ثلاثة عقود مضت، والمواطن العراقي يسمع وعوداً عن “البطاقة الموحدة” التي تغني عن الوثائق الاخرى، وهي وثيقة تعمل بها أغلب بلدان العالم، فقد سبقتنا كافة الدول المحيطة بنا اقليمياً وعربياً ولم يبق بالمحيط العربي سوى دولتين لا تمتلكان هذه البطاقة، هما العراق والصومال فقط، وهذه ليست نكتة أو دعابة بل حقيقة مؤلمة!.
لاشك ان اختزال الوثائق المتعددة في وثيقة واحدة، بات أمراً لا مناص عنه من أجل الحد من الفساد، وتخفيض الضغط عن المواطنين، وتقليص روتين المراجعات والبيروقراطية الخانقة في الدوائر الحكومية، وتوفير الوقت وتسهيلا لمتطلبات الناس. كما انه يوفر بيانات ومعلومات دقيقة عن المواطنين نأمل أن يظهر المشروع الذي طال انتظاره الى حيز التنفيذ بأسرع وقت لاهميته وضرورته على كل الصعد، وسيكون بمثابة إعلان رسمي عن القطيعة مع عنكبوت الفساد، وسيعطي بذلك مصداقية للأجهزة الحكومية الوطنية في علاقتها مع المؤسسات المالية الدولية وسائر الأفراد والمجموعات وبالتالي سيسمح بتنمية والاستثمار ويسهل عملية هدم جدار صلب ظل دائماً يشكل واحدةً من أهم عوائق التطوير الاداري.
و تعتبر وثيقة الهوية الوطنية وسيلة أساسية لتعزيز الأمن الوطني للبلدان، وهي وثيقة مهمة لذلك فان جميع دول العالم اهتمت بمكننتها واستخدمت أحدث التقنيات في مجال أمن المعلومات الالكترونية والبرامج التشغيلية المتقدمة في عمليات تسجيلها وإصدارها، لأنها تُمكّن الدول من تسجيل مواطنيها والأشخاص المقيمين لديها وهي بالتالي وسيلة مهمة لضبط الهوية الوطنية.
نظرة تاريخية للمشروع
يعد مشروع إستحداث البطاقة الوطنية الالكترونية بالعراق، مشروعاً قديماً، وللأسف كانت تتم قرصنته بين الحين والاخر من وزارة الى اخرى، وبودى ايضاح التسلسل التاريخي للمشروع:
1. عام 1979 ولغرض مكننة السجلات وتوحيد وثيقتي هوية الاحوال المدنية وشهاده الجنسية العراقية، بوثيقة واحدة واحدة شكلت لجنة من الاختصاصيين (من وزاره التخطيط ومديرية الجنسية العامة).
2. عام 1980 زارت اللجنة عده دول متطورة، وقدمت دراسة جدوى وتحديد المتطلبات المالية والفنية.
3. عام 1983 تم إرجاء المشروع بسبب الحرب العراقية الايرانية ولقلة الموارد المالية.
4. عام1988 تم إحياء المشروع من جديد، لضرورات أمنية وللتعبئة العسكرية (التجنيد)، واتخذت سلسلة من الاجراءات للبدء بالتنفيذ مع تطوير الكادر المهيأ آنذاك بارسالهم لدورات تطويرية خارج العراق، ولم ينل المشروع أي أهتمام، وبقي المشروع على الرفوف، إلى أن تمت “قرصنته” من قبل الاجهزه الامنية آنذاك، والتي حرفت المشروع من (أهداف مدنية) إلى (أهداف أمنية صرفة)، حيث سيصبح بإمكان رجل الامن بفضل هذه البطاقة الالكترونية من التأكد بواسطة جهاز خاص إن كان الشخص قيد البحث، بينما سيظل المواطن مطالبا بالانتقال إلى الادارة من أجل الحصول على الوثائق الادارية وضبط المتخلفين من الخدمه العسكرية (وزارة الداخلية ووزارة التخطيط والاجهزه الامنية وديوان الرئاسة).
5. عام 1992 بدات اللجنة اعمالها مجددا بعد حصولهم على التقنيه التى استحوذ عليها (من نظام الرقم المدني بالكويت) معدات وأجهزه ولم يتمكنوا من نصبها لعدم توفر الامكانيات الفنيه واستمرت اللجنه بمحاولاتها لاطاله الزمن خشية من المسائلة.
6. عام 1996 نظمت وزارة الداخلية عده لقاءات مع مختصين وخبراء من جهات فنيه اخرى للوقوف على الاسباب التي ادت الى تعثر المشروع وفعلا تم معرفه الحقيقه بان المشرفين على البرنامج هم السبب الاساسي واتخذت انذاك اجراءت بحقهم، وانيط المشروع الى لجنة اخرى اخذت على عاتقها تحديد المتطلبات الفنية والادارية.
