23 ديسمبر، 2024 6:30 م

يعكس اتجاه أو تصرف الحكومات عما تضمره في دواخلها من نهج وتتبعه من سياسات ‘ تماشيا مع القاعدة التي تقول ( مايخفيه القلب تظهره فلتات اللسان ) ‘ لذلك جاءت تلك الفلتات والتي صدرت على لسان حكومة السيد نوري المالكي ومن يمثلها واضحة جلية وصريحة وتحمل من الإشارات ما يعكس النوايا ويبين حقيقة الأمور‘ وإن حاول رئيس الوزراء ومن معه إخفاء ملامح تلك الهواجس والعمل على اتجاهات ربما تتناقض ومسيرة الرجل وشكل النهج الذي هو عليه.
  اليوم لم يعد خافيا على أحد أو كل متتبع للحدث العراقي إن موضوع تولي السيد نوري المالكي لرئاسة الوزراء كان بدعم مباشر بل بضغط قوي من قبل الجهات الإيرانية التي رفضت تولي علاوي الرئاسة بعد أن فازت كتلته التي يقودها بأغلبية الأصوات في الانتخابات الأخيرة‘ وهو ما كان يشكل تهديدا مباشراً للمصالح الإيرانية في العراق بل كان بمثابة عملية نسف لما يسمى بالعملية السياسية التي أسست لها الإدارة الأمريكية وتوارثت إدارتها الحكومة الإيرانية بكل تفاصيلها لتصبح هي المتحكم الأول فيها رغم التواجد الأمريكي حينها‘ وهذا يعني إن هناك ما يخفى فيما بين الجهتين الإيرانية والأمريكية يخدم مصالحهما على حساب العراق وأهله.
إن سياسة الصمت المطبق التي مارستها إدارة الاحتلال الأمريكي على الساحة السياسية الدولية فيما يخص التجاوزات الإيرانية في العراق تثبت صحة توجهنا على الرغم من التواجد الأمريكي كما ذكرنا‘ فقد كانت إيران وعلى طول الخط ومنذ 2003 حتى اليوم هي المتحكم بالشأن العراقي ‘ وكان العراق ولازال يدار من قبل الأجهزة الإيرانية ومنها المخابرات والحرس الثوري وهذه حقيقة لا يختلف فيها اثنان‘ وربما دعمت اليوم بتصريحات قاسم سليماني قائد ما يسمى بفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني كما أسندت بتصريحات السفير الإيراني الحالي في بغداد والذي أكد رفض بلاده إقامة الأقاليم في العراق معللاً تصريحه هذا بان الموضوع يضر بالمنطقة ككل ودول جوار العراق بالذات.
لا نريد أن نثبت اليوم في هذا الموضوع صفة التبعية التي عليها حكومة نوري المالكي لجهة إيران فهي معلومة وواضحة ولا لبس فيها‘ لكن الذي نريده هنا هو أثبات شكل هذه الحكومة منذ توليها المسؤولية كما يقولون ولحد الآن .
فالحكومات لها أشكال متعددة وصفات كثيرة في العرف السياسي  فقد تجد أن هناك حكومة تهدئة كما أن هناك حكومات يطلق عليها مسمى حكومات التسوية وأخرى ديكتاتورية وغيرها طائفية‘ وحكومة محاصصة وهو النهج الذي كرسه الدستور العراقي وطبق مساره في العراق على غرار ما هو موجود في المنطقة  ولإيران أصابع خفية ومعلنة في تشكيلها وقد ذكرها قاسم سليماني بالاسم منوهاً لسيطرة بلاده على أجزاء من تلك البلدان وارتهان القرار في تلك الأجزاء للقرار الإيراني.
وأيضا هناك حكومة حرب كما كانت توصف حكومة بوش الابن في الولايات المتحدة ومثلها حكومة بلير في بريطانيا‘ وهناك حكومة أزمة وهي التي نعنيها هنا والتي تتمثل بحكومة السيد المالكي سواء في ولايته الأولى أو ما يمارسه الرجل وحكومته اليوم في الولاية الثانية التي فرضتها إيران كصيغة لحكم العراق‘ حيث لم ينتهج السيد رئيس الوزراء منذ توليه المسؤولية في البلاد النهج المطمئن لنظرائه المشاركين فيما يسمى بالعملية السياسية خاصة في الفترة الثانية الفترة الحالية التي أعتلى فيها سدة الحكم بعد أن فرضت إيران أجندتها التي قال عنها قاسم سليماني صراحة بأن المؤسسة السياسية في العراق اليوم تابعة لإيران تتحكم فيها كيفما تشاء والتي أظهرت الردود الحكومية صدقية ذلك في ظل أزمة التصريحات المتداولة والمتقابلة وما حملته من اتهامات وتلميحات فيما بين العراق وإيران وتركيا ‘ فقد تجاوز السيد رئيس الوزراء تصريحات سليماني والسفير الإيراني والتي عكست حجم تدخل الحكومة الإيرانية الواضح بالشأن العرقي  الى ما صدر عن السيد أردوغان رئيس الحكومة التركية فيما يخص العراق والذي اعتبره رئيس الوزراء العراقي تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية العراقية وصلت الى اعتباره ( إعلان حرب) على لسان احد مستشاريه ‘ فيما غض الطرف كما أسلفنا عن التدخل الإيراني الوقح والمعلن والواضح ولم يصدر ضده أي رد يبين ولو على سبيل التمويه  أو التورية لينفي عنه وعن حكومته التبعية التي عليها تجاه الحكم الإيراني .
