19 ديسمبر، 2024 9:00 ص

تكية التعليم الملزمي و البحث الورقي

تكية التعليم الملزمي و البحث الورقي

تظاهر عدد من طلبة إحدى الكليات متهمين أستاذهم بأن أسئلته الإمتحانية من خارج المنهج عصية عن الحل. و ردا ً على هذا الإتهام أثبت الأستاذ لعميد الكلية بأن أسئلته الإمتحانية هي نصا ً من الملزمة التي يدرسها الطلبة و لكن مع تغيير بعض الأرقام، و لكن عميد الكلية أمر الأستاذ بأن تكون أسئلته الإمتحانية القادمة نصا ً من الملزمة بدون تغيير و لو برقم واحد, فأجاب الأستاذ بأن أسئلته الإمتحانية لم تكن إختبار الطلبة في فهمهم لإختصاصهم بل كانت في حقيقتها إختبار الطلبة في قابليتهم لإجراء العمليات الحسابية و هذا أقل ما يجب أن يتقنه الطالب الجامعي, و هنا أخبر عميد الكلية الأستاذ بأن التقييم السنوي للأستاذ يشمل نسبة نجاح طلبته في الإمتحانات و ليس قابليتهم على الفهم أو إجراء العمليات الحسابية فرد الأستاذ على عميد الكلية بأن الأسئلة النصية من الملزمة ستكون إختبار الطلبة في مدى قابليتهم على الحفظ و الإستظهار (الدرخ) و هذا ليس من مواصفات التعليم العالي, و بغضب رد العميد على الأستاذ بأن الأستاذ الذي يجادل كثيرا ً سوف ينقل إلى خارج التعليم العالي. و إذا ما فلت الأستاذ من يدي العميد فإنه سيقع بأيدي الطلبة, المتظاهرين, في التقييم السنوي للأساتذة, حيث أن للطلبة حصة في التقييم السنوي للأساتذة. أما الطلبة المتنفذون, و خاصة أولئك الذين حصلوا على مقاعدهم الدراسية تجاوزا ً على إستحقاقهم الطبيعي, فلهم طرقهم الخاصة للتأثير على الأساتذة للحصول على النجاح, حيث يكونون مستقتلين للحصول على الشهادة بأي ثمن كان.
و بناء ً على هذا الواقع يلجأ الأساتذة إلى توفير الملازم الدراسية و عرضها في مكاتب الإستنساخ الأهلية المنتشرة في الجامعات, و هم يحرصون أن تكون هذه الملازم مبسطة سهلة الدرخ لكي يستطيع الطلبة الإجابة عن الأسئلة الإمتحانية التي هي نصا ً من الموجودة في الملزمة حتى لا يلجأ الطلبة إلى التظاهرات للإعتراض على الأسئلة الإمتحانية و تشويه سيرة الأستاذ الجامعية أو إبداء الملاحظات المسيئة في التقييم السنوي أو اللجوء إلى الطرق العنيفة للحصول على النجاح, و كذلك يضمن الأستاذ أن لا يكون في موقف محرج و كذلك يضمن راتبه الشهري دون دوخة راس و الأهم أن يحفظ حياته.
و حتى مشروع تخرج الطلبة أصبح على شكل ملزمة متوفرة في مكاتب الإستنساخ و بذلك أصبح النجاح في درس المشروع أيسر من النجاح في الدروس المنهجية الأخرى حيث أن درس المشروع لا يحتاج إلى إمتحانات و درخ بل كل ما يستلزمه هو تقديم الملزمة الخاصة بالمشروع. و بهذا أصبحت الجامعات أشبه بالتكية حيث يحصل الأستاذ على الراتب و الطالب على الشهادة بفضل الملزمة.
أما الأبحاث التي ينشرها الأساتذة في المجلات العلمية فليس من الضروري أن تكون لخدمة المجتمع حيث في الحقيقة لا يوجد مقياس و لا شرط لأن تكون الأبحاث لخدمة المجتمع لكي تنشر في المجلات العلمية، و حتى لو كانت الأبحاث لخدمة المجتمع فلا توجد آلية تضمن تطبيق هذا الأبحاث لخدمة المجتمع و بذلك فإن الأبحاث الجامعية التي من أجلها تصرف الأموال و الوقت و الجهد تبقى مجرد أوراق في ثنايا المجلات العلمية التي تملأ رفوف المكتبات يعلوها الغبار.

أحدث المقالات

أحدث المقالات