23 نوفمبر، 2024 5:54 ص
Search
Close this search box.

حينما تبتعد القاهرة عن الرياض وتقترب من بغداد

حينما تبتعد القاهرة عن الرياض وتقترب من بغداد

سجل العام الماضي تراجعا واضحا في مسيرة العلاقات المصرية-السعودية، قابله تقارب ملموس بين بغداد والقاهرة، واعادة ترتيب للاوراق، على ضوء حقائق ومعطيات المشهد الاقليمي، وطبيعة التوجهات والمواقف ازائها.  
   وحتى لو يكن هناك ترابط حقيقي بين المسارين، فأن مجمل التفاعلات الاقليمية، وطبيعة مواقف العواصم الثلاث-بغداد والقاهرة والرياض-حيال القضايا والملفات الحساسة، يجعل التأثر والتأثير حاضرا في مختلف النقاط والمنعطفات.
   فمن الطبيعي، حينما تتبني القاهرة موقفا معينا حيال قضية ما، ويكون ذلك الموقف متقاطعا مع موقف الرياض وقريبا من موقف بغداد، فهذا لابد ان يفضي الى حراك يترتب عليه اصطفافات وتوجهات جديدة، وما حصل من هذا القبيل، ولاكثر من مرة، رسم صورة اخرى لواقع العلاقات بين العواصم العربية الثلاث.
   اربعة اسباب جعلت الهوة تتسع بين القاهرة والرياض، وهذه الاسباب هي:
-الاول: طبيعة الموقف المصري من الازمة السورية، والمتمثل بدعم وتأييد الرئيس السوري بشار الاسد، او في ادنى تقدير معارضة خيار اسقاطه عسكريا.
   وهذا الموقف يفترق كثيرا عن الموقف السعودي المصرّ على الاطاحة بالاسد، ولعل ما اثار حفيظة الرياض، هو تأييد القاهرة لمشروع القرار الروسي الذي طرح في مجلس الأمن قبل حوالي ثلاثة شهور، والذي اعتبرته الرياض مؤشراً على توائم موقف مصر مع مواقف النظام السوري وروسيا وإيران، اذ علقت عبر مندوبها الدائم في الامم المتحدة بالقول “انه كان من المؤلم أن يكون الموقف السنغالي والماليزي أقرب إلى الموقف التوافقي العربي من موقف المندوب المصري”.
الثاني: الموقف المصري الرافض لمشاركة قوات مصرية في اطار التحالف الاسلامي المزعوم الذي تقوده السعودية في حربها ضد اليمن، اذ رفضت القاهرة اغراءات كثيرة وكبيرة من الرياض، للعدول عن موقفها الرافض، وهو ما اغضب الساسة السعوديين الى حد كبير. 
-الثالث: ردود الفعل المصرية الحادة والغاضبة في مختلف الاوساط الشعبية والفكرية والثقافية والاعلامية ضد المملكة العربية السعودية، بعد صفقة جزيرتي تيران وصنافير، اللتان منحتا للسعودية.
   وقد كان لردود الافعال الغاضبة تلك ان تأزم الامور، واكثر من ذلك تعطل تمرير الصفقة، وبالتالي تفشلها نهائيا بعد قرار المحكمة الادارية العليا المصرية ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية التي ابرمت منتصف العام الفائت.
   وحملت السعودية، حكومة القاهرة مسؤولية الحملات السياسية والاعلامية المصرية الموجهة ضد نظام الحكم السعودي، واعتبرت ان هناك ايادي من دوائر القرار العليا في القاهرة هي التي دفعت بأتجاه التصعيد ضد الرياض.     
   وبينما قال عضو مجلس الشورى السعودي السابق انور ماجد عشقي “ان السعودية قد تلجأ إلى الأمم المتحدة والتحكيم الدولي”، اكد “ان التوتر في العلاقات بين البلدين ناشيء عن خلافات بشأن قضايا إقليمية، وليس في الأساس بسبب تنازع السيادة على الجزيرتين”.
-الرابع: اقدام شركة ارامكو السعودية على الغاء اتفاق ابرم العام الماضي مع هيئة البترول المصرية، والذي كان يفترض بموجبه ان تزود السعودية مصر بـ(700) الف طن من المنتجات النفطية شهريا، ولمدة خمسة اعوام، بقيمة ثلاثة وعشرين مليار دولار.
   وخطوة شركة ارامكو، التي حاولت كل من القاهرة والرياض ابعادها عن اية عوامل ومؤثرات سياسية، جاءت في واقع الامر على خلفية المواقف المصرية المخالفة للتوجهات السعودية بشأن الازمتين السورية واليمنية.
