وضع ساقه الاصطناعية جانباً على رصيف الشارع الذي يجلس عليه دائماً وترك ساقه المبتوره يتلاعب بها الريح ، وأنظار السابلة المندهشين لإصراره على العمل رغم عوقه.. والذين كانوا يتأففون من منظر هذا العراقي الذي يبيع السكاير في هذا الموقع من الشارع العام وسط المدينة لأن الشرطة الاردنية الجوالة عادة تمنع وتحتجز وتلاحق كل من يبيع على ارصفة الشارع لأنها تريد ان تحافظ على المنظر العام ونظافته .. وقد رأفت بحاله الشرطة الجوالة نظراً لوضعه المزري والذي يبعث في النفس الأسى والانكسار .كانت الدراهم والدنانير تنصب عليه انصباباً لقاء شراء علب السكاير التي كانت يبيعها عطفاً عليه وان أرباحها تكاد تكون مبلغاً لا بأس به فقد ترك العراق يوماً أيام الحصار المزريه كي يعمل على إعانة عائلته المقهورة بالحصار وحاجتها الماسة لكل دينار كي تسد به رمقهم وبطونهم الخاوية ، وكان ذو الساق المبتوره يسكن في غرفة قريبة من الغرف التي أعدت للبغايا العراقيات اللواتي امتلأت بهن غرف الفنادق الوضيعة .
كن ينتظرن هذا المبتور الساق كل ليلة حتى يغفو في نومه ليقمن بعد ذلك بسرقة ما جمعه أثناء النهار وكان ذو الساق المبتوره يتألم بشدة ، وكان يشكو أمره الى المارة الذي كانوا يشفقون عليه مع ان احدهم قال له ( أنا سوف أعلمك طريقة تحافظ بها على ما تحصله من الدنانير ) فقال له :- بالله عليك أنقذني .
قال له هذا الانسان ( اريد منك كل ما جمعت مبلغاً يتجاوز السبعون دينار .. سأذهب وإياك الى مكاتب الصيرفة لتحوله الى ورقة خضراء من الدولارات وتحتفظ بهذه الورقة في مكان أمين ولا تظهرها للآخرين كما تفعل سابقاً ، وبهذا سوف تكون قد حافظت على ما تحصل عليه من أرباح لقاء بيعك السكاير وتتخلص من لصوص الليل المبتذلات ) . قال له ذو الساق المبتوره :- إنها فكرة جيدة … ساعدني يحفظك الله .
وكان هذا العراقي يعمل في بعض الشركات وقد سمع بالقصص الحزينة التي جرت على هذا الانسان المعاق وقرر ان يساعده ويخلصه من سراق الليل ومن البغايا وبعض العراقيين الذين يجوبون الشوارع عن بقايا طعام يسدون به جوعهم المزمن ، وكان البعض منهم وهم كثرة يقفون بصف ٍ طويل أمام إحدى المطاعم ينتظرون ان يقدم لهم صاحب المطعم ” السوب ” وبعض كاسات الشوربة .. وكان هذا المنظر يحز في نفس صاحبنا الذي كان يساعد ذو الساق المبتوره ، وقد قدم ما يتمكن عليه لبعض هؤلاء المنتظرين لكاسات الطعام فهو لا يتمكن ان يوفر الغذاء لكل هذا الجمع الغفير الذي هاجر من موطنه ليفتش عن عمل ينقذهم من الموت . وقال ذو الساق المبتوره الذي ساعده :- أعطيك هذه الورقة كي ترسلها الى عائلتي .امتنع الذي قدم له المساعدة بينما كان ثمن هذه الورقة يبلغ ثلاثمائة وخمسون ألف دينار .. قال له ( يا رجل فكر في أحد المقربين اليك أو معارفك الأمينين المخلصين حتى ترسل معهم هذه الورقة لعائلتك ) . قال له ذو الساق المبتوره :
– أتدري كم أرى في عيون البغايا من إحمرار واستغراب بعد ما فقدن ما يفتشن عنه كل ليلة في جيوبي وانا أغط في نوم عميق ولا يعلمن أين وضعت هذه الورقة الخضراء .. أنها في مكان ازرق لا يعثر عليها حتى الجن .ضحك الذي قدم له المساعدة وقال له :
– الآن أنا مطمئن عليك .
ولكن أتدري أي مأساة نحن فيها وبلدنا بلد الذهب والحقول الخضراء ترانا نستجدي العمل هنا في هذا البلد الفقير وهم يطردوننا من أبوابهم وبعد جهد جهيد يوافقون على اشتغالنا في مكاتبهم وشركاتهم وهو بلد يعيش على عطاء الدول الكبرى فهل يأتينا اليوم الذي سوف نحيا فيه كما تحيا بقية شعوب العالم ؟ رد عليه ذو الساق المبتوره
– ذلك رجع ٌ بعيد .
ربما يا صاحبي وربما سيأتي علينا فجر جديد يخلع عنا أثواب البؤس والشقاء .