7. عام 1998 تم التعاقد مع شركات عالمية من قبل مدير عام الحاسبات بوزاره الداخلية وهي منظومة (انترانيت) وسكنرات لتصوير السجلات من خلال موارد مذكره النفط مقابل الغذاء.
8. عام 2001 تم استلام بعضاستلام بعضا من المعدات والاجهزه واستلمتها الداخلية.
9. عام 2002 استكملت كافة المعدات وتزامنت معها اخلاء موجودات الداخلية واودعها مدير الحاسبة في احدى ملاجئ الداخلية.
10. عام 2003 اختفت المعدات اما الاشخاص فلم يلتحقوا بوظائفهم.
11. عام 2004 بادرت الامارات العربية المتحدة بالمساهمة ببناء قدرات وزارة الداخلية العراقية ومن المبالغ المخصصة لمنحة العراق، حيث لديهم دراسة جدوى كاملة مستمده من تجربتهم ولكن هناك اسباب مبهمه اعاقت هذا المشروع واجهضته.
12. عام 2007 وبموجب القرض البريطاني البالغ عشرة ملايين دولار لتنظيم (بطاقه اقتصادية) ولم تستثمر للبطاقة الوطنية ولم يصرف القرض بسبب الفوضى الادارية آنذاك.
13. عام 2008 اوعز مجلس الامن الوطني ا�داخلية عن الخطوات باتجاه العمل على البطاقة الموحدة واتضح بان الداخلية لم تتقدم بأي خطوة واستمرت لغاية 2011 مجرد مراسلات ومقترحات وتوصيات وعلى أرض الواقع الفعلي (لايوجد شىء يذكر) حتى تشريع قانون للبطاقة لم تنظم مسودته وهو أساسي للمشروع.
تشريعات ضرورية تتلائم مع عالم متمدن
قبل البدء بتناول التشريعات النافذه التي لاتتلائم مع طبيعه العمل (بالبطاقة الوطنية الموحدة)، وبإخراج مشروع القانون الخاص ببطاقة التعريف الوطنية الجديدة من دواليب الأمانة العامة للحكومة ليأخذ مجراه التشريعي الطبيعي، يكون جديراً بالتذكير أنه سواء تعلق الأمر بمشروع القانون المحدث لبطاقة التعريف الجديدة أو بمرسوم إلغاء باقي الوثائق التي تعوضها المعطيات الرقمية التي ستدمج في هذه البطاقة، فإنه من المسؤوليات الخطيرة الملقاة على عاتق الحكومة ألا تضيّع الفرصة، مرة أخرى فتساير نموذج وزارات الداخلية والأمن السائدة في البلدان غير الديمقراطية ومن بينها الدول العربية فتجعل من هذه البطاقة أداة لرصد أنفاس الناس وهتك حرمة الحياة الشخصية الخاصة بكل فرد وكل أسرة وكل مجموعة، خاصة وأن المعلومات بحسب مدخلاتها لا يفلت منها أحد، مها كان، من مخرجاتها. فهي قد تستعمل ضد الخصوم لأسباب شخصية خارج حتى الدواعي السرية للدولة ، كما في تلفيق التهم وفي التآمر ضد الديمقراطية نفسها ولذلك بدل ذلك يلزم أن تتم مراعاة كامل حقوق الإنسان التي يهددها هكذا مشروع، وأن يتم التقيد، سواء أثناء وضع خطة المشروع أو وضع خطة تنفيذها أو وضع مراحل تنفيذ المشروع أو قراءته ومناقشته أو إعماله وتفعيله، بقرار الأمم المتحدة 45/95 المؤرخ في 14 كانون أول (ديسمبر) 1990 الذي بموجبه تم اعتماد “مبادئ توجيهية لتنظيم ملفات البيانات الشخصية المعدة بالحاسبة الإلكترونية “، وهي تتمفصل في المبادئ العشرة التي تنص على ضمانات دنيا يجب إدخالها في التشريعات الوطنية.
فوائد الرقم المدني ومردوده على المواطن:
1. انعدام الازدواجية بما يمنع من حالات تطابق الأسماء والبيانات أو تشابهها بسبب تعدد المراجع.
2. تبسيط الإجراءات الإدارية وتقديم الخدمات الإدارية وتقديم الخدمات بصورة سهلة ومتطورة.
3. ستنتهي المطالبة بإحضار الكم الهائل من المستندات الرسمية التي أرهقت كاهل المواطن في جميع المجالات.
4. سيتمكن المواطن من الحصول على الخدمة بالبطاقة الذكية أينما كان داخل العراق.
5. صعوبة حصول التزوير فيها.
6. الثقة حيث سجلات بيانات الرقم الوطني هي أكيدة لا يرقى إليها الشك وبالتالي يشعر المواطن بالاطمئنان.