   وما يجدر الاشارة اليه هنا، هو ان الاسباب الاربعة اعلاه، تداخلت فيما بينها، حتى ليبدو الواحد منها نتيجة للاخر، في ذات الوقت قد تكون هناك اسباب وعوامل اخرى، ترتبط او تكمل الاسباب المذكورة، مثل التقارب المصري-الايراني، وان لم يرتق الى مستوى الطموح، والضغط الحكومي المصري الكبير على جماعة الاخوان المسلمين، رغم ان الاخيرة تعد خصما او ندا للسعودية من زاوية مذهبها الرسمي الوهابي، وكذلك التضييق والمضايقات التي تتعرض لها العمالة المصرية في السعودية.    
  وبصورة او باخرى نجد ان ذات الاسباب والعوامل التي باعدت بين الرياض والقاهرة، راحت توفر مناخات واجواء مناسبة للتقارب بين بغداد والقاهرة.
   فبغداد، تبنت منذ اليوم الاول للازمة السورية موقفا رافضا للخيار العسكري من اجل الاطاحة بالرئيس بشار الاسد، ورافضا للتدخلات الخارجية، وبقيت بغداد على موقفها، رغم الخلفيات والتراكمات السلبية في العلاقات العراقية-السورية، ورغم الضغوطات الخارجية، لتصنف ضمن معسكر (موسكو-طهران-دمشق-حزب الله).
    ونفس الشيء بالنسبة للازمة اليمنية، فقد كان الموقف العراقي الرسمي-وحتى الشعبي والنخبوي غير الرسمي-واضحا جدا، برفض العدوان السعودي على اليمن، ورفض الانخراط في احلاف عسكرية لدعم طرف ما على حساب طرف اخر.
   ومثلما باعدت المواقف المصرية بين القاهرة والرياض، فقد باعدت المواقف العراقية بين بغداد والرياض، وطبيعي ان يفضي ذلك الى تقارب بين بغداد والقاهرة، بدا واضحا من خلال حراك سياسي واقتصادي متميز بين العاصمتين خلال النصف الثاني من العام الماضي، تكلل في جانب منه بأبرام اتفاق يقضي بقيام العراق بتزويد مصر بمليون برميل من نفط البصرة الخفيف شهريا بشروط دفع ميسرة، لتلبية جزء من احتياجات السوق المصرية بعد تنصل “ارامكو” السعودية عن التزاماتها. وبحسب السفير العراقي في القاهرة حبيب الصدر، فأن “تلك الكمية قابلة للزيادة خلال الفترة المقبلة”.
    ويقول السفير الصدر “نحن نقدر عاليا وقفة مصر ومساندتها للعراق عربيا ودوليا ومساهمتها في الحرب ضد الإرهاب، وان تطوير العلاقات العراقية المصرية محل اهتمام كبير من جانب البلدين”.
   وهناك مؤشرات على رغبة عراقية بتعزيز فرص الاستثمار للشركات المصرية في العراق بعد مرحلة داعش، فضلا عن امكانية استقدام عمالة مصرية بمقدار معين، في ذات الوقت يبدو ان مصر ترى ان دخول شركاتها وايديها العاملة الى السوق العراقية، من شأنه ان يحرك وينشط الاقتصاد المصري، ويفتح له افاق جيدة، ويخلصه من حالة الركود التي يعيشها.
   وهذا ما اشار اليه رئيس الوزراء المصري شريف اسماعيل عند لقائه وزير الخارجية العراقي ابراهيم الجعفري اواخر العام الماضي في القاهرة، بقوله “تتطلع الشركات المصرية للمشاركة فى مشاريع إعادة الإعمار بالعراق، والمساهمة في عملية التنمية الشاملة على أرضه، بما يعود بالنفع على البلدين،
   وما يساعد على تنمية الجانب الاقتصادي في العلاقات العراقية-المصرية، هو موقف القاهرة الايجابي الداعم لبغداد في حربها ضد الارهاب، بل واكثر من ذلك هناك تعاونا جيدا في المجال الاستخباراتي بين العاصمتين، لاسيما وان مصر تعد من الدول المستهدفة من قبل تنظيم داعش الارهابي، وما تعرضت له من عمليات ارهابية خلال العام الماضي، وما تتعرض له بأستمرار يؤكد ذلك الامر، خصوصا وان الجماعات الارهابية تقف على مرمى حجر من حدودها الغربية مع ليبيا.     
   ولعل مجمل مسارات الامور في المنطقة تؤشر الى ان هناك افاقا جيدة للتعاون العراقي-المصري، يمكن ان تكون لها انعكاسات مهمة على الجانبين، لاسيما مع الحلحلة الحاصلة في مختلف الملفات الاقليمية(الملف السوري-الملف اللبناني-الملف اليمني-الملف الايراني)، فضلا عن الانتصارات الكبيرة المتحققة على تنظيم داعش الارهابي في العراق، ولاشك ان تلك الافاق الجيدة والرحبة في مسيرة العلاقات بين بغداد والقاهرة، تعني انحسار وتقوقع الرياض، خصوصا اذا استمر نظام الحكم هناك بنفس منهجه المتزمت والمنغلق في التعاطي مع مشاكل المنطقة وازماتها.     
 ————————— 
*كاتب وصحافي عراقي-بغداد 

أحدث المقالات

أحدث المقالات