في عهد حكمه كأكبر رأس للنظام، كان صدام حسين ينتقي الشخص الذي لايفقه شيئا غير التلفظ بعبارة (نعم سيدي) ولديه من الثقافة والعلوم أدنى مستوى وأقل مقدار، ويفضل أن يكون حاصلا على الشهادة الابتدائية او المتوسطة او الإعدادية على أبعد احتمال، فيأتي به ويريه من المغريات المادية والسلطوية، مالم يكن يحلم بنيل عُشر عشرها بتاتا، ليوزره وزارة حساسة تتطلب ممن يأتزرها مواصفات ومؤهلات علمية، وأن يتمتع بشخصية قيادية، فضلا عن حسن سيرته وسلوكه وماضيه وتاريخه المهني وحتى العائلي، وبهذا الانتقاء المقصود يضمن الملعون ان الوزارة ستأخذ طريقها الطبيعي الى الحضيض، وسيتدنى العمل بمؤسساتها وهيئاتها إدارة وانتاجا، ليستقر بها القرار بعد ذاك في دائرة المؤسسات غير المجدية، وتتحول الى استهلاكية، فتكون اسما على غير مسمى.
هذا ماكان يرسم اليه صدام كرئيس لنظام جمهوري دكتاتوري، ويخطط له ويعمل كل شيء من أجل تحقيقه. وبسيناريو ساذج يقيل هذا الوزير بعد حين لسبب مفتعل، او أحيانا من دون سبب، ويأتي بغيره بذات المواصفات المتدنية، فيكمل مشوار سابقه في صنع الخراب ونشر الفوضى والتخلف، وإفشاء مظاهر الفساد في وزارته. ومن المؤكد في حال كهذا، يصبح التسلسل الهرمي للوزارة بفعل وزراء كهؤلاء، تسلسلا له اول وليس له آخر، فتنتقل عدوى سوء الإدارة الى الوكلاء فالمدراء العامين فالمعاونين فالمدارء فالموظفين. وهكذا سارت الأمور الى ان استحال حال العراق الى رقعة جغرافية على سطح الكرة الأرضية، بعيدة عن مسيرة باقي الأمم في الرقي والبناء والعمران، ومحاصرة داخل إطار معزول عن العالم، وكأنها في كوكب آخر. وقد كان هذا الانحدار في المستوى طبيعيا ومنطقيا، فباستقراء بسيط لما يفضي اليه مستوى أية وزارة في ظل معطيات كالتي تقدم ذكرها، تتضح مآلات الأمور وخواتيمها، ويسهل التخمين في مكانة البلد، وحال وزاراته وبأي درك ستقبع فيه بعد حين، مادام النهج المتبع في الاستيزار يسير وفق خطط مدروسة، ومرسومة بحبكة ودقة عاليتين، لا في الحصول على نتائج إيجابية، وليس من أجل الوصول الى وزارة تخدم مؤسساتها البلد، بل لغاية في نفس يعقوب.
إن نهج صدام وأسسه المتبعة وطرقه المتخذة في انتقاء الوزراء، لم تسجل وقائعها في القرن التاسع او الخامس او الأول او قبل الميلاد، ولم تكن أحداثها مسجلة في سفر عصور موغلة في القدم، بل هي تجربة قريبة زمانا ومكانا، ويعيها ساستنا الحاليون في العراق الجديد كلهم، ويذكرونها بالتفصيل الدقيق والممل، سواء الذي ركبوا موجة الجاه منهم، وأبحروا في تيار السلطة والسلطان، أم الذين يتطلعون الى نيل مركز مرموق في سدة الحكم، ويسعون الى الوصول اليه لمطامع مادية، متعكزين على أحزابهم وكتلهم!.
معلوم أن من يقدم على عمل -أي عمل- يكون لزاما عليه -إن أراد النجاح والفلاح فيه- إن يستقرئ تجارب غيره ممن سبقوه فيما هو ماض فيه، ويستفيد من أخطائهم وكبواتهم وإخفاقاتهم، ليضمن نجاحه في تجربته وفلاحه فيها، فهل هذا مايعمل عليه رئيس وزرائنا الحالي حيدر العبادي؟ وهل حضرت تجربة المقبور -او المرحوم او المخلوع او مشعول الصفحة- في ذهنه
حين وافق على ماأتت به الكتل السياسية والأحزاب من وزراء لحقيبته الوزارية، ولاسيما وزارتي الدفاع والداخلية، اللتين أضحتا عقدة المنشار في تشكيلة العبادي الوزارية، في بلد ديمقراطي فدرالي تعددي؟ أم ليعقوب غاية في نفسه أيضا في إبقاء سفينتي الدفاع والداخلية دون ملاح!