23 ديسمبر، 2024 9:35 م

العراق في زمن الخديعة

العراق في زمن الخديعة

قديما قالت العرب أن الحرب خدعة، أي بمعنى اذا اردت أن تقهر عدوك أو خصمك فلا بد أن تسلك طرقا لا يعرفها وخططا لا تخطر على باله،أي أن تكون اكثر منه ذكاءا ودهاءا، لكي تستمكن منه وتنتصر عليه، المشهد السياسي العراقي يمارس هذه اللعبة، فالكل لا يثق بالكل والكل يريد الإيقاع بالآخر واسقاطه أرضا والاستحواذ على الكعكة بأكملها، فالعملية السياسية بحكومتها وأحزابها وشخصياتها النافذة تمارس لعبة القط والفأر حتى داخل الكتلة الواحدة، وشهدت هذه العملية العرجاء كما أسمتها الصحف الأمريكية يومها، تشظيات وانشقاقات وانسحابات كثيرة جدا منذ انتهاء الانتخابات التشريعية ولحد الآن، فكتلة التحالف الكردستاني انسحبت منها جماعة نشروان مصطفى التغيير (كوران) والعراقية الكتلة البيضاء والتحالف الوطني مستقلون وغيرها مثل جماعة عبد الكريم المحمداوي والقاضي وائل عبد اللطيف، والتوافق تفككت وانضمت إلى العراقية تحت مسمى (تحالف الوسط) وهكذا بقية الأحزاب والكتل الصغيرة مثل الحزب الشيوعي العراقي وحركة يونادم كنا ،اذن هذه الانشقاقات والتشظيات لم تكن عفوية أو ظاهرة ديمقراطية كما يصورها البعض ،ولكنها تؤشر حالة ارتباك وهيمنة الكتل الكبيرة وتفردها في القرار السياسي، دون الرجوع إلى البقية، وصولا إلى تناحر الكتل الكبيرة، وصراعها السياسي الدموي على المناصب والمغانم في نفس الوقت ،وما تشهده العملية السياسية الآن هو نتاج هذا الصراع ،فالحكومة ناقصة لم ولن تكتمل حتى نهاية ولاية حكومة المالكي بعد سنتين ،ويكاد يكون اصرار دولة القانون تحديدا بالهيمنة على وزارتي الدفاع والداخلية والآمن الوطني والأجهزة الأمنية هو ما أوصل الوضع الأمني والسياسي إلى هذا المنزلق الخطير الذي يعصف بالبلاد نحو الحرب الأهلية الطائفية، خاصة وان محافظات بعينها تعاني الإقصاء والتهميش والاعتقالات اليومية والتفجيرات والإغتيالات، مما أجبرها أن تطالب بالأقاليم لكي تتخلص من هيمنة الحكومة المركزية وسياستها الطائفية معها حسب رأي هذه المحافظات وهذا يدخل البلاد أيضا في أجواء التقسيم والتشرذم ،والذي تريده دوائر إقليمية امريكية ايرانية، وتعمل على تنفيذه لأجندة خاصة بها ،وقد فجرت قضية الهاشمي الوضع الأمني والسياسي معا، فأنسحبت العراقية بوزرائها ونوابها من الحكومة ومجلس النواب وعلقت أعمالها ورافقها اعلان إقالة صالح المطلك نائب رئيس الوزراء (بالأسم) والتلويح بفتح ملفات اخرى لشخصيات مهمة لقادة العراقية ،إذن التسقيط سياسي بإمتياز ،هدفه ابعاد الحكومة لقائمة العراقية التي أخذت تعنفها وتصفها بالديكتاتورية ،وهكذا اختلقت الحكومة ازماتها مع العراقية والتحالف الكردستاني الذي يصر على عدم تسليم طارق الهاشمي للقضاء في بغداد ،وبالرغم من قلق إدارة أوباما وقلق تركيا وتصريحات أردوغان التحذيرية التي أزعجت حكومة المالكي وأربكت العلاقة بينهما حد القطيعة، فإن مبادرة جلال الطالباني لعقد مؤتمر وطني لنزع فتيل الأزمة قد ولدت ميتا بعد عقد اول جلسة للكتل السياسية بإشراف طالباني نفسه ،حيث خرج الاجتماع دون الاتفاق على أي ملف وحتى دون تحديد موعد لإنهاء الأزمة وهكذا سافر الرئيس الطالباني للعلاج وترك الحبل على الغارب.
في عراق يغرق بالتفجيرات والخلافات والصراعات على أن تستكمل المباحثات بعد عودة جلال الطالباني من العلاج بعد عدة أسابيع، الأمر الذي وصفه النائب حسن العلوي بأنه هذا زمن خديعة، فالكل يخدع الكل ولا أحد يريد حل لعقدة الأزمات التي تعصف بالحكومة والبلاد معا، فالحكومة تعيش أزمات داخلية وخارجية حادة ومصيرية فملف ميناء مبارك والعلاقة المتوترة مع تركيا  ودول الخليج العربي (طالبت بتأجيل القمة العربية ورفضت انعقادها في بغداد) بسبب سياسة المالكي وانحيازه للنظام السوري عكس الاجماع العربي، وداخليا أزمتها مع القائمة العراقية وصراع التيار الصدري مع عصائب أهل الحق ورفضه الدخول في العملية السياسية وانتقاده للحكومة وتهديده بالانسحاب منها في حالة اصراره على دخول العصائب للانتخابات والحكومة، ثم قضية سكان معسكر اشرف وتسويف حكومة المالكي في عرقلة حلها سلميا والسماح لهم في إختيار مكان أمن واختياري لهم بعد أن أبرمت أتفاقا مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي حول مكان تواجدهم في العراق ،وهذا يولد أزمة حقيقية جديدة مع الأمم المتحدة والإتحاد الأوربي حول مكان تواجدهم في العراق وهذا يولد أزمة حقيقية جديدة مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي والتي اعتبرتها الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي خدعة عراقية وفخ لقتل سكان أشرف بعد وصولهم إلى المعسكر الجديد (ليبرتي) ،اذن كل العملية السياسية تعيش خدعة تمارسها الأحزاب والحكومة لأهداف حزبية وطائفية خاصة بعد رحيل قوات الأحتلال الأمريكي من العراق.. العراق يعيش  زمن الخديعة ويدفع ثمنها شعب العراق الجريح.
[email protected]