لاريب ان الدور التركي في المنطقة العربية بات محورياً، فتركيا حاضرة فعالة في كل الدول العربية المتأزمة والمستقرة والثائرة : سياسيا واقتصاديا ومؤخراً عسكريا على الرغم من دعاوى منظر السياسة الخارجية داوود اغلو بتصفير المشاكل في الداخل والخارج ، فالكل يعلم بأن السياسة التركية انتقلت من القوة الناعمة الى القوة العسكرية في ليبيا واقليم كوردستان وسوريا مؤخراً .
ولتركيا تاريخ طويل مع المنطقة العربية عامة والعراق خاصة .. فقد كان العراق جزءاً من السلطنة العثمانية لمدة أربعة قرون، وشهدت أراضيه الصراعات الدامية بين تلك السلطنة والدولة الصفوية في إيران، وتبادلا احتلال العراق والذي كان يأخذ بُعداً طائفياً مع مطامع إقليمية في السيطرة والتوسع، وقد أثرت هذه الحالة على الأوضاع في العراق بخلقها صراعات طائفية تتنوع مع طبيعة الاحتلال المتبادل، وذلك ما خلق حساسيات وتخندقاً لم يكن الشعب العراقي يعرفه قبل ذلك علماً بأن الطابع الطائفي للدولتين المتنافستين كان غطاء لصراع سياسي ومصالح متناقضة
قامت تركيا الجديدة عام 1923 بعد سقوط الدولة العثمانية إثر هزيمتها في الحرب العالمية الأولى ولكنها بقيت تحتفظ بولاية الموصل العراقية حتى عام 1926 حيث عادت منطقة عراقية ضمن تشكيلة المملكة العراقية، ولكن الحكومة التركية ضمت لواء الاسكندرونة العربي السوري إلى أراضيها نتيجة تواطؤ فرنسا لضمان حسن علاقاتها مع تركيا ومساندتها لسياستها الاستعمارية آنذاك.
وعند قيام إسرائيل عام 1948 اعترفت بها تركيا بعد عام من اعلانها دولة على الاراضي الفلسطينية التي احتلتها بمساندة بريطانيا وبعض الدول الغربية، وكانت حركة التحرر العربي آنذاك تناهض تركيا العداء بسبب انضمامها عام 1952 إلى الحلف الاطلسي المعروف بعدائه لحركات التحرر العربية والعالمية وعمله على الابقاء على استعمار بعض دوله لمناطق عربية واسعة.
ولكي لا نغرق في تفاصيل التاريخ وملابساته ، نستنتج وباختصار شديد أن الدولة التركية كانت تابعة للسياسة الغربية، وأداة فعّالة بيدها في منطقة الشرق الاوسط خصوصاً وأنها تُحكم من قبل العسكر بقيادة كمال أتاتورك
واستمرت الامور على هذا المنوال حتى عام 2002 عندما أستطاع حزب العدالة والتنمية الوصول إلى السلطة، وبذلك أنتقلت تركيا إلى مرحلة جديدة إتسمت بسعيها إلى إقامة تقارب مع العالمين العربي والاسلامي وبخاصة بعد شعور تركيا أن انضمامها إلى الاتحاد الاوروبي بات بعيد المنال في المدى المنظور، فأخذت تبحث عن علاقات ونفوذ في هذين العالمين وخصوصاً في دول الجوار العربية لتركيا.
لقد غيّرت تركيا موقفها جذرياً من القضية الفلسطينية وأصبحت تساند الحق الفلسطيني العربي، وتطورت علاقاتها مع الدول العربية والثنائية مع العراق حتى وصل حجم التبادل التجاري بينهما إلى حوالي 12 مليار دولار سنوياً وهناك تقديرات تشير إلى أن هذا العام سيشهد تخطي هذا الرقم بكثير، وأصبحت الأسواق العراقية مهمة لتركيا علاوة على تصدير قسم من النفط العراقي عبر ميناء جيهان التركي.
وآزاء هذا التطور في العلاقات العراقية – التركية أصبح لتركيا حضور فاعل في العراق وجرى فتح عدة قنصليات في مناطق مختلفة من البلاد.
وأمام هذه الصورة التي كنا نأمل أن تكون ضمن إطار المصالح المشتركة والاحترام المتبادل بين البلدين، رأينا مع الأسف، أن تركيا بدأت في محاولات للتدخل في الشأن العراقي الداخلي، مما ولّد إشكالات عديدة منها التدخل في كركوك والاعتداءات المستمرة على اقليم كردستان العراق.
أما في الجانب الحياتي والاقتصادي فهناك مشكلة مستديمة تتعلق بشؤون المياه، فتركيا تأريخياً ترفض تخصيص أية كمية محددة من مياه دجلة والفرات للعراق وهذا يسبب بحدوث خلافات ومشاكل حقيقية، فمشروع (غاب) التركي سيؤدي بعد إكماله إلى خسارة العراق 40% من أراضيه الزراعية، وكذلك فأن سد (أليسو) الذي يتحكم بالمياه الواردة عبر نهر دجلة فسيخفض مناسيبها بنسبة 47%، وعلاوة على ذلك فأن الاخطر من هذا كله ومع الأسف الشديد نجد في الآونة الأخيرة أن خطابها كان مدمجاً ومصحوباً بالنزعات المذهبية، فقد أرجع اردوغان الصراع في سورية إلى أسباب مذهبية كما جرى التدخل في الصراع السياسي بين الاطراف الحاكمة في العراق، وزادت تصريحاته حول المذاهب في العراق من حجم التدخل التركي.
إننا حين نشير إلى هذه السياسة التركية السلبية، نؤكد من جانب آخر بأن تركيا بلد هام وجار، ونحن مع تركيز وتوسيع العلاقات معها على أساس المصالح المتبادلة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والعمل على عدم توتير هذه العلاقة بل تعزيزها بما فيه مصلحة الدولتين الجارتين، وتوفر النوايا الصادقة لحل المشاكل، وتوقف تركيا عن التدخل في الشأن العراقي، والكف عن سياسة التعامل مع الفرقاء العراقيين على أسس طائفية وإقامة العلاقات مع القوى السياسية من هذا المنطلق الخاطئ والمضر، كما لابد من إيقاف الاعتداءات المتكررة على الأراضي العراقية، وحل مشكلة المياه، ومحاولة التوصل مع العراق إلى إتفاق يوفر الامن والاستقرار المستقبلي فذلك كله سيعزز ويوطد من العلاقات في مختلف المجالات بين البلدين.
ولابد لنا من التأكيد بأن العراق بحاجة إلى تمتين الوحدة الوطنية والكف عن سياسة المحاصصة، وتحقيق المصالحة الوطنية والاعتراف بالآخر، وبناء الدولة المدنية الديمقراطية التي تحقق المساواة والعدالة.
إن كل هذا سيجعل العراق قادراً على وضع أسس فعّالة وصلبة في علاقاته مع تركيا والدول الاخرى، وتأكيد السيادة العراقية، وسدّ المنافذ بوجه القوى التي تضمر الشر للعراق.
إننا نأمل بأن تكون علاقاتنا مع تركيا فعّالة ومتطورة وبما يخدم الشعبين الصديقين الجارين.
* الامين العام للحركة الاشتراكية العربية