18 ديسمبر، 2024 10:53 م

عودة الأبن الضال

عودة الأبن الضال

قد ينصرف ذهن القارئ الكريم أننا نتحدّث عن الفيلم المصري الكبير ( عودة الأبن الضال ) الذي كتبه الكاتب المبدع صلاح جاهين وأخرجه عام 1976 المخرج العبقري يوسف شاهين والذي قدّم لنا لأول مرّة الصوت الملائكي ماجدة الرومي , بل نحن نتحدّث عن ضال آخر في العراق وليس في مصر , ضال وفاسد وسارق أدين بالفساد والهدر في المال العام باستجواب قانوني ودستوري لا غبار عليه تحت قبّة مجلس النوّاب العراقي , ويبدو أنّ قرار مجلس النوّاب العراقي الذي أقال الوزير الفاسد خالد العبيدي , لم يروق لراعي الحكومة الأمريكي الذي يعتبر العبيدي أحد أهم أدواته داخل الحكومة العراقية التي نصّبها وجعل حيدر العبادي رئيسا عليها , ولهذا صدرت أوامر الراعي الأمريكي لرئيس الوزراء حيدر العبادي بعودة الأبن الضال خالد العبيدي إلى عمله كوزير للدفاع تحت أي غطاء قانوني أو غير قانوني , حتى لو شّكلّ ذلك فضيحة للقضاء العراقي وسابقة خطيرة سترمي بالسلطة التشريعية إلى المجهول .
ففي سابقة لم يعهدها القضاء العراقي من قبل , محكمة القضاء العراقي في بغداد تنظر في دعوى الوزير المقال خالد العبيدي باعتبارها جهة اختصاص معنيّة بالنظر في دعوى الوزير المقال ضدّ المستجوب النائبة عالية نصيف جاسم , وهذه فضيحة ومخالفة دستورية من العيار الثقيل , حيث أنّ الدستور العراقي في المادة 93 قد حددّ المحكمة الاتحادية العليا كجهة حصرية معنيّة بالنظر في دستورية القوانين والقرارات التي تصدر من مجلس النوّاب العراقي , ومجلس النوّاب العراقي قد صوّت بالأغلبية بتاريخ 25 / 8 / 2016 على إقالة وزير الدفاع بعد سلسلة اتهامات بملّفات فساد قدّمها ضده مجلس النوّاب العراقي , ومن ثمّ صدور مرسوم جمهوري في 8 / 9 / 2016  يصادق على قرار مجلس النوّاب بإقالة وزير الدفاع ومطالبة رئيس الوزراء حيدر العبادي بتنفيذ القرار , وردّت المحكمة الاتحادية العليا هي الأخرى بتاريخ 10 / 10 / 2016 كل الطعون التي قدّمها الوزير المقال خالد العبيدي باعتبارها الجهة المختّصة بالنظر في دستورية القوانين والقرارات التي تصدر من مجلس النوّاب بموجب المادة 93من الدستور العراقي , وبعد صدور المرسوم الجمهوري بالمصادقة على قرار مجلس النوّاب , اعتبرت المحكمة الاتحادية العليا أنّ موضوع إقالة الوزير العبيدي أصبح منتهيا ولا عودة للاعتراض عليه مجددا أمام أي محكمة أخرى .
فإذا كان الأمر كذلك فمن هي الجهة التي تقف وراء إعادة قضية الوزير المقال خالد العبيدي مجددا إلى محكمة القضاء العراقي ؟ بالرغم من أنّ محكمة القضاء العراقي ليس من واجباتها واختصاصها بموجب الفقرة رابعا من المادة سابعا من قانون مجلس شورى الدولة رقم 65 لسنة 1979 المعدّل النظر في دستورية القوانين والقرارات التي تصدر من مجلس النوّاب العراقي ؟ وماذا سيكون الموقف بالنسبة للوزير الآخر المقال هوشيار زيباري أو من سيقال مستقبلا من الوزراء بسبب إدانتهم بالفساد من قبل مجلس النوّاب العراقي ؟ ولماذا يستقتل رئيس الوزراء حيدر العبادي من أجل إعادة سارق وفاسد إلى الحكومة ؟ فهل هذا جزء من برنامج الإصلاح السياسي والإداري الذي صدّع به رئيس الوزراء رؤوس العراقيين ؟ أم أنها الأوامر العليا من الراعي الأمريكي ؟ وهل ستبقى متفرجا على هذه المهزلة وهذه الفضيحة المدويّة يا مدحت المحمود ؟ أم أنّك ستنتفض لهيبة القضاء العراقي وتمسح عنه هذا العار وأنت في آخر حياتك ؟