“من نذر نفسه ليعيش لدينه سيعيش متعبا ولكنه سيحيا عظيما ويموت عظيما”
لم تختلف أمّة في عظيم من عظمائها، كما اختلفت الأمّة الإسلامية حول شخصية امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) لانه اراد إتمام رحلة التكامل والارتقاء، التي يقضي الإنسان عمره كلّه كادحاً لقطعها نحو خالقه سبحانه [يا أيّها الإنسان إنّك كادحٌ إلى ربّك كدحاً فملاقيه] .
الامام علي عليه السلام ابن عم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وزوج السيدة الزهراء بنت خاتم الأنبياء والمرسلين، ووالد سيدي شباب أهل الجنة فرسول الله صلى الله عليه واله وسلم لا يزوج الزهراء الا لأندر الرجال معدناً.
السياسة بدأت تلعب لعبتها بعد وفاة الرسول مباشرة، حيث انشطر الإسلام شطرين، وتوزّع على خطّين (خط الإسلام القبلي) و (خط الإسلام النبوي) رائد الإسلام النبوي في هذه المعركة هو الإمام علي(عليه السلام) هذه الشخصية الربّانية، تربّت على يد الرسول(صلى الله عليه وسلم) وارتوت من معينه، وهذا أمر له دلالته وانعكاساته على شخصية الإمام، فتربية الرسول له ثمّ مصاهرته، إنّما يعني الاصطفاء، فكما أنّ الرسول تمّ اصطفاؤه، فإنّ عليّاً أيضاً تمّ اصطفاؤه، ومن اقوال النبي صلى الله عليه واله وسلم التي تدل على هذا الاصطفاء :
«عليّ منّي وأنا منه» و«من كنتُ مولاه فعليّ مولاه»و «لا يحبّه إلاّ مؤمن ولا يبغضه إلاّ منافق»
نتيجة هذه السياسة، بدات تظهر ما يُسمّى بشيعة أو سنّة أو شافعية أو مالكية أو أحناف أو حنابلة هذه التسميات التأريخية هي من اختراع السياسة، والحقّ أنّ هناك إسلام حقّ وإسلام باطل وإسلام ربّاني وإسلام حكومي، ولكن الذي ساد على مرّ التاريخ هو الإسلام الحكومي، والذي اختفى هو الإسلام الرباني .
اقول ثمّة قادة عسكريون كبار، ومفكِّرون، وفقهاء عظماء، وبلغاء وزهّاد وعباقرة، وعلماء وأُدباء، كلٌّ متخصّص في ميدانه، أمّا علي بن أبي طالب ، فهو الحاوي على جميع سمات العبقريات المتعدّدة، والحكيم الحافظ لتراث محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وهو الأخلاقي الرفيع، والأنموذج في كلّ شيء.
إنّ البشرية بحاجة إلى الحاكم النبراس الذي يقدِّم للمجتمعات ثماراً أبدية في العدل وفي الفكر، وفي الممارسة.
بالتالي ان الذين خذلوا الامام الكرار هم الهمج الرعاع، أتباع كلّ ناعق الذين يميلون مع كلّ ريح، ولم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق.
وشخّص عليّ عليه السلام تشخيصاً فذّاً تلك المجاميع من الجماهير ، التي هي من طراز الهمج الرعاع، وهي مجاميع لا تشكِّل جوهر المجتمع
هذا التشخيص الواعي للإمام علي بن أبي طالب (سلام الله عليه) هو الذي جرّعه ألوان الغصص، فبقي حياته كلّها مقارعاً كما يقول(عليه السلام)وحيث أرادهم لدينه وأرادوه لدنياهم، وشتّان بين الإرادتين.
كان الامام وما زال والى نهاية الدهر دعوة الحقّ والعدل! ولكن أين الناس من الحقّ والعدل! لقد تعثّرت أقدامهم على هذا الطريق وثقل خطوهم عليه، وتقطّعت بهم الأسباب دونه.
لما اصبح امامنا خليفة المسلمين واخذ من الكوفة مقر للخلافة اراد ان يبني الامة على اسس وهذي رسالته وكانت مقوماتها واضحة كوضوح الشمس فاراد :
* إقامة أمة متحدة الأهداف و على هذا يجب أن تكون الأمة في سلام مع نفسها، و عادلة، والولاء و التفاني من أجل الأمة والاسلام وان لا تعود الى الصراع الجاهلي الذي كان سائد قبل دعوة الرسول محمد صلى الله عليه واله الطيبين الطاهرين .
* تطوير المجتمع المسلم مع الايمان و الثقة في ذاته، و الفخر على ما هو عليه، و ما أنجزه، و جعله قوياً بما يكفي لمواجهة المحن التي قد تواجهه من قبل اعداء الاسلام .
* تقوية صورة المجتمع و رفع الروح المعنوية و المحافظة على الأخلاق الدينية التي جاء بها خاتم الانبياء وزرع الصفات النبيله مثل الصدق وتاديه الامانه والحفاظ على المال العام وشرح الحلال والحرام للناس وزرع التقوى بالنفوس الى الكثير من الصفات الحميدة الاخرى .
* إقامة مجتمع متقدّم علمياً و اجتماعياً، و أن يكون مجتمعاً مبتكِراً متطلعاً للأمام و ليس مجرد مجتمعٍ مستهلكٍ.
*إقامة مجتمع متكامل، و رعاية الثقافة، و النظام الاجتماعي في المجتمع و تقديم المجتمع على الذات بما فيه مصلحة الشعب .
* ضمان مجتمع عادل اقتصادياً، هذا هو المجتمع الذي يقوم على التوزيع العادل و المنصف لثروة الأمة، و التي توجد فيها شراكة كاملة نحو التقدم الاقتصادي.
سؤالي هنا هل نجح امامنا الكرار من اداء رسالته للامه ؟
جوابي المنطقي والواقعي نعم نجح الامام في تادية الرسالة وايصالها الى الناس رغم الصعوبات التي واجهها وتحقيق كامل اهدافه التي اراد ,ولكن الامه فشلت في كيفية استلام الرسالة وتنفيذها والذي ترتب على الفشل امور ادت الى التقاتل والتناحر بين اطراف المسلمين والفتن التي ايشعت وفرقت بين المسلمين .
سؤالي الاخر هل نجحنا نحن في الدفاع عن الرساله التي اداها الامام ؟
فشلت الامه في تنفيذ وفهم مضامين الرسالة، التي جاد بروحه الامام الكرار من اجل ايصالها الى الناس، الا فئة قليلة وها نحن نرى باعييننا النتيجة، التي يدفع ثمنها الموالين لاهل البيت الاطهار وهم يضحون بالنفوس الزكية ويعطون الشهيد تلو الاخر ولن ينتهي، فصل الدفاع عن رسالة الامام الى حين اكمال فصول تطبيق اهدافها في العالم اجمع
ولكن الضريبة باهضة والموقف صعب والحقّ مرّ ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم .