17 نوفمبر، 2024 8:39 م
Search
Close this search box.

أوقفوا مهزلة الإعترافات المتلفزة … يامجلس القضاء

أوقفوا مهزلة الإعترافات المتلفزة … يامجلس القضاء

في وقت تتصاعد فيه الأزمة السياسية والتناحر بين الفرقاء في العملية السياسية، طلعت علينا قيادة عمليات بغداد، من جديد لتعلن أنها ستعرض اعترافات مجموعة ثانية تضم ثلاثة أشخاص من حماية نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي  بينهم ضابط برتبة عميد في وزارة الداخلية ستعرض للجمهور خلال 72 ساعة. 
وكانت وسائل إعلام الحكومة قد عرضت في 19/12/2011 ماسميت بإعترافات لمجموعة من أفراد حماية السيد الهاشمي بشأن قيامهم بأعمال إرهابية بأوامر منه. وأنكر الهاشمي التهم الموجهة إليه والإعترافات المذاعة تلفزيونيا وأكد أنها ملفقة ومأخوذة بشكل غير قانوني، وأنه مستعد للمثول أمام القضاء العراقي إذا توافرت الضمانات الأمنية والقضائية المطمئنة.وتقدم الهاشمي عن طريق موكليه لنقل الدعوى إلى إحدى محاكم كركوك وفقا للحق القانوني الوارد بقانون أصول المحاكمات الجزائية، إلا أن محكمة التمييز – كما أعلن بالإعلام – رفضت طلب نقلها من محاكم بغداد.
إن موضوع عرض أخبار التحقيقات الجنائية وإعترافات المتهمين في مرحلة الأستدلال أو التحقيق الإبتدائي من خلال وسائل الإعلام يثير إشكاليات قانونية وحقوقية وإنسانية تتصل بالإجراءات الجنائية واحترام مبدأ دستوري هو ((أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته بقرار قضائي من محكمة مختصة)). كما ويثير الموضوع إشكالية حقوقية تتصل بمبدأ ثابت من حقوق الإنسان ألا وهو إحترام حق الخصوصية،  وعدم تشويه سمعة الإنسان إلا بموجب أدلة قضائية معتبرة.  وهذا يعني أنه لا بد من الإلتزام بكافة الإجراءات الجزائية المنصوص عليها قانوناً وأمام من يباشر هذه الإجراءات سواء أكان المدعي العام ومساعديه من رجال الضابطة العدلية أم المحكمة المختصة التي تنظر في القضية.
لقد كفلت كل الدساتير ومنها  الدستور العراقي حق الأفراد في المحاكمة العادلة، وكذلك حقهم في عدم التعرض لخصوصياتهم أو التشهير بهم في وسائل العلن  قبل أن يصدر قرار قضائي بات بالإدانة. كما أن من مقتضيات المحاكمة العادلة أن لا يتعرض القاضي إلى ضغوطات الرأي العام، أو الأغراض الحزبية الضيقة، أو إرضاء السلطات التنفيذية أو رجال الأحزاب في تحقيق مآربهم الشخصية والسياسية.
كما إن الأتجاه الذي سلكته مختلف التشريعات الإعلامية، ومنها قانون المطبوعات العراقي،  هو منع نشر إجراءات التحقيق الابتدائي بما فيها أقوال المتهمين في هذه المرحلة استنادا إلى قاعدة أن (المتهم برئ حتى تثبت إدانته) ولايجوز التشهير بشخص مادام لم يصدر بحقه حكم قضائي بات ومنه حق الإنسان في عدم التشهير أو فضح أسراره الخاصة.
وإن العراق بحكم إنضمامه إلى أتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب مُعرَّض بموجب المادتين 21 و22 من الاتفاقية إلى رقابة هيئات ولجان المراقبة التي قد توفدها الأمم المتحدة بموجب الصلاحيات المخولة لها بموجب الاتفاقية للتأكد من الممارسات التعذيبية التي باتت ديدن الأجهزة الأمنية والتحقيقية في كل العهود إرضاءً لشهوات الحاكمين في الإنتقام من الخصوم والمعارضين.
إن ما أقدمت عليه سلطات الإعلام الحكومية الخاضعة لسيطرة الحكومة وللسلطة التنفيذية، من عرض إعترافات لمتهمين مازالوا في مرحلتى جمع الاستدلالات والتحقيق الابتدائي أمر يخالف منطوق ومضمون الدستور العراقي م 19: ((خامساً :ـ المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمةٍ قانونيةٍ عادلةٍ، ولا يحاكمالمتهم عن التهمة ذاتها مرةً أخرى بعد الإفراج، عنه إلا إذا ظهرت أدلةٌ جديدة)).
