منذ الدورة البرلمانية السابقة والى اليوم تدق مسامعنا عبر وسائل الاعلام تصريحات قياديي دولة القانون خاصة السيد نوري المالكي بضرورة تشكيل حكومة اغلبية سياسية في المرحلة المقبلة لسببين رئيسين كما يروج له ، الاول لفشل حكومة التوافق والمحاصصة وعدم جدوى استمرارها والثاني تقويم مسار العملية السياسية لبناء الدولة.
لكن هل حقيقة الامر ان السببين الانفي الذكر هما وراء المطالبة بحكومة الاغلبية السياسية او هناك مآرب اخرى من المطالبة بها؟
قبل الجواب عن السؤال ينبغي معرفة تلك الحقيقة ان حكومة الاغلبية السياسية يستحيل ان تنجح في بيئة سياسية فوضوية مثل العراق وفي ظل ازمة ثقة وصراع متفاقم بين القوى السياسية من جهة والمكونات العراقية من جهة اخرى ، بل تلك الحكومة بحاجة الى وحدة الكلمة والموقف وبيئة يسودها التآلف والتآزر والمنافسة الشريفة بين القوى السياسية لبناء البلد عن طريق خلق بيئة مستقرة سياسيا وامنيا والاتفاق على الاقل على قضايا جوهرية واستراتيجية مثل حماية الامن القومي والسيادة وازدهار الاقتصاد وتوفير مناخ اجتماعي مرفّه للشعب.
لنعود لحكومة الاغلبية السياسية على مستوى المنطقة التي نعيشها لكي تتضح الصورة اكثر، في ايران هناك حكومة اغلبية سياسية يقودها التيار المتشدد ومعارضة
تكاد تكون صامته ومعدومة في البرلمان ، ولكن هل تم ضمان حقوق الاقليات القومية والدينية المتعددة في ظل تلك الحكومة وكيف تتبلور تلك الحكومة عبر صناديق الاقتراع؟
قبل اشهر من كل انتخابات في ايران ، تعلن مفوضية الانتخابات افتتاح باب الترشيح لكل الايرانيين من دون استثناء لملأ استمارة خاصة بذلك ، تلك الاستمارة ينبغي ان تمر عبر (فلترين) ان صح التعبير ، الاول الدائرة الامنية المتواجدة في كل ناحية او قضاء او مركز المحافظة وبعد تزكية المرشح من تلك الدائرة ، تحال الطلبات الى مؤسسة اخرى في طهران تابعة للمفوضية ولكنها امنية صرفة تقوم بمطالعة ودراسة السير الذاتية للمتقدمين للترشيح خاصة من الجانب الامني بناء على التقرير المرسل اليها من الجهة الامنية في محل سكن المرشح ، في تلك المؤسسة يتم فرز المرشحين الى قسمين ، القسم الاول هم الموالون للنظام وتتم الموافقة على طلباتهم والاخرون ترفض طلباتهم و يحرمون من الترشيح بحجة مايسمونه هم رفض الصلاحية.
الامر الآخر حكومة الاغلبية السياسية هي حكومة استبداد والدليل على ذلك ان أي معارض سياسي للنظام لا يمكنه ان يكون نائبا في البرلمان او مسؤولا في الحكومة ، لكن الحكومة من اجل اعطاء صبغة مشاركة الآخرين في الحكم والقرار تقوم بانتقاء اشخاص مؤيدين لها من القوميات العربية والكوردية والتركمان والاقليات المذهبية مثل المسيحية والزرادشتية والكاكائية وغيرها لكي توحي ان جميع الايرانيين مشاركون ومساهمون في ادارة الدولة في حين هؤلاء الاشخاص مجرد دمى يجلسون على مقاعد البرلمان من دون ان يقدموا ويؤخروا سوى الحصول على منافع شخصية لهم.