 الموقف يسير باتجاه خلق حالة تأزم واضحة  تربك الشارع العراقي وتأخذه الى غير هواه ‘ كما أنها تربك الاتجاهات السياسية في المنطقة ككل وتذهب بها الى عملية إنشاء أو تكوين تكتلات ربما لا تحمد عقباها سيما وأن المنطقة ملتهبة وأشبه ما تكون ببرميل بارود نتيجة السياسة الإيرانية التوسعية في المنطقة وتهديدها لدول الجوار وتدخلاتها المعلنة في أكثر من مكان هنا وهناك.
وهنا يكون توصيف حكومة الأزمة هو التوصيف الأدق لحكومة السيد نوري المالكي ذلك أن الرجل ما أن تنتهي أزمة حتى يختلق أخرى تجعل البلاد على شكل دائم وابدي تعيش حالة تأزم واضحة لا يستطيع معها الشارع العراقي  أن يأخذ نفساً أو يتدارك ما أصابه  ويطبب جراحه التي خلفتها سياسة نوري المالكي بهذا الاتجاه‘ فمن الصولة التي أسماها بصولة الفرسان  والتي ضرب وأقصى بموجبها عناصر التيار الصدري والتي شملت كل مدن العراق تقريبا وكان ختامها في البصرة التي حاصر فيها جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر رئيس الوزراء وكادوا أن يقضوا عليه لولا تدخل الأمريكان وإخراجه من الحصار الخانق الذي فرضه عليه أتباع الصدر ‘ الى سابقتها والتي أحدثت انشقاقا في صفوف حزب الدعوة الذي كان يتزعمه الجعفري قبل أن يعزله المالكي ليذهب بعيدا ويؤسس تياراً أخر وكياناً مستقلاً عن حزب المالكي ‘ وصولاً الى أزمة الانتخابات والتي أستخدم فيها رئيس الوزراء الطيران ليضرب ويسقط من خلاله المنشورات التي تؤيد حزبه مقابل خلقه لحالة الحظر التامة على نظيره المنافس له علاوي ثم قيام قواته ومليشياته بقصف المناطق السكنية التي تؤيد رئيس الوزراء الأسبق علاوي بمدافع الهاون والتي قتل فيها من قتل لتكون الأزمة في أوجها ما أستدعى التدخل الإيراني ليفرض أجندته ويؤسس لمرحلة ثانية يترأسها المالكي عبر المحكمة التي فسرت اللغط الحاصل حول الانتخابات بأن الفائز هو من يملك الكتلة الأكبر وليس عدد الأصوات وهي سابقة خطيرة تشير الى عدم نزاهة القضاء وعدم حياديته‘ ولم يسبق وإن حدثت في مكان أخر غير العراق‘ وصولاً الى الأزمات الأخرى التي أختلقها المالكي وحكومته وكانت نتيجتها ضياع الأموال والأنفس والثمرات.
وأخيرا الأزمة الحالية التي تشهدها البلاد والتي جاءت على خلفية اتهام المالكي لنائب رئيس الجمهورية السيد طارق الهاشمي بالإرهاب‘ وهذه لازالت تبعاتها مستمرة وتوابعها قائمة وما التفجيرات التي تشهدها المدن العراقية إلا مثال على خلفيات هذه الأزمة التي تركت ظلالها القاسية الوخيمة على الشارع العراقي وهي في طريقها لتفرز أنواعاً من التبعات التي نحن في غنى عنها ‘ وهنا لابد من تساؤل نوجهه الى القضاء النزيه في العراق‘ إذا كان الهاشمي متهماً بالإرهاب فكيف وصل الى المنصب الذي يشغله سيما وأن هناك من يملك وثائق دامغة حسب قوله ومنذ سنين تدين الرجل وتثبت جرمه ومن سهل له ‘ ثم لماذا سكت هذا الذي يملك تلك الأدلة والتي اسماها بالملفات خلال مؤتمره الصحفي الذي أعلن فيه عن امتلاكه لتلك الوثائق الجرمية ‘ ثم القاعدة القانونية تقول من تستر على مجرم عد مشاركاً بالجريمة ‘ فهل يعفى السيد المالكي من الجرم كونه تستر على مجرم كما يقول ونصر على معاقبة المجرم فقط ‘ هذا إذا ذهبنا نحو تصديق المالكي في اتهامه للهاشمي ‘ وأظن أن ليس هناك من عاقل قد يذهب لتصديق السيد المالكي بعدما أثبت وبالملموس تعاطيه مع الكذب ما حدا بالشارع العراقي أن يطلق عليه النعت المشهور ( جذاب نوري المالكي).
[email protected]