19 ديسمبر، 2024 7:58 ص

قانون الإنتخابات هو المسؤول

قانون الإنتخابات هو المسؤول

بالتأكيد أن قانون الإنتخابات هو المصدر الرئيس لإثارة المشاكل في العراق مساهماً بفعل الإثارة مع بعض المبادئ الجامدة والقوالب الفكرية التي تتبناها اغلب نخبنا السياسية والتي لم نستطع التحرر منها رغم تحررنا العسكري.
قانون الإنتخابات افرز كتل كبيرة الحجم تستطيع فرض رأيها في البرلمان وفي مجالس المحافظات وفق رؤيتها السياسية والأيدلوجية الخاصة بها.
كما أن هذه الأكثرية المريحة أمكنت أصحابها من إسقاط رواسبها الفكرية ومبادئها المتراكمة عبر السنين على المشروع الديمقراطي والعملية السياسية برمتها وبالتالي تنتج أزمات ومشاكل.
فبعد مشاركة أعداد كبيرة من الكيانات السياسية والشخصيات في الإنتخابات انحسر الفوز بقوائم ذات رموز ومن استطاع أن يكسب ثقة الرمز تمكن من الصعود إلى البرلمان ومنه إلى السلطة التنفيذية.
وهنا نشأت المشاكل أولها موضوع الإجتثاث ووجوب ادخال رموز مشاركة بالإنتخابات في مراكز اتخاذ القرارات الحكومية ومن ثم تشكيل حكومي غير متجانس بظروف صعبة دولياً وإقليميا وداخلياً ومن ثم بدء عملية الإنسحاب وما رافقها من مزايدات ومناقصات وفق نظرية المقاولات في المواقف ووصولاً للأقاليم والتطور الذاتي لفكرة التقسيم على أساس طائفي وحتى وصولنا إلى قضية النائبين للرئاستين.
كل هذه المشاكل سببها الأكثرية وإيمان الكل بأحقية الأكثرية بتولي زمام الأمور ومنشأ الأكثرية هو موضوع البحث .
في المقدمة اشرنا إلى اشتراك عدد كبير من الكيانات السياسية وعند إعلان النتائج دائما ما ينحسر الفوز بخمسة او سبعة قوائم تمكنت من اجتياز العتبة الانتخابية وهنا المصيبة الكبرى.
العتبة الإنتخابية تمثل الحد الفاصل بين الفوز الخسارة وبين الحق والباطل وبين الأكثرية والأكثرية المقابلة وبين وبين الكثير..
العتبة الإنتخابية فعلت من السوء الشيء الكثير ومثالها أن أعطت أصوات مستحقين إلى غير مستحقين وهنا نسأل أصوات الحزب الشيوعي إلى أي كتلة ذهبت كون الحزب الشيوعي لم يصل العتبة الإنتخابية ويمكن أن تكون هذه الأصوات قد جيرت لصالح حزب إسلامي وهنا خالفنا الدستور كونه يضمن حرية الرأي والفكر لكل مواطن.
هذا المثال يمكن عكسه لأحزاب إسلامية لم تتمكن من تجاوز العتبة السيئة وبالتالي لم تعرف مصير أصوات ناخبيها .
مثال أخر مرشحين في قوائم معينة بلغت أصواتهم الألوف ولم يصلوا إلى الكراسي الموعودة كون قائمتهم لم تؤهلهم للعتبة وهناك من لم يتجاوز أصواته المئات ونراه متكلما مفوها شاهراً لسانه علينا يجلدنا ليلا نهارا علانية بكلماته في ساحات الوغى خلال البرامج الحوارية في شاشات الفضائيات المختلفة.
نعم قصة العتبة الإنتخابية سيئة الصيت جلبت الويلات لكيانات ولشخصيات وجاءت بنعيم الدنيا لكيانات ولشخصيات.
أما على المستوى الشعبي فالعتبة كانت عتبة سوء وحيف كون :
الحيف الأول : السادة المرشحين لم يروا ضرورة النزول للشارع وتبني مشاكل الجمهور كون الجمهور لم ينتخب السادة الفائزين الذين فازوا بفضل العتبة فهم لا يدينون للجمهور بالولاء والفضل. وهذه نقطة حساسة يجب الوقوف عندها من عبرت قدماه العتبة بإتجاه البساط الأحمر في السلطات التشريعية والتنفيذية لا يشعر بضرورة تبني أراء الناخبين.
وبالنتيجة حين يعقد هؤلاء السادة الفائزين الصفقات السياسية والمشاريع التقسيمية والقرارات المتشنجة لا يرجعون للناخبين ولا يهمهم رأي الجمهور لان الحقيقة المرة هي ونكررها للفائدة انه لا يوجد انتماء من الفائز بالإنتخابات إلى الناخب والسبب العتبة الإنتخابية.
 الحيف الثاني: هو الظلم الذي يعانيه الجمهور ( الفئة الناخبة ) كون أصواتهم تحولت بفعل قانون احتساب الأصوات والباقي الأقوى إلى أشخاص لا يعرفوهم وربما هم على خلاف فكري وشخصي مع الناخب وبالتالي عملت العتبة وقانون احتساب الأصوات والباقي الأقوى على مصادرة حقوق المواطن الناخب ونفذت هذه القوانين عملية تبييض أصوات .
الحيف الثالث : هو مصادرة حق الناخب ومصادرة الدائرة الإنتخابية ( المنطقة ) بترشيح أبنائها كون المرشح يجب أن يكون منتمياً لمنطقة ما يمثل أبناء هذه المنطقة وهذا الأساس الفكري لموضوع الإنتخابات إلا أن هذه القوانين الإنتخابية تودي بأصوات الناخبين إلى المرشحين المنتمين لقوائم الرموز وربما تجير إلى مرشحين من خارج هذه المناطق.

