بعد سنين من العمل مع الأطفال بكل أشكالهم ( الأطفال العاديين، أطفال الشارع، الايتام، ذوي الاحتياجات الخاصة)، وصلت الى قناعة ان الحل الامثل لجميع مشاكل اطفالنا وكبارنا هو اعطاء علم النفس المكانة التي يستحقها والاهتمام به ورعاية كوادره رعاية خاصة، لأن مفتاح حلول مشاكلنا بيدهم. خصوصا واننا بلد قد يعاني اكثر من نصفه من المشاكل والعقد النفسية، ونصيب اطفالنا هو حصة الاسد بسبب سوء الاوضاع الاقتصادية وتردي الوضع الامني وقلة الخدمات الصحية عامة والخدمات الصحية النفسية خاصة ورداءة المستشفيات بسبب هجرة الكوادر الطبية المتخصصة وقدم اجهزتها الطبية، وإن وجد الحديث منها فأنه لا يتناسب مع عدد المرضى الذين يراجعون هذه المستشفيات . وانا اتحدث هنا عن المستشفيات العامة، اما بخصوص المستشفيات المختصة بالعلاج النفسي فنحن لا نملك إلا واحدة (مستشفى ابن رشد) وهي قد لا ترتقي الى حجم المشكلة والمعاناة مع تعالي الاصوات التي تنادي بتحديثها وتطوير اجهزتها وتوسيعها وتوفير كوادر تسد احتياجات مرضاها ومراجعيها . إن كل ذلك دفعني للتفكير بكل جدية من اجل ان ادرس علم النفس علّي اجد ظالتي هناك واجد الحلول لمشاكل اطفالنا النفسية، خصوصا الايتام الذين ارعاهم في داري الايوائي، وبالفعل دخلت هذا قسم علم النفس في الجامعة وكانت المفاجأة الكبرى عندما وجدت نفسي بين مئة وثلاثين طالبا وطالبة جميعهم غير راغبين بهذا القسم إلا انا . والمشكلة الأخرى هي ان اساتذة هذا القسم يعلمون بذلك وبعضهم لم يأخذ هذه المشكلة على محمل الجد كونهم اساتذة بعلم النفس وعليهم اولا إن كانوا مهتمين بمصلحة الطلبة ان يخلصوهم من الاحساس بالظلم الذي وقع عليهم كونهم ينظرون لعلم النفس نظرة دونية سببها الثقافة التي نشأنا عليها والأفكار التي يحملها آبائنا عن هذا العلم، وبذلك يكون قبولهم بهذا القسم رغما عنهم حسب وجهة نظرهم اجحافا بحقهم خصوصا وان هذا القسم يقبل اقل المعدلات قياسا لباقي الاقسام، وهذا دليل على ان القائمين على هذا القسم هم اصلا غير مقتنعين به والا بماذا نفسر هذا التفاوت في المعدلات ؟ .المهم استمرت معاناة زملائي الطلبة خصوصا مع وجود بعض الاساتذة في قسم علم النفس اصلا يحتاجون الى اساتذة في علم النفس يخلصونهم من العقد التي يحملونها ويعلمونهم كيف يتعاملون مع طلبة علم النفس، مع احترامي واجلالي للقسم الاكبر منهم والذين استفدت منهم الكثير وكانوا بحق يستحقون المكانة التي يشغلونها، إلا اني اعاتبهم كونهم رضوا بأن يقفوا عند هذا الحد واستميح بعضهم العذر كونهم محاربين لأن اصواتهم عالية . كنت في كل سنة اواجه مشكلة مع استاذ ولا اعرف السبب، فهو ما ان يعرف اني مدير دار ايتام واني جئت لهذا القسم برغبتي ولكي استفيد حتى يتعامل معي بكل حدية ويتخذني ندا له، وفي كل سنة يحصل لي نفس الأمر وكأنه نفس الاستاذ، ولولا ان الاساتذة الذين يستحقون هذا اللقب عن جدارة كانوا يتدخلون ويقفون الى جانبي لأنهم يعرفون اهدافي وغاياتي لحصل ما لا يحمد عقباه، غير أني لم اكن اعرف سبب العداء .
انتهت السنوات الأربع ولم اخرج بخفي حنين اسوة بأقراني، بل خرجت اولا ببحث تخرج اشاد به جميع اساتذتي وثانيا بعلاقات طيبة مع نخبة من اساتذة علم النفس وثالثا استطعت ان اجد بعض الحلول لمشاكل ايتامي لم يدلني احد عليها، وانما صاحب الحاجة اولى بالسعي اليها .
إن خلاصة ما أردت الخروج به من كلامي السابق هو ان علم النفس علم مغبون حقه مبخوسة فوائده، وللاسف الشديد واقولها بمرارة لا يعرف قيمته حتى العاملين به، والدليل على ذلك انه حتى الان لم يدخل أي مجال من مجالات الحياة في الوقت الذي هو عصب الحياة ومهم لكل المجالات في باقي دول العالم . كما ان اساتذته لا يدافعون عن اختصاصهم وليس لديهم ذلك الاندفاع والطموح في تمييز هذا القسم وجعله من الاقسام الاولى في جميع الجامعات وبمصاف الكليات المهمة مثل كلية الطب والهندسة، بل حتى انهم لا يحاولوا ان يغيروا نظرة المجتمع لهذا القسم او يعملوا على اقل تقدير على تحبيب الطلبة المقبولين بهذا القسم بقسمهم وعدم تصعيب الامور عليهم لانه من صميم عملهم كأساتذة علم النفس معظمهم حاصلين على الدكتوراه في هذا الاختصاص، او يحلوا مشكلة طلبتهم اولا والمتمثلة بعدم الرغبة بدراسة هذا الاختصاص، وكذلك يجب عليهم وهم اعرف باحتياجاتهم ان يوفروا لطلبتهم مختبرات لإجراء الاختبارات والتجارب وكذلك القيام بزيارات ميدانية الى مستشفيات ودور ايتام وعجزة وهذا يدخل أيضا ضمن اختصاصهم والعمل على زج الطلبة بتجارب عملية ميدانية اضافة لبحث التخرج، والمطالبة بتخصيص درجات وظيفية لهم . وقد يقول قائل ان ذلك ليس من اختصاصهم، وانا اقول هو من صميم عملهم وعليهم ان يشرحوا لكل الوزراء ماهي طبيعة هذا الاختصاص وماهي فوائده وكيف يدخل في عمل جميع الوزارت مثل الدفاع والداخلية والتربية والصحة وغيرها من الوزارت الاخرى، وكيف يمكن الاستفادة منه وذلك يحدث من خلال الاقناع المبني على التجارب التي اعتمدها غيرنا من الدول والتي جنت ثمارها وليس من خلال التنظير المملل والذي للاسف الشديد لا يفهمه الكثير من الناس وحتى الوزراء منهم .
واخيرا اقول للجميع ان هذا الاختصاص من افضل الاختصاصات لانه الاختصاص الوحيد الذي يمكن الاستفادة منه في جميع مجالات الحياة ولمختلف الاعمار ولكلا الجنسين.
باحث نفسي / مدير البيت العراقي الأمن للأيتام
* تنويه : يشرّع المستشار النفسي هذا الباب على جميع المشاكل الأسرية التي تخص الطفل بمراحله العمرية والمرأة بكل مستوياته الثقافية والاجتماعية كي يساعد ولو قليلا في زيادة الوعي النفسي لمشاكلها الأسرية، وبذلك سيكون هذا الباب مفتوحا لاستقبال رسائلكم عبر نموذج الإرسال ” راسلنا ” الجهة المستقبلة ( سميراميس ) وسيتم نشر الرسائل ورد المستشار عليها مع محافظتنا التامة على سرية مرسليها .