحسب بل ينسحـب اجحافه وظلمه ليخص طائف معينة بمزيد من القهر والحرمان والتمييز .
فـي ختام كتابه ، نبه المؤلف الى حقيقة خطيرة هي انـه على الرغم من وجود خاصية لكل اقليـم من اقاليم المملكة السعودية التي توحدت رسمياً قبل كذا سنة .. فـان النزعة الانفصالية ضعيفة ولكنها موجـودة ، يساعد على ذلك السياسات الحكومية نفسها .
فـالمضطهد لكونه من الحجاز او لانه ينتمي الى مذهب التشيع فـي الشرق قد لا يشعر باحترام للكيـان السياسي القائم الذي لا يحترم خصوصيته او الـذي يريد ان يلغي تلك الخصوصية بالقوة والجبــر .. ومن حق المواطن الذي يحرص على وحـدة البلاد ان يخشى ان يكون السيف ، الذي وحدها هو نفسه الـذي ينفخ فيها الـروح الانفصالية ويجري كل ذلك تحت السطح ، فأذا مـا ارتفع سلطان القهـر الـذي يعتبر عامل التوحيد الاول والاخير قد يكون مآل الشيعـة مثل مآل الاتحاد السوفياتي السابق والدولة اليوغسلافية .
الجميـع ـ يؤكد المؤلف ـ في السعودية يعي حقيقة ان الوحدة افضل من الانفصال لكن الوحدة التي تعرّض حقوق شريحة واسعة من السكان الى الخطر والضياع لا ينظر اليها بأهتمام وتتفشى في المضطهدين الروح الانفصاليـة .. وهذا بالقطع موجود في مناطق الشيعة والحجاز وربما في مناطـق اخـرى من المملكة السعودية وليس هناك من حلول للقضاء على مثل الروح الآخذة في الانتشار الا بالقضاء على عوامل التذمر وان يكون توحيـد المصالح والنفوس اهم من توحيد الاراضي بالقوة … ومن هنـا ينبع خطر ما تجره سياسة التمييز الطائفي والمناطقي الحكومية .. انها تجـرنا ـ الكلام للمؤلف ـ  الى التشـرذم وتؤجج في نفوس مواطنينا الروح الجاهلية الانفصالية ، رغـم ان العائلة المالكة لا تزال تفاخر بانهـا حققت الوحدة بالسيف ، ولكـن إلم يئن لهذا السيف ان يوضع في غمده قبل ان يتحــول ضد السيـاف نفسه ؟

* الكتـاب :
الشيعة في المملكة العربية السعودية، 2جـ ، تأليف : حمزة الحسن ، ط1 ، دار الساقي ، بيـروت ، 2010 ، 1036 ص .

waleedkaisi @yahoo.com

أحدث المقالات

أحدث المقالات