وإذا ما كانت الاعترافات قد انتزعت بالتعذيب – وهو أمر وارد جداً في ظل إنتشار هذه الممارسات المتوارثة في أجهزة التحقيق في العراق، وخضوعها للسلطة التنفيذية وأهواء الحزب الحاكم لأغراض التصفيات الطائفية والتسقيط السياسي، فإن ذاك يعد مخالفة للمادة (35) من الدستور التي نصت:
أولاً :ـ أ ـ حرية الإنسان وكرامته مصونةٌ.
 ب ـ لا يجوز توقيف أحد أو التحقيق معه إلا بموجب قرارٍ قضائي.
 ج ـ يحرم جميع أنواع التعذيب النفسي والجسدي والمعاملة غير الإنسانية، ولا عبرة بأي اعتراف انتزع بالإكراه أو التهديدأو التعذيب، وللمتضرر المطالبة بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي الذي أصابه وفقاً  للقانون.
كما أن نشر الأقوال في مرحلة الاستدلال والتحقيق الابتدائي فيه مس بحرية القضاء وتأثير معنوي على القضاة، يعرقل حياديتهم وقد نصت المادة (85) من الدستور العراقي الدائم على ما يأتي:
المادة 85: ((القضاة مستقلون، لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، ولايجوز لاية سلطة التدخل في القضاء او في شؤون العدالة)).
ومن المؤكد أن نشر أو بث إعترافات المتهمين وهم مازالوا في أول مرحلة من مراحل التحقيق الابتدائي يضر بسير العدالة ويجعل التحقيق خاضعا لأهواء وضغوطات الرأي العام الذي قد يشكل عامل ضغط على القضاة في اصدار احكامهم متأثرين بضغوط الرأي العام أو بالضغوط السياسية للأحزاب والتكتلات وضغط السلطة التنفيذية (الحكومة) التي تريد تحقيق مكاسب انتخابية او سياسية من عرض اعترافات قد يكون الهدف منها التسقيط السياسي كما هو في قضية اتهام حمايات طارق الهاشمي.
إن جرائم جسيمة بمثل تلك الموجه بها الاتهام الى حمايات طارق الهاشمي، تتطلب وقتا طويلا من التأني والنظر في الاقوال ومناقشة المتهمين، وجمع الادلة المادية واقوال الشهود واجراء كشوف الدلالة وهذه تتطلب أياما طويلة وليس مجرد (24 – 48 ساعة)  بين القبض والتحقيق وبين تسجيل الاعترافات تلفزيونيا ومنتجتها فنيا ومن ثم عرضها على الجمهور لأغراض سياسية بحتة، وهي تثير الشبهات في:
1. الدوافع السياسية والرغبة في التسقيط السياسي للخصوم والمناوئين.
2. إنتزاع الاعترافات بوسائل القهر والتعذيب وهو مادرجت عليه اجهزة التحقيق في العراق في العقود الاخيرة وخاصة في هذه المرحلة بشهادة المنظمات الحقوقية الدولية.
3. التأثير على القضاة والسلطة القضائية حيث لايعقل مطلقا لقاضي محترم يحترم نفسه ومهنته أن يعطي الإذن للسلطة التنفيذية أن تقوم باستجواب تلفزيوني لمتهمين مازالوا في مرحلة التحقيق الابتدائي وعرضها أمام الجمهور وهي لم تكتمل استيفاء الإجراءات القانونية المطلوبة بموجب قانون أصول المحاكمات الجزائية، وهذا يشكل إنتهاكا للسلطة القضائية وخرقا لاستقلاليتها.
4. ماتم نشره مجتزءاً من اعترافات تبدو للعيان (تلقينية) يحمل الكثير من الشحن والتحريض الطائفي حيث أن الإجتزاء والتقطيع واضح في الاشرطة المعروضة والتي مازالت معروضة على موقع اليوتيوب تحمل عبارات ماكان ينبغي السماح أساساً بعرضها للعلن مثل (رافضي..) وهي كلمة تستثير مشاعر ملايين من الشعب العراقي وتملأ صدورهم بالغل والحقد، في وقت يجب أن تتصرف السلطة التنفيذية بعقلانية وحكمة حقنا للدماء وامتصاصا للشحن الطائفي الذي مارسته في اكثر من مناسبة وبما لا يخدم أمن العراق ووحدة المجتمع العراقي.
إن نشر إعترافات منتزعة تحت التعذيب والقهر، وبأساليب نعرفها ويعرفها العراقيون وكل من مر بتلك الأقبية المسماة مقرات التحقيق، ولأغراض سياسية وتصفية حسابات بين السياسيين أمر يضر بالأمن الإجتماعي في بلد محطم منتهك منخور بالفتنة الطائفية والشحن الطائفي، ولن تزيد الواقع العراقي إلا تمزيقاً وتخريباً.
إن مجلس القضاء الأعلى في العراق بشخص رئيسه القاضي المحترف مدحت المحمود وجميع قضاته الشرفاء أمام تحدٍ تاريخي خطير،  يمسّ استقلاليته ونزاهته وتاريخه المجيد، وان الكادر القضائي العراقي يمر بإمتحان عسير، يجب عليه أن يتجاوزه بشجاعة، ويكون عادلا في قراراته لايخضع لإبتزاز السلطة التنفيذية ولا لسطوة حزب أو مليشيا، ولا يخضع لرأي عام متهور تصنعه الفبركات الاعلامية ذات الغايات المشبوهة. ويجب ان يكون القضاء العراقي كما نعرفه حيادياً ومنصفاً وشجاعاً، فاستقرار البلاد بيده واصدار القرارات العادلة باعناق القضاة وتطبيق القانون واجبه، والابتعاد عن ضغط رئيس الحكومة الواضح.
على رئيس مجلس القضاء أن لايسمح بإستخدام القضاء وسيلة لرئيس السلطة التنفيذية للتفرد بالحكم،  فهذه كارثة حيث يجب ان تكون أجهزة القضاء والتحقيق حرفية ومهنية وعلى القاضي أن لا يتراجع عن قرار يراه مناسبا، وسيكون المواطن سند القاضي شرط ان يكشف الفساد والسرقات والتزوير واستغلال المنصب وليس فقط القتل والتفجير كون كل هذه الجرائم ارهابا وساهمت بخراب العراق، وعلى السياسيين جمعيا ومن كافة الاطراف الابتعاد عن التاثير والضغط على القضاة وان يجعلوا القانون ياخذ مساره واجراءاته القانونية وصولا لقرارات تقنع الجميع و تكون مطابقة للقانون بعيدا عن الاستغلال والتسييس. وما زال الناس يستفسرون عن عشرات بل مئات وآلاف الجرائم الفضيعة التي وقعت ولكن ما زالت مجهولة لأنها قيدت ضد مجهول…
إن مجل القضاء أمام تحدي خطير لم يمر به منذ قيام المحاكم في العراق يتمثل بالازمة السياسية الحالية، ولعل رئيس المجلس القاضي مدحت المحمود يقع تحت ضغط كبير ويمر بامتحان عسير مع الفربق القضائي الذي يشرف ويحقق ويتخذ الاجراءات القانونية التي يجب ان تكون دقيقة وصحيحة، كون اي قرار ياخذ ابعاد خطيرة قد تدفع بالبلاد نحو الهاوية، القضاء والمحكمة والقضاة اليوم بحاجة الى” الاسناد والدعم والحماية من المواطن والعشيرة والاعلام” شرط ان يبعد رئيس الوزراء التاثير المباشر عليه والذي يمارسة بالوقت الحاضر.
يجب أن يبقى قضاؤنا الشامخ حياديا ومنصفا وشجاعا، فاستقرار البلاد بيده واصدار القرارات العادلة باعناق القضاة وتطبيق القانون واجبه، والابتعاد عن ضغط السلطة التنفيذية، والأطراف السياسية، وإن ما يجري من صراعات بين الكتل السياسية المتناحرة بسبب التجاذبات والصراعات والاتهامات التي كان الشعب دوما ضحيتها والقتل والارهاب طال الابرياء وهجر الملايين وزاد الفقر والبطالة وخلف الملايين من الايتام والارامل.
إنكم يا مجلس القضاء أمام إمتحان عسير لتثبتوا مبدئيتكم وحياديتكم وإلتزامكم بالدستور وإبتعادكم عن شبهة الخضوع لإملاءات السلطة التنفيذية والقوى السياسية.. فأنتم مسؤولون أمام الله، وأمام الشعب، وأمام القانون، وأمام ضمائركم…. فإتقوا الله في الوطن!
* خبير بالشؤون القانونية
[email protected]

أحدث المقالات