7. يمكن عن طريق الرقم الوطني إجراء الدراسات الاجتماعية والأسرية من أجل طلب الخدمات دون الحاجة إلى إجراء البحث الاجتماعي الميداني الذي قد يشعر المواطن بالحرج الشخصي أمام نفسه وأمام عائلته وأمام جيرانه.
وأما مردود أو فوائد الرقم المدني للدولة التي تعتبر استفادة للمواطن فهي:
1. تكوين قاعدة بيانات رقمية مفيدة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية بمعنى تكوين بنية معلوماتية وطنية سليمة ومن طريقها يمكن إحصاء كافة الفئات: مهندسين، طلبة، أساتذة، أطباء، عمال، فلاحين.. إلخ كما يفيد ذلك المستثمرين بحيث يحصلون على معلومات واضحة ليطمأنوا ويستثمرون أموالهم في جو آمن.
2. بمنظومة الرقم المدني يمكن الوصول إلى توزيع الثروة بشكل عادل.
3. شيوع الشفافية والحد من الفساد الإداري والمالي داخل المؤسسات العامة للدولة.
4. تمكين مؤسسات الدولة على المستوى المحلي والإقليمي والمجتمعي العام من التخطيط السليم من خلال بيانات دقيقة وواضحة عن التطورات السكانية والحضرية والاقتصادية والصناعية التي تحدث داخل البلد.
5. منح رقم مدني لكل مواطن عراقي يمتاز بأنه رقم وحيد لا يتكرر ويمثل مفتاحاً للعلاقات القيدية ضمن قاعدة البيانات الموحدة .
الجهات التي تبنت المشروع:
كلف كل مجلس الامن الوطني ومجلس الوزراء، الشركة العامة لنظم المعلومات، احدى شركات وزارة الصناعة والمعادن بتقديم الحلول الشاملة والمتكاملة في مجال تقنية المعلومات والبرامجيات التي تخدم وتسهم في تحقيق هدف الدولة بتنفيذ برنامج الحكومة الالكترونية التي يتم من خلالها تقديم جميع الخدمات المقدمة من قبل وزارة الداخلية للمواطنين ومنها البطاقة الوطنية الموحدة وخدمة اصدار الجوازات واجازات السوق اضافة الى خدمة دفع اجور الماء والكهرباء واصدار هوية الاحوال المدنية وجميع المستمسكات الرسمية الاخرى حيث سيتم تقديم جميع هذه الخدمات عن طريق شبكة دولية واحدة.
رؤية وزارة العلوم والتكنولوجيا:
أكدت وزارة العلوم والتكنولوجيا أنه لايمكن العمل بمشروع البطاقة الوطنية الموحدة مالم يشرع لها قانون ضمن الحكومة الالكترونية، مؤكدةً أن هنالك مؤسسات في الدولة ترفض العمل بها كونها تمنع أبواب الفساد.
إن مشروع البطاقة الوطنية الموحدة هو جزء من مشروع الحكومة الالكترونية التي تم العمل بتنفيذها قبل ثلاثة سنوات، وأن المعوقات التي تواجه العمل بها تتعلق بالإطار التشريعي لها، و أنه في حال لم يتم اعتماد قوانين صارمة تحاسب التزوير الالكتروني أو الإرهاب الالكتروني فأنه لايمكن إطلاق خدمة البطاقة الوطنية الموحدة.
وقد لا يتجاوز ما أنجز في مشروع الحكومة الالكترونية أو تقديم الخدمات الحكومية إلى المواطن عبر الانترنت حجم ترويج وزارة العلوم والتكنولوجيا للأمر خلال السنوات الثلاث الأخيرة.. فالمشروع الذي لم تقطع غالبية المؤسسات الحكومية أولى مراحله ربما سينتظر ما سوف ينفذ من تشريعات تطلق من أجله.
ولا تقتصر العقبات التي تواجه الحكومة الالكترونية على البنى التحتية والبيئة التشريعية، بل ثمة من يحاول العرقلة، كون أن خدمة البطاقة الوطنية الموحدة من خلال استخدامها في ترويج معاملات المواطنين الكترونيا سيغلق احد ابرز أبواب الروتين والفساد الإداري في المؤسسات الحكومية، حيث بينت الخبيرة في مجال الحكومة الالكترونية ”رجاء جواد” أن عمل بطاقة وطنية موحدة سيكون هنالك إحراج عند الكثيرين الذين يعملون على عرقلة ترويج المعاملات للمواطنين بحجة المعلومات الخاصة بالفرد العراقي، كما أن هنالك أيضاً بعض الجهات الحكومية ترفض التغيير والعمل بالبطاقة الوطنية الموحدة كونها كانت تستفيد مادياً من ترويج المعاملات عبر المستمسكات الأصلية للمواطن.
