مسرحية (يارب) تفزع الهيئة العربية للمسرح في الجزائر: قولة حق في حضرة أمّة جائرة
كان يمكن للعرب جميعا وليس المشاركين في الدورة التاسعة للمسرح العربي المنعقد في الجزائر حسْب، أن يتعرفوا عن قرب على متغير
نفسي وفكري هام ، حدث جراء الماسي والحروب والموت والارهاب المثير الذي يشهده عدد من الدول العربية ومنها العراق ، والمتغير النفسي هذا ليس جديدا حدوثُه، فقد انتجت الحروب والكوارث البشرية فلسفات ومراجعات شتى ، قلبت ثوابت في القوانين والاديان والعلاقة الجدلية
بين الله والانسان ، او بين الانسان والسلطة ، والفرصة هذه هي الاصغاء بحيادية وتجرد واحترام لدوافع الخطاب ، للنداء العميق الذي جاءت به مسرحية (يارب) ، من تاليف الكاتب والفنان العراقي المبدع الجريء علي عبد النبي الزيدي ٬ بدلا من كلمة مهزومة انفعالية على
لسان الامين العام للهيئة العربية للمسرح (اسماعيل عبد الله) يدين فيها مشاركة عمل يتضمن “تجاوزاً للخطوط الحمر” . متعهداً بعدم تكرار سيناريو العمل العراقي، الذي حمل عنوان «يا رب» على خشبات دورات مهرجان المسرح العربي، الذي جاء مثقلاً بالتجاوز على المقدسات
على حد قوله .
وهو انتقاد هبط بقيم المسرح التقليدية الرصينة التي يجب على أي مهرجان طليعي ان يحافظ عليها ،هبط بها الى الحضيض ، لانه اسقط مبدأ الحرية في الاجتهاد أولا ، وتعامل مع نداء داخلي انساني في ظروف قاهرة اتأسس عليه عمل ( يارب) تعاملا اقصائيا من خلال
قراءة سطحية تجاوزية تكفيرية مبسطة .
حيث إن العمل لم يأت بشخصيات افتراضية يحمّلها افتراءات مارقة كما اوحى (الامين عبد الله) بذلك ، بل تمثلت
شخصيتا العرض الرئيستان بالأم العراقية ، وموسى النبي ، منصرفاً الى نداء داخلي ، تأملي لايصل اليه مرء أو مجتمع الا في حالة انهيار نفسي واختناق وجودي ، يدفعه الى البحث في مامتاح له من آمال وعقائد ومفاتيح واولها الحوار التقليدي اليومي مع الله ، الحوار الذي قد
ترفضه الكنيسة او المسجد او الرهبان ورجال الدين خشية التجسيد او أنسنة الرب ، لكنّ المسرح بوصفه خلقا انسانيا ومساحة لاستيعاب نتاج النفس البشرية وغوامضها، ميدان مهم مشروع لإحتواء جميع الاسئلة والاجتهادات والمراجعات . ولذلك ليس جارحا ، إن امهات عربيات أو عراقيات
يتساءلن لماذا يفعل الله بنا كل ذلك ؟ او نريد أحداً يكلمه ، ثم يتذكرن أن كليمه هو نبي واحد ( موسى ) ثم ينمو الاندفاع الى تكليفه وحواره وتحمل ردوده وصدوده كما تفترضه اذهانهن.
أم : حاول أن تفعل شيئا بعصاك يا موسى
.
موسى : إنها تعمل بمشيئة الله
.
أم : قل لها أن تشق الأرض الى نصفين .. نصف يعيش فيه القتلة ، والنصف الآخر نعيش فيه مع أولادنا بسلام
.
وبعد تردد ثم اقتناع بان مايحدث من موت مجاني يومي
للعراقيين جريمة على الأرض، تحرّك ضمير النبي للاصطفاف مع الأم والأمهات اللواتي معها في اضرابهن عن الصلاة والصيام.
ولسان حاله يقول(
لا يمكن أن أعيش في جنة تجري من تحتها الأنهار ، وهنا وطن يجري من تحته الجحيم) بعد ان تنهار الام المفجوعة بابنائها وهي تخاطب الرب في حوار من اصدق واجمل وابلغ ما يقال في هذا الموقف ( كنت أنسى يدي لساعات وهي مرفوعة للسماء أياما حتى تـشل ، فتبني الحمامات
أعشاشها على راحة يديّ ، وأنسى فمي لأسابيع وهو يتوسل به أن يحفظ أولادي من القتل ، وأنسى دموعي لسنوات تجري، عله يجففها بكلمة واحدة منه ( تصرخ به ) قل لي ماذا أفعل حتى يستجيب الله لدعائي
؟)
سؤال هو في حقيقته علاقة مع الله وليس تمردا عليه او كفرا بوجوده .
وهو حوار معتاد لدى جميع البشر في السر او في الحلقات الخاصة ، يغامر علي عبد النبي ليخرجه من الظلمات الى النور في عمله المؤثر .
المشكلة اذا هي مشكلة قراءة ، وخوف واستعداء معتاد للدين ضد الفكر والفن ، في أمة انحدرت بثروات بلدانها بالفن الى مستوى الابتذال
وخدمة السلطة وعبادة الاصنام الدينية المتوحشة لاعبادة الله الرحمن الرحيم . وهي قراءة في اقل تقدير غير موفقة للعمل المسرحي الذي اخرجه
الفنان مصطفى الركابي وادى ادواره الفنانون البارعون سها سالم وفلاح ابراهيم وزمن الربيعي
، كان على المهرجان ان يكرم هذا العمل وجميع المشاركين فيه لجراته في قول مالايمكن قوله ، فقولة الحق فضيلة لقائلها . لكنها على مايبدو كانت (قولة حق في حضرة أمّة جائرة) ، وهو عنوان الجائزة الكبرى التي نالها عرض (يارب) في المهرجان .