والجناح المتشدد هو من يحكم سيطرته على جميع مفاصل الدولة ، التشريعية والتنفيذية والقضائية وحتى اقرب اصدقائهم ورفاق دربهم امثال رئيس الجمهورية الاسبق الراحل هاشمي رفسنجاني وابنته فائزة هاشمي واحد ابنائه و رئيس الوزراء الاسبق مير حسين الموسوي والشيخ مهدي الكروبي النائب السابق في مجلس الشورى و رئيس مؤسسة الشهيد عندما عارضوا سياسات النظام تعرضوا الى انواع المضايقات وانتهى الأمر بسجن بعضهم ونفي الاخرين ومنع شخصيات اخرى من القاء الخطب في المناسبات الوطنية والمذهبية المهمة التي تحضرها الجماهير الغفيرة مثل خطبة صلاة الجمعة في طهران وقم.
اما بالنسبة لحقوق الاقليات القومية والدينية ، فأنها لا تتمتع تلك الاقليات بابسط حقوق المواطنة او حتى الحقوق الانسانية مثل التعليم بلغة الام او انشاء مراكز ثقافية خاصة بهم و يعانون من الفقر والبطالة والعوز وانتشار المخدرات بينهم ، هذه هي حكومة الاغلبية السياسية في ايران.
اما في تركيا التي يحكمها حزب العدالة والتنمية بنظام الاغلبية السياسية فحدث ولاحرج ، المرشحون خاصة الكورد والعرب والشركس والعلويين والاقليات المذهبية ليس لهم نصيب من المشاركة في الحكم وما يثبت هذا الادعاء ،هو ان في الانتخابات الاخيرة فاز حزب الشعوب الديمقراطية الذي يتخذ من المحافظات الكوردية وانقرة واسطمبول معاقل مهمة له ويمتلك قاعدة جماهيرية كبيرة فيها حاز في انتخابات شهر تموز على 79 مقعدا وفي وفي تشرين الثاني على59 ، لكن هذا الفوز لم يرق لحزب العدالة والتنمية الذي يدعي ايمانه بالنظام الديمقراطي الذي تمتع
بالاغلبية مريحة في البرلمان فلفق للحزب المذكور تهمة التعاون مع حزب العمال الكوردستاني والسعي من اجل تقسيم تركيا وسرعان ما اصدر اوامر بضرورة سحب الحصانة البرلمانية من عدد من نواب الحزب المذكور وثم اعتقالهم وزجهم في السجون والمعتقلات كما حصل نفس الشيء لصلاح الدين دميرطاش وفيغان يوكسك داغ، الرئيسين المشاركين لحزب الشعوب الديمقراطي واحمد ترك وعثمان بايدمير ، فضلا على مطاردة المئات من الشخصيات السياسية الوطنية و الالاف من الوطنيين والاحرار بذريعة المشاركة في الانقلاب العسكري المزعوم ، ومن جانب اخر قام حزب العدالة والتنمية بتعديل الدستور التركي على وفق اهوائه ومصلحته وحَوّل النظام البرلماني رئاسياً ومنح الرئيس صلاحيات واسعة ليستحوذ على زمام الامور في جميع مفاصل الدولة التركية وتهميش واقصاء جميع المعارضين من جميع القوميات والاقليات المذهبية ، ناهيك عن المشاكل الاقليمية الاخرى بسبب تدخلها السافر في شؤون الاتحاد الاوربي ودول البلقان وايضا تدخلها الخطير في الازمة السورية وتدخلها لصالح الجماعات الارهابية مثل داعش وجبهة النصرة وجبهة تحرير الشام وغيرهم فضلا على تدخل انقرة في الشؤون الداخلية للعراق عن طريق ارسال مئات الجنود والدبابات التركية الى داخل الاراضي العراقية بحجة المشاركة في الحرب ضد داعش الارهابي و دعم بعض القوى السياسية التركمانية والعربية السنية العراقية ، الى جانب الوضع الاقتصادي المتفاقم وتراجع الدخل القومي للفرد التركي الى مستويات متدنية جداً ، كل هذا بسبب ما يسمى بنظام الاغلبية السياسية.