الحيف الرابع : هذه القوانين أفرزت مشاكل اجتماعية وطبقية كون الرموز أصبحوا محطة جذب للراغبين بركوب قطار الفوز وبذل الغالي والنفيس من اجل تحقيق هذا الهدف
ولأن الغاية دائماً تبرر الوسيلة شوهد انتشار ظاهرة العزائم الكبيرة التي يقيمها الميسورين للسادة المسؤولين واستقبالهم بحفاوة وتقدير عاليين وبالنتيجة صنعنا رمزية تقيد بها السادة الفائزين ترتب عليها عدم احترام إشارات المرور عدم احترام نقاط التفتيش انتهاء متطلبات معاملاتهم في الدوائر والمؤسسات بقصاصات ورقية موقعة من قبلهم او بمكالمات موبايلية  والإحساس بفوقية على المواطنين والقانون.
اذكت هذه القوانين العشائرية وتقييم شيوخ العشائر على أساس ما يملكونه من أصوات يمكن إهدائها لمقدمي العروض من الرموز وأصبحت العشيرة وشيخ العشيرة هو سلطة بديلة وفي أحيان كثيرة سلطة رئيسية.
الطائفية هي ميدان عمل أساسي وآلية جذب للأصوات ناجحة جداً والدليل أن الكثير من الساسة تحولت أيدلوجياتهم العلمانية والليبرالية إلى طائفية لأجل الحصول على مكاسب انتخابية.
ظلم الكفاءات حيث أصبح الرموز لا يبحثون عن الكفاءات من الشعب والدليل إننا لم نسمع لحد الآن أن حزباً تقدم بطلب لشخصية عامة بالترشح عنها وتمثيلها دون ضغوط وإنما العكس يتهافت الراغبين بركوب قطار نعيم الدنيا بتقديم الدعم المالي والصوتي وبالضرورة التوقيع على ميثاق شرف حزبي يتعهد بموجبه بعدم مخالفة الرمز الإله فكريا وعملياً الرمز يحتاج إلى من يدافع عنه لا إلى من يمثل الجمهور المغيب صوته بفضل القوانين الإنتخابية.
نعم القانون الإنتخابي بعتبته وقوة بقيته افرز الكثير من المشاكل الإجتماعية.

