عزم الشباب الذين يمشي معهم مرتضى على أن يلتقوا في ساعة متأخرة من مساء رمضان ليتسامروا بينهم وهم يستعدون للامتحان في إحدى حدائق المدينة.
وكان مرتضى من بينهم ليس بحاجة الى الذهاب وإنما أخذه الفضول للمشاركة معهم في هذه اللقاءات الشبابية، وبينما كان يستعد الذهاب طلب منه والده أن ينتظره حتى ينتهي من عمله ويتحدث إليه.
بقي مرتضى منتظرا والده وهاتفه يرن حيث كان يتلقى مكالمة من أصحابه يستعجلونه للالتحاق بهم، وجاء الوالد وجلس بالقرب من ابنه واخذ يسأله عن أوضاعه وعن سبب خروجه من البيت بالرغم من انتهاء الدراسة ونجاحه.
قال مرتضى: اعلم أني قد أنهيت الدراسة هذا العام لكن بعض أصدقائي لا زال لديهم دور آخر في بعض الدروس وأنا اذهب معهم للتسلية والترويح عن النفس ليس أكثر.
قال الوالد: لكن الوقت الذي تقضيه معهم كثير، ألا يجدر بك أن تخصص بعضه للمشاركة في محفل قراني أو شيء من هذا القبيل ؟
رد مرتضى : أنا فعل ذلك فعلا لكني لا انقطع عن أصدقائي؛ لأسباب قد يكون أهمها حاجتهم لي في التحضير للامتحانات التي فاتهم النجاح فيها ،كما إني لا أحب أن أتميز عنهم حتى وان كنت متفوقا في دراستي، وأصحابي كما تعرف ليسوا من صحاب السلوك غير المنضبط نعم بيننا مدخن واحد وهو إنسان عاقل .
قال الأب: إنما دفعني الى هذا الكلام إنني رأيت عددا من الشباب في إحدى الحدائق وهم يدخنون في أثناء النهار ويتجاهرون بذلك من دون رعاية لحرمة الشهر الكريم.
ابتسم مرتضى وقال: إن أصحابي لا يفعلون ذلك فليس بينا سوى شخص واحد يدخن لكنه لا يمارس التدخين في أثناء النار لأنه مفطّر كما تعلم وهو ليس مدمنا على التدخين وقد عقدنا العزم مع بقية أصحابي أن نكثف النصح معه حتى يترك هذه العادة.
فرح الأب كثيرا من الجواب وعلم أن الخطر بعيد جدا عن ولده وطلب منه أن يأتي بصديقي المدخن معه لعله يستطيع إقناعه بالكف عن ذلك.
وعد مرتضى والده بالعمل على إقناع صاحبه بذلك وفعلا كان جادا في فعل ذلك وزاده كلام والده حماسا في المضي قدما في هذا الأمر بعد أن اخبره إن صديقه هذا كبير في العمر وكان مضطرا للعمل في السنوات الماضية وتعلم هذه العادة أثناء ممارسة العمل في السوق عندما كان يبيع الفاكهة في السنوات الماضية لان والده توفي وهو صغير، وقد عده والده أن يساعد صديقه المدخن في إيجاد عمل لا يتضارب من حيث الوقت مع دوام مدرسته.
ذهب مرتضى الى موعده وعاد بعد مدة أسبوع مع صديقه المدخن وقد دعاه لتناول الإفطار.
جاء الأب مرحبا بالضيف وإذا به كبير في السن وشكله متعب لكن الأب لاحظ أمرا غريبا وهو أن صديق ولده لا يحمل معه علبة التدخين التي يحرص المدخنون على حملها معهم مع قرب موعد الإفطار ورغم ذلك بادره بالكلام وقال له : سمعت من مرتضى انك تدخن ؟هل تريد أن احظر لك إناء لوضع بقايا التدخين؟
ابتسم الصديق وكأنه خجل من السؤال ومن رغبة أهل الدار في أن يدخن في بيتهم ثم رفع رأسه وقال بصوت واضح: كلا أنا لا أدخن .
نظر الأب الى ابنه الذي تعجب أيضا وقال للضيف: أأنت جاد؟ إن كنت تظن أننا نرفض أن تمارس ذلك في بيتنا فأنت واهم فأنت حر في ذلك وان كنا نتمنى أن تترك التدخين والمدخن بعد نهار الصوم يفكر كثيرا في التدخين عندما ينتهي وقت الصوم بالإفطار.
قال الصديق: نعم إني جاد فقد تركت التدخين منذ أن وصلني انك تخشى من ابنك أن يشارك أصحابه في هتك حرمة الشهر الفضيل قلت في نفسي هذا صديقي المفضل ولابد ا ن أزيح مخاوف والده فتركت التدخين منذ تلك اللحظة،
وأنا أرى التعجب على وجهك ووجه ابنك؛ لأنني منذ أيام تركت لقاء مرتضى والأصدقاء، وكنت أريد الانفراد بنفسي واتخاذ قرار الإقلاع عن التدخين بعيدا عن الآخرين، وكنت أحاول أن أميّز بين إرادتي وتأثير أصحابي فتوصلت الى قناعة أن هؤلاء الأصدقاء نعمة من الله تعالى؛ لأنني لم احرص على نفسي كما حرصوا فكانوا كالمرآة كشفوا لي خطورة البقاء على هذا الوضع وجئت اليوم لأقول لك إن كنت تخشى من احد أن ينتهك حرمة الشهر فلا تتوقع أن يكون واحدا من أصدقاء ابنك هذا، فانا اعلم إني تركت التدخين عن قناعة خصوصا وأن ابنك مرتضى هو الصديق المفضل لدينا فكيف تريدني أن أشعرك بالخوف عليك مني فلا تخش عليه مني ولا تخف من انتهاك حرمة الشهر من أصدقاء ابنك فنحن لا نخذل صديقنا فهو الصديق المفضل.
قام مرتضى واحتضن صديقه شاكرا إياه على هذه المشاعر ووعده أن يبقى معه حتى يتمكن من النجاح في الدراسة كما نحج في القضاء على التدخين.