تفاقم الفتنة الطائفية يهدد استقرار العراق

تفاقم الفتنة الطائفية يهدد استقرار العراق

ان تصاعد العنف وعدم الاستقرار السياسي في العراق منذ انسحاب القوات الأمريكية، بفعل تصارع الفصائل السياسية والطائفية من أجل السلطة والنفوذ هدد، في غضون أسابيع، بتراجع الاستقرار الذي سمح بانسحاب القوات الأميركية في المقام الأول. وجاءت الاضطرابات الأخيرة مؤخرا عندما هدد قائمقام شيعي بسد الطريق التجاري بين بغداد والمنطقة الكردية شبه المستقلة في الشمال، إذا لم يسلّم المسؤولون الاكراد نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي إلى السلطات الحكومية. واتهمت الحكومة التي يقودها الشيعة السيد الهاشمي، وهو سني ، بإدارة فرق إعدام طائفية.

يوم الأحد ، قالت منظمة هيومن رايتس ووتش ان الاميركيين تركوا وراءهم “عراقا ينزلق الى دولة بوليسية”، بقيادة  شيعية تحكم على نحو متزايد بالقوة والخوف. وازدادت هجمات المتمردين في جميع أنحاء البلاد ، فيما كانت قوات الأمن الموالية لرئيس الوزراء نوري المالكي، تشن حملة ضد سياسيين سنة، واعتقلت عددا منهم في الأسبوع الماضي.

جاء الاضطراب في وقت كان يأمل فيه العراقيون ان قادتهم سيستقوون باستقلالهم الجديد لمعالجة العديد من المشاكل في البلاد، وكي يقوموا أخيرا بمواجهة الانقسامات الاجتماعية والاقتصادية والدينية التي تم تجاوزها من خلال وجود القوات الأميركية. لكن في حين لا يزال هناك أمل في أن يتمكن العراقيون من التوحد، إلا أن البلاد مازالت بعيدة عن أن تكون “ذات سيادة ومستقرة ومعتمدة على الذات” كما وصفها الرئيس أوباما في الشهر الماضي.

وقال الدكتور بسام ( 45 سنة)، وهو طبيب من مدينة الموصل: “قبل انسحاب الولايات المتحدة كان سياسيونا يقولون لنا إننا حكومة وحدة وطنية، وإننا دولة ديمقراطية، وهذا هو كل ما تحدثوا عنه، والناس الآن تتساءل عما إذا كانت الميليشيات سوف تسيطر على المدن مرة أخرى. ويحدث كل ذلك لأن سياسيينا يتقاتلون الآن من اجل نيل أكبر قطعة من الكعكة. ” وأضاف أن “الساسة لدينا أصبحوا مصاصي دماء لا يهتمون بنا”.

جاء الشوط الأسوأ عندما أمر المالكي باعتقال نائب الرئيس طارق الهاشمي في الشهر الماضي. ردا على ذلك، قاطع الساسة السنة جلسات البرلمان ومجلس الوزراء، الأمر الذي جعل عملية سياسية غير بناءة في الأساس تدخل في حالة استعصاء. وبدأت المحافظات ذات الأغلبية السنية تتحدث عن مزيد من الحكم الذاتي، أو حتى الانفصال عن الحكومة المركزية.

وسط حالة الشلل تلك، هدد المالكي علنا ​​بالكشف عن معلومات سرية قال إنها ستورط سياسيين في مؤامرات إرهابية. ثم، في الأسبوع الماضي، جرد المالكي الوزراء السنة المقاطعين من ممارسة مهامهم في وزاراتهم. ورد الساسة السنة بتوصيفه بأنه دكتاتور. أصبح الخلل السياسي على درجة من الحدة بحيث أن سجال القادة الشيعة والسنة حول من سيحضر اجتماعات لمناقشة  عقد الجولة القادمة من الاجتماعات أُعتبر أمرا ايجابيا. ويفترض أن تلك الاجتماعات ستهدف إلى حل الأزمة السياسية.

وقال وليام وردة، وهو محلل في بغداد: “كل تلك السنوات التي كانت فيها الولايات المتحدة هنا، كانت تحاول تلميع العملية السياسية كي تكون لها ذريعة لمغادرة العراق منتصرةً، ولكن الاميركان، حقيقة تركوا بنية سياسية هشة جدا، بنية تحمل أسسا ضعيفة جدا، تشبه بناية تقوم على عود ثقاب. ما حدث منذ انسحاب القوات الاميركية أثبت هذا على نحو اكبر”.