اليوم دولة القانون تطالب بحكومة الاغلبية السياسية في العراق وتحويل النظام البرلماني الى رئاسي بعد تعديل الدستور على غرار النظامين الايراني والتركي
بذريعة فشل نظام التوافق الديمقراطي والمحاصصة في حين ان ذلك النظام لم يفشل لو التزمت الحكومات السابقة والحالية بالدستور ونفذت بنوده ولم تتفرد بالقرارات وشاركت الاخرين في القرار.
قبل ايام سئل القيادي في دولة القانون الدكتور موفق الربيعي في حوار مع فضائية الشرقية كيف ستحققون الاغلبية السياسية في البرلمان في المرحلة المقبلة ؟
اجاب : نحن كتلة برلمانية شيعية وتدعمنا الكتل الكوردية المتمثلة بالاتحاد الوطني الكوردستاني وحركة التغيير والاسلاميين وهناك قوى عربية سنية منضوية تحت مظلة اتحاد القوى وشخصيات عشائرية وسياسية سنية مستقلة تدعم دولة القانون في مسعاها لتشكيل حكومة الاغلبية السياسية.
لو نفرض جدلا ان ما ذهب اليه الربيعي صحيح وان تلك القوى المزعومة تدعم توجه دولة القانون ، اذن بماذا سيختلف نظام الاغلبية عن التوافق؟ ، معنى هذا انه ستتشكل من مكونات شيعية وسنية وكوردية وبالتاكيد كل من تلك المكونات تطالب باستحقاقها الانتخابي في جميع المناصب الحكومية .
لكن حقيقة الامر ليس كذلك اذ تسعى دولة القانون الى شراء ذمم بعض الكورد والعرب السنة وبعض الشخصيات الشيعية لتشكيل اغلبية مريحة في البرلمان لتعديل الدستور من النظام البرلماني الى رئاسي وتمرير جميع القوانين التي تنسجم مع مصالحها الحزبية بسهولة وبالاخص المادة 140 من الدستور وقانون النفط والغاز وتحديد الولاية للرئيس ومنح الرئيس الذي سيكون اعلى سلطة في البلاد صلاحيات
واسعة كما في تركيا لفرض هيمنة حزبه وسلطته على بقية القوى والكتل السياسية واسكات جميع الاصوات التي تطالب بحقوقها وتقييد الحريات كما حدث في تركيا بالضبط مع حزب الشعوب الديمقراطية.
بتحليل بسيط لطبيعة النظم الثلاثة الايراني والتركي ولاسيما العراقي ان تمكن من تحقيق هدفه ، يمكن الجزم بان السعي لتشكيل حكومة الاغلبية السياسية هو مخطط اقليمي للدول التي تتقاسم ارض وشعب كوردستان لقمع الاقليات القومية والدينية وبالاخص اجهاض المشروع القومي الكوردي وفرض سياسة الامر الواقع وتهميش القوى الوطنية وابعادهم من الساحة السياسية كما حصل في ايران وتركيا ، خاصة اذا عرفنا ان الدول الثلاث مهما تكن اختلافاتهم بشأن قضايا مختلفة ، فهم متفقون على قضية جوهرية واحدة وهي اجهاض الحلم الكوردي في منطقة الشرق الاوسط .
لذلك على جميع القوى الوطنية العراقية والكوردستانية بمختلف توجهاتها ان تقف صفا واحدا وبقوة بوجه هذا المشروع الذي سيعرض العراق للتقسيم المبكر والمنطقة لكوارث و ويلات جديدة والعودة الى المربع الاول الذي سيدفع الشعب العراقي بمختلف مكوناته وشعوب المنطقة ضريبته من القتل والدمار وتبديد ثرواته وامكانياته الاقتصادية التي ينبغي ان تنفق لاعمار ما دمرته الحرب الطائفية والحرب ضد الارهاب الذين كانا تحصيل حاصل لسياسة التهميش والاقصاء في المرحلة الماضية.