17 نوفمبر، 2024 11:42 م
Search
Close this search box.

توظيف تقنيات السرد في القصة القصيرة

توظيف تقنيات السرد في القصة القصيرة

تعتبر (الواقعة الاجتماعية) من المواضيع المتميزة والمثيرة على صعيد الكتابة القصصية وتوخت هذه الموضوعة ( الهموم الإنسانية ، النفسية والمعيشية والسياسية) وكان للمنجز الأدبي العراقي والقصصي بوجه خاص المساحة الكبيرة في توظيف الواقعية الاجتماعية ضمن نصوصه الإبداعية انطلاقا من تأثر الأقلام الأدبية بالواقع المعاش ومن ثم انعكاس هذا الواقع في النصوص القصصية , وتندرج قصة ( رياح الخريف) للقاص ( احمد عزيز رجب) ضمن هذه الموضوعة حيث صورت الهم المعيشي والفكري والنفسي بكل أبعاده ومدلولاته. يبدأ استهلال القصة بإيحاء ضمني ومع إن هذا الاستهلال هو الإضاءة التي توخاها الكاتب لينسج عليها فكرة القصة حيث يكون حضور الزمن مهيمنا على الخطاب السردي ويكون المحفز للشخصية المركزية (الأب) ومع هذا ان الزمن كان حضور (مغيبا) (كضرورة فنية) لذا كان البؤرة التي يتمحور حولها السرد، فيه يدرك الأب ومع مرور الزمن عليه فيعاني من حالة قلق وإرباك نفسيين لعدم تحقيق اغلب وأجمل أمانيه فيداهمه اليأس ولذلك يكون الزمن طاغيا على السياق الدرامي من الداخل ومن الخارج اذا يكون مهيمنا من الداخل حيث حفز حضور الزمن على تحريك بواطن ( الاب) النفسية وحالة السوداوية التي وصل إليها (أمسى ألان في الرابعة والأربعين، ايامه الأخيرة، الى وقت قريب ، ايامه الكئيبة ، طلائع الخريف) .
كان لهذا التكرار وظيفة دلالية ذات بعد نفسي اثر سلبا على نفسية البطل (الأب) ليؤكد من خلال هذا التكرار سطوة الزمن على (الأب) وكان حضور الزمن من الخارج وهو عدم تحقيقه أيا من أمنياته برغم سنه هذه ،وهناك تكرار اخر في سياق السرد هو تكرار مفردة (حياة) ومرادفاتها ضمن المتن السردي للقصة ( ليواصل حياته ،عليه حياته، حياة اسرته ،على حياتهم ، خبرته في الحياة)هذا التواجد في التكرار كان ملازما لمفردات الزمن ومع ان هذه الثنائية السردية (الزمن/الحياة) معادلة حياتيه مترابطة الأطراف لا يتطابق طرفاها دون إن يتوازى ويتطابق كلا الحدين وهذا ما اوحى به الكاتب بلغة موحية.
ان تواتر وترادف الأفعال الماضية المهيمنة على الخطاب السردي للقصة وتشظي البطل بمرور الزمن أعطى معنى مجازيا , اوحى لنا القاص به ليؤكد حضور الزمن ويبرهن على تجسد الثنائية (الزمن/الحياة) ومن ثم تحميل النص مسؤولية فكرية هي من صميم عقل وفكر الكاتب .
كما ان حضور المكان كان طارئا على مجريات السرد وربما يكون الكاتب قد أقحمه ليكون السمة المحفزة لمجريات السرد وبذلك يكون السرد قد اخذ خطا بيانيا متصاعدا ثم مالبث أن يتأرجح عند قمة أخرى لينحدر بعد ذلك وحسب السياق البنيوي للقصة , وهذه التقنية وظفها القاص ببراعة حينما أقحم (النهر) في بنية السرد ليحمل الفكرة التي أراد إيصالها إلى القارئ (بعدا فكريا) مهمته في ايصال هذه المعلومة حيث شبه القاص مسيرة البطل العمرية (الزمنية) بمسيرة وجريان النهر (كم من الحضارات نشأت على ضفتيه وكم من الأجيال ارتوت من دفقه الفياض وكم من حياة انبثقت على شائطه).
ان اللغة الموحية ألمكثفه واستكمال أدوات العبير, وتوظيف الثنائيات السردية بشكل فكري يخدم البنية الفنية للقصة وتوظيف الحواس سرديا هي من السمات الحديثة للقصة القصيرة الا ان قصة (رياح الخريف) قد جنحت الى التقريرية والمباشرة حيث ضمت القصة مستويين من مستوى (مقالي/مباشر) ومستوى (فني قصصي).
كما وان الاسترسال في الوصف وإثقاله يعتبر من الآفات الحديثة في الخطاب ويقود النص الى مطبات لغوية كان على الكاتب ان يعيها كما في (سبتها واحدها والثلاثاء والخميس) كما وان التواتر في مشتقات المفردات وتكرراها توهن النص الإبداعي وتقلقل توازنة ككيان متكامل .
وفي القصة قدم لنا القاص شخصية تتمتع بكامل وعيها ويقتظها ولم تشذ عن المألوف فلم يكن البطل تائها بين المسافة التي تفصل الحلم /الامنيات ومابين الواقع ، وهذه العلاقة اوجدت لنا فهما بشمول هذه الشخصية وانعكاساتها في الواقع .
ان قصة (رياح الخريف) تحتاج إلى قراءة وتأمل فكري فلسفي أكثر إذ نجد فيها العلاقة بين الزمن والحياة وعلاقة الحياة بالجمال وكل هذه التأملات حررها الكاتب بقصة موحية مكثفة حملت هذه الهموم بكل مدلولاتها .
[email protected]

أحدث المقالات