ونشرت هيومن رايتس ووتش انتقاداتها للحكومة العراقية في تقريرها السنوي عن حقوق الإنسان في مختلف البلدان. وقالت المنظمة ان الحكومة العراقية قيدت بشكل كبير حرية التعبير في البلاد على مدى العام الماضي، وان قوات الأمن أهانت الناشطين من صحفيين ومتظاهرين وضربتهم واحتجزتهم.

وقالت مديرة المنظمة في الشرق الأوسط ، سارة ليا ويتسن ، في مقابلة: “بعد انسحاب(القوات الاميركية) الرسمي الشهر الماضي ، تكثفت الحملة السياسية، وهدد المالكي خصومه السياسيين بالسجن”. في الوقت نفسه ، زادت هجمات تنظيم القاعدة، وحولت تركيزها تجاه النفوذ الإيراني في العراق. في ثلاثة أيام مختلفة خلال الشهر الماضي، ارتفع عدد القتلى يوميا إلى أكثر من 60. وقد ظهرت قوات الجيش والشرطة العراقية عاجزة عن الحد من الهجمات على الزوار والمدنيين وضباط الأمن، من دون مساعدة من قوات العمليات الخاصة الأمريكية.

وقال تنظيم القاعدة في العراق على موقعه على الانترنت إن “الولايات المتحدة انسحبت بسرعة بعد تعرضها مرارا لهجوم  من قبل مجاهدينا من أجل إنقاذ قواتها العسكرية من المستنقع”، مضيفا أن “الانسحاب العسكري الأمريكي هو هزيمة بكل ما للكلمة من معنى، ولكن لم تنته الحرب لان إيران تحاول إقامة منطقة عازلة شيعية في العراق وتوسيع ثورتها الإسلامية إلى المدينة المنورة ومكة المكرمة”.

وقال تنظيم القاعدة ان الحكومة الإيرانية ، التي دربت ومولت ميليشيات في العراق ضالعة في العنف الطائفي وهجمات على القوات الأميركية، ساعدت على تدمير العراق من خلال “قتل أحسن العائلات ، والنخبة والمتعلمين”. وبما ان المشاكل استمرت داخل العراق، سعى قادته جاهدين للتعامل مع الدول المجاورة، بما فيها تركيا، وهي احد اكبر المستثمرين الأجانب في البلاد.

ووفقا لأعضاء في كتلة المالكي، دعا رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان، سياسيين عراقيين قبل نحو عشرة أيام، واخبرهم أنهم يجب أن يتعاملوا بطريقة سلمية مع بعضهم بعضا، من اجل إيجاد تسوية لخلافاتهم. وفي الوقت نفسه تقريبا، دعا اردوغان نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن ليعرب عن قلقه إزاء التوترات بين الشيعة والسنة في العراق، محذرا من أن هذه الأزمة يمكن أن تؤدي إلى حرب طائفية.

وأغضبت تلك الدعوات رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لأنه شعر بأن أردوغان، وهو سني، ينتقد الكيفية التي يدير بها أمور البلاد. وفي مقابلة تلفزيونية ، قا المالكي إن أردوغان كان يتصرف كما لو انه يسيطر على العراق، وقال إن على السيد اردوغان أن يكف عن التدخل.

في الأسبوع الماضي ، أفيد بأن رئيس فيلق القدس الايراني قال ان العراق وجنوب لبنان تحت السيطرة الإيرانية. في المقابل ، دعا عدد من كبار الساسة الكرد والسنة والشيعة في العراق السيد المالكي لتوبيخ الإيرانيين كما وبخ الأتراك .وقال عبد الباقي عبود (59 عاما) وهو مدرس من البصرة: “كنت أتوقع الكثير من الحكمة والتهدئة بين المسؤولين العراقيين، خصوصا بعد أن انسحبت القوات الاميركية، لكن ما حدث هو العكس من ذلك ، تصرفوا بتهور ومن دون شعور بالمسؤولية. وقد اثبتوا أنهم مراهقون، ونحن نتوقع الآن مشاكل أكثر “.

عن صحيفة نيويورك تايمز الأميركية. ترجمة وإعداد كتابات. الصورة لرجال شرطة يسحبون مسلحا لقي مصرعه في اشتباك مع نقطة سيطرة في الرمادي، وهي من الوكالة الفرنسية للانباء.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة