لقرّائي المعذرة لهذه المعابثة، وهذا اللعب بالوقت الثمين، واعتمد على رحابة صدرهم ليتحملوني، هذه المرة، لجوجاً وبريئاً واطرشاً بالزفة، واستدرجهم الى استراحة حسن النية، ووسادة الاحلام الوردية، وانصحهم بوجوب الثقة العمياء بالمستقبل، والايمان الفطري بالحتميات وبانه لا يصح إلا الصحيح في نهاية المطاف، وليدسّوا ارجلهم بالماء الفاتر كلما داهمتهم الشائعات عن الفساد وسوء سيرة الرؤوس الفاسدة التي اخذت منا كل شيء باستثناء خيبة الامل.
اقول، ساكون مفرط الطيبة، هذه المرة، لكي ادعو الساسة المتنفذين من اصحاب الحكومات داخل الحكومة، ثم مجلس النواب، الى اصدار قانون يمنع «كبار الموظفين» من تعيين اقاربهم (من الدرجة الرابعة) موظفين في المرافق التي يديرونها، ويتضمن القانون، في مواده الفرعية التدقيق في ملفات وشهادات وكفاءات و(طرق تعيين) اقارب المسؤولين (من الدرجة الرابعة) ممن عينوا في وظائف ومواقع مهمة في فترة بعد صعود المسؤول الكبير الى منصبه.
وطبعًا، فان حسن الظن والبراءة هنا يتطلبان الافتراض بان ثمة في الحكومة، او ابناء عمومتها، من يضع الله بين عينيه فيمسك هذا الاقتراح الطيب ويهرع به الى الاستشارية القانونية، التي ستفرح لهذه المبادرة وتحولها الى فقرة على طاولة البحث، ثم، لتصبح قانوناً، والقانون اجراءات، والاجراءات الى فرص عمل لاصحاب الكفاءات ممن ليس لديهم اقارب (من الدرجة الرابعة) يحلون ويربطون.
وسأعترف هنا، بأن الذي دعاني الى هذه المغامرة البريئة بمناشدة اصحاب الحل والربط إصلاح ماكنة الدولة (دولتهم) بادخال دماء جديدة من الكفاءات العراقية التي لا تملك «واسطات» هو معلومات جديدة نشرت على صفحات التواصل الاجتماعي عن نماذج صارخة لموظفين عراقيين مرموقين لا كفاءة لهم سوى علاقة الرحم بمسؤولين كبار، وقد افزعتني المعلومات التي اوردها، وحرت في تفسير واقعة تقرب من الخيال، إذْ يخاطب دبلوماسي من المعينين بالواسطة مراسلا صحفياً بالقول «اذا اردت معلومات عما يجري في العراق فعليك ان تذهب الى هناك.. نحن ليس لدينا معلومات» وصار هذا التصريح نكتة يتداولها كل من هب ودب، وصارت الدولة التي بعثته مندوباً عنها موضوعًا للشفقة.
السذاجة بعد ذلك تقتضي ان يصدق الساذج بأن اصحاب الشأن سيذكرون له هذا الجهد النبيل، ويكون الساذج مثل بطل قصة شعبية كان قد اشترى من السوق سمكة وحمل معها من البائع وصفة بطهو شهي، وقبل ان يصل بها الى منزله اختطفها هر، فصار الساذج يضحك من الهر قائلا: خذها، لكن من اين لك بالوصفة.. وللقصة ربّاط، طبعا.
***********
الشافعي
/»إذا ذكرت لكم ما لا تقبله عقولكم فلا تقبلوه».
نقلا عن الصباح الجديد