الحيف الخامس : المشاكل التقسيمية وضحنا أن القوانين الإنتخابية بالضرورة تفرز كتل متقاربة الأصوات وعدد الكراسي معتمدة على ما يحصله الرمز من أصوات لا على مقبولية المرشح لدى الناخب.
بالتالي ينتج رمز ومن معه يصلون لمرتبة الصحابة لدى الرمز يدافعون عنه وعن مشاريعه وبالضرورة سيتنافس رمزان وبالضرورة ينجح احدهما ويفشل الأخر . وهنا تبدأ مشكلة الصراع الخاسر يهاجم ويتبع كل السبل الهادفة إلى إفشال الفائز الذي بنجاحه يمتلك الأدوات لتأكيد خسارة الخاسر وبالتالي ينشب صراع بين رمزين يمثلان اتجاهين فكريين مختلفين ويبدأ صراع فرض الأجندات وصراع مصادرة الحقوق ومثال ذلك:
محافظة البصرة أكثر محافظة عراقية تستحق أن تكون إقليم وتستفيد من مواردها إذا ما علمنا أن هذه المحافظة على مدى تاريخ الدولة العراقية هي الواهبة بأموال نفطها وموانئها وهي المحاربة الأولى على مدى تاريخ الحروب العراقية الحديثة وهي المقاوم الأول لموجات الإحتلال المتعاقبة وهي الأولى بفقرها وضعف خدماتها وضعف بنيتها التحتية حتى وصل الحال بمحافظها أن يهدي صور قديمة لمدينته للزائرين ليبين مدى الظلم والحيف الذي تعرضت له هذه المحافظة الواهبة بمالها ودم أبنائها من إهمال عبر عقود من السنين.
ولكن مطالبها بالإقليم تفشل كون القوى السياسية الشيعية المتنفذة دائماً ما تميل إلى فكرة الوطن الموحد.
وفي المقابل محافظة قليلة الموارد مثل صلاح الدين تطالب بإقليم بدعوى المظلومية من حكومة مركزية شيعية تظلمهم بالموارد المخصصة وبالمعاملة السيئة.
الفكرة أن الإقليم يتيح للمطالبين بنوع من الإستقلالية عن سلطة مركزية يرأسها منتمي لطائفة أخرى  وزيادة مواردها من المحافظات الواهبة. والحقيقة هو صدام بين مشروعين لرمزين أفرزتهما القوانين الإنتخابية. 
الحلول:
تغيير بعض الأنظمة الإنتخابية خاصة ما يخص قوانين احتساب الأصوات واعتماد
المبادئ التالية:
* مبدأ تقسيم عدد المرشحين لكل محافظة على دوائر انتخابية تمثل الأقضية والنواحي.
 * مبدأ التسلسلية التنازلية بعدد الأصوات المستحصلة لكل ناخب ولكل دائرة انتخابية.
 وفوائد هذا النظام الإنتخابي البسيط الغير معقد هو :
1- نظام احتساب الفائزين يكون سهلاً لا يحتاج التفسيرات والإجتهادات.
2- الدائرة الإنتخابية تعطي حق للمنطقة الإنتخابية وسكانها بإختيار مرشحيهم الحقيقيين وضمان الأصوات تحسب داخل الدائرة ولاتجير لجهة أخرى او مرشح أخر.
3- هذا النظام يجبر الرموز وأصحاب القوائم بالبحث عن أناس لديهم مقبولية وأهلية ضمن الدوائر الإنتخابية وبالتالي يرتفع الوعي الإنتخابي للناخب والمنتخب ويضمن فرصة عادلة لجميع المتنافسين ضمن الدائرة الإنتخابية.
4- هذا النظام يثبت علاقة الجمهور بالسلطة التشريعية وبالتالي التنفيذية كونه يوفر علاقة منفعة متبادلة بين الجمهور والسلطتين.
5- هذا النظام يضمن تنوع في المجالس التشريعية والرقابية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار وبالتالي يصعب عملية فرض الرؤى والمشاريع ويضمن أن يكون العمل المقدم هو لكسب ود الناخب لا لغرض تسقيط المنافس وإفشال الجهود.
6- هذا النظام يحقق مبادئ دستورية تكفل حق المواطنين بالمساواة بالفرص ضمن القوانين المحددة وكذلك معرفة الناخبين لأصواتهم والى أي جهة يصير مآلها.
7- هذا النظام يوطد العلاقة الديمقراطية بين المواطن والوطن.
8- هذا النظام سيحد وبشكل كبير من تدخلات الخارج وفرض مشاريعه.
9- هذا النظام يضمن مواجهة حقيقية بين الناخب والكتل السياسية.
10- هذا النظام يحد بشكل كبير من المشاكل الإجتماعية ( الطبقية الإجتماعية , العشائرية , الطائفية)
نعم ربما الجميع من الرموز سيتأذى من هذا النظام كونه سيفقدهم الكثير من أدوات اللعبة الإنتخابية والفوز ولكنه سيضمن نجاح التجربة التي بذلنا لأجلها الكثير من الوقت والصبر والدماء والمال نعم سهموا معنا لضمان مستقبل العراق من خلال تعديل بسيط لفنون ولد الكثير من المشاكل . كل هذه المشاكل التي مررنا بها ما هي إلا نتاج لقانون أجهض آمال الكثير من العراقيين نعم القانون من ولد المشاكل كونه افرز تشكيلة غير متجانسة وحصر نتاج العملية الديمقراطية بأياد محدودة والمفروض أن العملية بيد الشعب.
[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات