كانت عندي مراجعة لإحدى دوائر الدولة،فشاهدت هناك جاري أبا رياض- رجل كبير السن-شديد الإنزعاج،ومحاط بمجموعة من الناس،فذهبت لأسلم عليه،وأستفسر من الأمر.
بعد التحية،قلت له:خيراً يا أبا رياض أراك متضجوراً؟ قال:ومن أين يأتي الخير،من حكومة”اهل اللحايا والسبح”؟!حكومة”البوگ واللغف”! لو باقين على صدام والبعثية”هواي” أحسن لنا!.
بعض الواقفين دعموا قوله،ومنهم من قال:(عمي چنا عايشين عالكمية،وحتى نبيع منها)،وآخر قال:(هم هذولة شحصلنه منهم غير بس المفخخات)، وثالث قال:(أشواية الله على صدام)، رد عليه جاري”ابو رياض”وقال:أي والله ألف رحمة على روحه”صدام”!!!
لمّا سمعت هذا الكلام كأن جبلاً قد وقع عليّ،وقلت في نفسي:الآن عرفت لماذا تسلّط علينا السيئين والفاسدين !؟العجب العجاب أهكذا بطرفة عين ينسى الإنسان العراقي ماضيه الأليم؟!.
لكن لم أترك الكلام يمّر عليّ دون أرد على الصاع بعشر صوع!ومثل ما يقول العراقيون:(أحجاراتي بعبّي)،فرحت أرمي بهن”ابو رياض”،وأسمّع الواقف،فقلت له:أتذكر يا أبا رياض أصدقاؤك جارنا فلان وفلان وفلان،الذين أعتقلهم أمن النظام البعثي،لكونهم يصلون في المسجد، وأخذوهم بتهمة الأنتماء لحزب الدعوة، أهذا هو الوفاء لأصدقائك تترحم على أعدائهم وقاتليهم؟!
أنسيت يا أبا رياض هروبك من البعثيين ،مختفياً بالبيت خوفاً من أن يأخذوك “سخرة”للجيش الشعبي”،ولا زالت تلك كلمتك ترن في مسامعي”لو تحكمنا اسرائيل هم أشرف من البعثيين”!!.
هل نسيت يا أبا رياض أيام الحصار والجوع؟!عندما نذهب أنا وأنت للمطحنة، لنطحن الذرة والشعير لنأكل خبزهما، لأننا لا نملك المال لشراء الحنطة،أتذكر عندما كان النظام البعثي،يوزعنا الكمية فيأتينا الطحين”نخالة”لا يأكله حتى الحيوان!.
أنسيت تلك الأيام الرهيبة والمخيفة، في الأنتفاضة الشعبانية،ودخول الجيش علينا بدباباته وطياراته يقصف بالمدينة،وأعتقاله للآلآف من شبابنا، لم نعرف مصيرهم إلاّ بعد أكتشاف المقابر الجماعية!!.
ثم أني أراك الآن أفضل حالاً من قبل، فالحمد لله والشكر،لديك بنتين موظقتين في الصحة،وولد في الجيش العراقي،وبيتك من خرابة الى”دبل ڤاليوم”،ومثلك المفروض يسجد شكراً لله حتى ينكسر ظهره،فأنت قبل كيف كان حالك،والآن كيف؟!ثمة إذا كان أعتراضك على الحكومة لكونها فاسدة،أنت أول المشاركين في الفساد،أتتذكّر عندما نصحتك؟ وقلت لك: علينا ان نغير هذه الوجوه الفاسدة، وننتخب الصالحين،تضرب نصيحتي عرض الجدار،وتذهب أنت وعائلتك لتنتخب قائمة دولة القانون! وعندما سئلتك لماذا فعلت ذلك؟! قلت لي:هذه قائمة مختار العصر!!.أبو رياض أطرق برأسه وأستحى من كلامي،وظل صامتاً،فقلت له:أستغفر ربك يا أبا رياض من ترحمك على صدام والبعثيين،فهذا يعني أنك راضً عن جرائمهم،والراضي شريك لهم،أتحبّ أن يحشرك الله مع صدام وأعوانه؟!.
أبو رياض بعد سماع ما قلته له، ندم على قوله،وكأنه كان نائماً فأفاق.
بعد أن رجع الى نفسه وعقله”ابو رياض”،قلت له:أنك لم تخبرني عن سؤالي:لماذا انت متضجور ومستاء؟ قال:معاملتي فيها نقص أوراق بسيطة،وأنا”شيجيبني وشيرجعني”!
ضحكت بعلو صوتي،وقلت له:”هسه” أنت بسبب معاملة بسيطة تترحم على صدام وحزب البعث!!!.