لا أَظنُ أن البعض من أعضاء مجلس النواب أو الأحزاب (يبدو لا فرق بينهما) يدرك تداعيات وآثار ما يدلون ويصرحون ويتصرفون ، وغياب الإدراك سببهُ قصور وإرباك في المعرفة بحقوق وعلوم وثقافة الدولة والسيادة وإرادة الشعب .
مثلما نتكلم وندافع (ونتاجر أحياناً) بحقوق الإنسان ، علينا جميعاً أن نفهم وندافع أيضاً عن حقوق الدولة وإرادة الشعب ، وينبغي أن يكون السياسيون أول المعنيين وأسبق المهتمين بالدفاع عن إرادة الشعب وهيبة الدولة وكرامة المواطن ، وما القَسَمْ الذي يؤديه السياسي كونه نائباً أو وزيراً قبل جلوسه تحت قبة البرلمان أو مجلس الوزراء إلا عهد الله بينه وبين الشعب بأن يكون على الأقل وطنياً إن تَعذّرَ عليه أن يكون محارباً من أجل سمو الوطن .
لا أعلم ولا غيري يعلمُ هل يوجد مسوّغ أخلاقي أو قانوني يُبرر نداء الاستنجاد والاستغاثة الذي وجهه السَيد علاوي وزملائهِ إلى الإدارة الأمريكية للتدخل في شؤون الوطن ، وهل سمعتم أو قرأتم أو وجدتم في أدبيات أو ثقافة العمل السياسي الوطني أن يدعوا نواب الشعب أو وزراء حكومة ، والذين أقسموا على صيانة استقلال وسيادة الدولة ، حكام دولة أخرى بالتدخل لمساندتهم .
ما هو جزائهم وحسابهم لو حصل ذلك في دولة أخرى ديمقراطية أو دكتاتورية غربية أو عربية ! وما الذي حلَّ في العراق كي يستنجد القوم ؟
أيكون ذلك سببهُ إصدار مذكرة إلقاء قبض على مسؤول ومتهم وهارب ، وتدلُ الأحداث والاعترافات وما هو قادم منها وكذلك يدلُ هروبه وسلوكه على أنهُ متورط ومنخرط ومنذ مدة في أعمال وجرائم .. ( انظر كذلك ما نشرناه في كتابات بتاريخ 9/1/2012م وبعنـوان .. “من فخامة النائب إلى مفخخات النائب” ) وسنوعد القارئ الكريم بمقالة أخرى حول الموضوع قريباً جداً تروي وبالتحليل المكشوف والمستور .
من المفارقات في الأحداث وتزامن وتوارد الأضداد بأن ينهض فريق سياسي آخر ويندد وخير ما فعلهُ بتصريحات أردوغان وتصريحات سُليماني ويعتبر هذه التصريحات تدخلاً في شؤون الدولة .
سيّان بين الموقفيّن وأيهما يستحق وصف الوطني الموقف المستنجد أم الموقف المندد حتى ولو على أساس ظاهر الموقف وبغض النظر عن أهدافه ودوافعه ؟
وكيف نَقْدِر أن نلومْ الجيران والأبعد منهم (الأمريكان) على تدخلهم وتطاولهم إذا كان مَنْ في البيت يدعوهم ويستنجدْ بهم ! الأَولى أن نصلحَ ما في بعض النفوس من عيوب وأن لا نُكثر بحق الشعب والوطن عمل المنكر وارتكاب الذنوب .
إن للعمل السياسي مرجعيات وثوابت وسأذكرها وباختصار جداً وابتداءً بالمرجعيات وأولها الدستور وما جاء به من نظام سياسي وفصول وأصول وأحكام وخاصة فيما يتعلق بالمؤسسات السياسية الدستورية التشريعية والتنفيذية .
من مرجعيات العمل السياسي أيضاً القوانين والأنظمة والقرارات التي تتناول الشأن السياسي كقانون الانتخابات والأحزاب وكذلك الاتفاقيات الدولية السياسية .
حقوق وحريات المواطن وكذلك حقوق الدولة يجب أن تكون مصدراً ومرجعاً لعمل النائب ، أي بقدر اهتمامهِ بحقوق الإنسان ينبغي رعاية وصيانة حقوق الدولة وأهم هذه الحقوق حق السيادة المطلقة والاحترام والهيبة وحق الإخلاص بل التفاني طالما الدولة هي دولة الشعب وليس دولة السلطان الجائر ، وطالما الدولة هي الشخصية المعنوية لمقوماتها (الشعب ، الإقليم ، السلطة ، السيادة) .
من مرجعيات العمل السياسي أيضاً البرامج التي تضعها وتسعى إلى تطبيقها الأحزاب السياسية شريطة أن تكون هذه البرامج وطنية وهادفة إلى تطوير وازدهار المواطن والمجتمع والدولة .
ينبغي إذاً على النائب حتى يكون صائب في تصريحاتهِ وتصرفاتهِ أن يهتدي بما تملي عليه هذه المرجعيات من قواعد وأحكام وأن يسير على صراطها لا يشرّق ولا يغرّب .
أذكر أيضاً باختصار جداً ثوابت العمل السياسي وأولها وأهمها أن يكون مُلِّماً بشروط عملهِ فهو ممثلاً للشعب ووكيلاً عنه ومدافعاً عن حقوقهِ وقائلاً للحق وليس ناطقاً لجهات أجنبية ساعياً لترويج أجنداتها .
ينبغي أن يكون متواجداً وقريباً من منطقتهِ الانتخابية وشعبهِ وليس مقيماً في عَمان أو بيروت ، ومن ثوابت العمل السياسي أيضاً الإيمان بما يعمل ويسعى إلى تحقيقه وبمصلحة الوطن وبالمسيرة السياسية وبالدستور رغم السلبيات والتحديات .
[email protected]