تصريحات حكومية ذات صلة بالمشروع:
1. أكد رئيس مجلس الوزراء في 16 أيار 2011 أن الحكومة وضعت تصميما لإصدار الهوية الموحدة لجميع العراقيين، مشيرا إلى أنها ستكون الوثيقة الرسمية بعد إلغاء شهادة الجنسية
2. أكدت وزارة التخطيط في عام 2009، أنه سيتم اختزال كل البطاقات التعريفية للمواطن العراقي ببطاقة وطنية واحدة تحمل رقما لكل مواطن، مبينة أنه تم قطع أشواط كبيرة على طريق تنفيذ هذا المشروع الذي سيساعد في توفير قاعدة بيانات مفصلة.
3. صرح وزير الداخلية السابق جواد البولاني عند افتتاح مبنى مشروع البطاقة الوطنية الموحدة في (12 تموز 2010) ، مبينا أن هذا المشروع حلقة مكملة لمجموعة من المشاريع التي نفذتها الوزارة كالجوازات والمرور وبحسب تصريحات وزير الداخلية السابق في الحوار الذي جرى مع إحدى الصحف العراقية وله تصريحات مماثلة توشر بان العراقي سيحصل على بطاقته خلال عام 2010 (!!!!).
4. تصريح الناطق الرسمي باسم الحكومة وعلى وسائل الاعلام يوم 8/1/2012 باتخاذ قرارات من قبل مجلس الامن الوطني بصدد البطاقة الموحدة ولكن لم يوضح طبيعتها والاجراءت التطبيقية.
المشروع الوهمي:
لابد من العلم بأن هذا النظام ليس حديثاً ولا مبتكراً، بل أنه معمول به منذ 70 سنة في الدول المتحضرة، وللاسف بقينا نحن ضمن خانة الدول المتخلفة، بسبب النظام الاداري الذي يعاني من خلل كبير، فالانظمة الادارية الحديثة تخلصت منذ زمن من روتين تلك العملية بتوحد المستمسكات باختزال الجهد والعدد والميزانية لاسيما نحن الان في زمن الحكومة الالكترونية.
كما ينبغي الاستفادة من الخبرات والدراسات السابقة في هذا الموضوع لاهمية الوصول لمراحله الاخيرة خصوصا وانه سيحل مشكلة كبيرة بالمجتمع العراقي وقضية تنتظر المعالجة حتى تصبح الالية سهلة في اعادة المعلومات والحصول عليها عن طريق تلك الوسيلة الجديدة.
المشروع الحقيقي:
تم استخدام اجهزة متطورة باحدث التقنيات في العالم واعتمدت بياناتها على الرقم التدقيقي الذي يحول دون تزويرها والمشروع يتكون من ثلاث مراحل: تضمنت الاولى بناء قاعدة البيانات المدنية التي ستكون الاولى من نوعها واعطاء كل مواطن رقم قيد، اما المرحلة الثانية تتضمن تنفيذ الابنية الخاصة بالمشروع وتنفيذ شبكة الاتصال الآمنة ما بين المشروع وانجاز قانون البطاقة الوطنية الموحدة, اما المرحلة الثالثة فتتضمن ارتباط قاعدة البيانات مع الانظمة الاخرى في الدولة وتبادل المعلومات معها, فضلا عن امكانيات التصويت الالكتروني, والولوج عبر بوابة الحكومة الالكترونية كما هو حاصل في جميع دول الخليج العربي، والمغرب والتي بدورها ستسهم والتخلص من البطاقات المتعددة، كما أن مصر استخدمت نظام الرقم المدني الموحد في انتخاباتها الاخيرة داخل وخارج مصر حيث أن إعتماد هذا الرقم كشف أية حالة تلاعب أو تكرار للتصويت.
مقترحات لحلول للمشكلة والتسريع بالمشروع:
1. التعجيل بإصدار التشريعات التي تتلائم مع الدستور بشأن بيانات المواطنيين وعدم تسخيرها لاهداف عدائية كما هو الحال بالانظمة الشمولية، ولابد من اصدار قانون البطاقة الوطنية الموحد وفق المعايير المحددة من قبل الامم المتحدة، والاستفادة من تجارب الدول التي سبقتنا.
2. تحديد الجهة المنفذة والملتزمة للمشروع كأن يكون المديرية العامة للجنسية مع وزارة التخطيط.
3. هناك ضروره لابعاد السياسيين عن هذا الملف وإناطة العمل به إلى الفنيين المختصين والخبراء.
4. التريث بإطلاق التصريحات العجولة عن الانجازات الوهمية في المشروع المقترح.
5. امنيات كل عراقي ان توكل الى شركة عالمية متخصصة لكي نتخلص من الفساد الاداري.