23 نوفمبر، 2024 12:51 ص
Search
Close this search box.

هل أزفت نهاية الاسلام السياسي؟ 

هل أزفت نهاية الاسلام السياسي؟ 

ظهر الاسلام قبل 1437 سنة، لذا فهو ليس بجديد. ومع إقرارنا بأن التاريخ الاسلامي هو تاريخ دموي في معظمه، الا إن العنف كان ميزة الحضارة الانسانية منذ البدء، وحتى الان الى حد ما. فالتهديد بإستخدام القوة العسكرية مازال مطبقا بين الدول، لذا فالعنف ميزة المجتمعات الإنسانية، لا تقتصر على دين أو عرق، ولم تخلو حضارة من استخدام القوة, مهما كانت متقدمة. ومازالت الحروب تحيط بنا من كل جانب. وقد عرف العالم الاسلام ودرسَه وعايشه. وبالمقابل، تعلم المسلمون أدوات الحضارة وأخذوا بها، ساعدهم في ذلك وجود قوميات واقيات أخرى الى جانبهم ساهمت بشكل كبير في بناء الحضارة العربية والاسلامية. ولا يستطيع أي مسلم أن ينكر دور المسيحيين في الحضارة العربية. لا بل إن أوائل الكتاب والصحفيين والمترجمين والفنانين كانوا من تلك القوميات والاقليات.
إلا إن الانحدار بدأ شديداً وواضحاً في النصف الثاني من القرن العشرين وخاصة بعد رحيل الاستعمار وحصول العديد من الدول على إستقلالها. ونظرة سريعة الى الوراء لوقت قريب تبين الفرق الحضاري الهائل بين الامس واليوم. وتملأ صفحات مواقع التواصل الاجتماعي صوراً تبين هذا الفرق الهائل بين حقبتين قريبتين في عدد من الدول العربية والاسلامية حصراً مثل أفغانستان وإيران والعراق وسوريا وغيرها، مما يجعلك تدرك إن الاسلام السياسي أمر محدّث منذ عهد قريب لايتجاوز مئة سنة تقريباً.
* حلم الخلافة
بدأت الحكاية أيام مفاوضات البريطانيين مع الشريف حسين, جرى خلالها تبادل الافكار عبر مجموعة مراسلات عرفت بين الشريف حسين شريف مكة وهنري مكماهون المعتمد البريطاني في القاهرة (1915-1916) والتي عرفت بمراسلات حسين-مكماهون. فقد أدرك البريطانيون بحذقهم إن المسلمون العرب ستبقى عيونهم ترنو لاقامة الدولة الاسلامية دوماً. وحتى الشريف حسين، الذي وقف معهم لاسقاط الخلافة الاسلامية التركية، كان يحلم بأقامة تلك الدولة بشكل أو بأخر، وقد دغدغت بريطانيا ذلك الشعور، فتضمنت تلك الرسائل إعتراف بريطانيا بأسيا العربية كاملة دولة مستقلة، إذا شارك العرب في الحرب ضد الدولة العثمانية، وهذا ما عرف فيما بعد بالثورة العربية الكبرى. وإنطلق القوميون لاستعادة عروبتهم طيلة قرن كامل. وظَل البريطانيون يماطلون في تحقيق ماوعدوا به، مما دفع الشريف حسين الى إعلان نفسه خليفة، في عمان عام 1922 وعاد الى مكة محملا بلقب أمير مؤمنين. مما أثار حفيظة البريطانيين ودفعهم لتحريك
خصمه ابن سعود ليستولي على الحجاز ويقيم دولة إسلامية شرط أن لا تكون خلافة, الا وهي المملكة السعودية ليحكمها هو من يخلفه الى يومنا هذا.
ولقد أدرك البريطانيون والفرنسيون تماماً إن العرب المسلمين لن يسكتوا طويلا، وإن الغرب ستحمل تكاليف باهضة في هذا الصراع، فجمعوا من كل أقطار الارض أفرادا من اليهود بإعتبارهم أمة مظطهدة وشعب بلا أرض، ليصبحوا طرفا في هذا الصراع، ويشغلوا بال العرب لقرن كامل بما عرف بالصراع العربي-الاسرائيلي. إلا إن حلم الخلافة بقي قائما.
وبعد إعلان تركيا إالغاء نظام الخلافة رسمياً عام 1924 بأربع سنوات، أنشأ حسن البنا حركة الاخوان المسلمين في مصر، وبلغ عدد أعضاءها ربع مليون شخص في السنة الاولى. وقد أوضحت الوثائق البريطانية التي كشف عنها موخراً، بأن بريطانيا قد دعمتها ودأبت على تقديم تمويلات مالية منتظمة لها، بحسب مانشره مارك كيرتس في كتابه “العلاقات السرية…تواطؤ بريطانيا مع الاسىلام المتشدد” عام 2010.
* الدور الغربي في نشأة الاسلام السياسي
كان لخروج الدول الاستعمارية،كبريطانيا وفرنسا وإيطاليا، المُذل من مصر والعراق وسوريا والجزائر والدول الاخرى أمراً لايمكن غفرانه من وجهة نظرهم، معتقدين إن العرب قد تنكروا لهم جميلهم معهم، ومازال الغربيون يفهمون الاستعمار على إنه تعمير، في حين يفهمه العرب على إنه سرقة لثرواتهم الطبيعية وغيرها. فالدول الغربية التي حركت مشاعر العرب القومية مطلع القرن الماضي، تفاجأت بنهضتهم الحقيقية، فعادت تبحث عن عامل أخر لكبح جماح هذه النهضة، فوجدت في الاسلام السياسي ظالتها المنشودة في حصان طروادة التاريخي الموعود. وكانت خبرة بريطانيا في هذا المجال سباقة، حيث مارستها في الهند منذ ثلاثة قرون، وكانت سبباً لتقسم شبه الجزيرة الهندية الى الهند وباكستان وفقاً للعامل الديني عام 1947.
واذا كان الغرب قد إستخدم اسلوب المواجهة المباشرة قبل الف عام في صراعهم مع المسلمين، وأدركوا فشله وجسامة تكاليفه، الا إنها ابتكرت في هذه المرة إسلوب التفجير من الداخل، أو الحروب بالنيابة. فإسلوب التحريض أصبح واضحاً ومعروفاً في السياسة الغربية، مع وجود بيئة عربية واسلامية ملائمة في ظل انتهاك لحقوق الافراد والجماعات بشكل منهجي ومستمر.
ولو تتبعنا نشأة الحركات الاسلامية وتاريخ قادتها، لوجدنا الاثر الغربي واضحاً رغم كل السرية والتمويه. ولقد ظلّت بريطانيا وما زالت راعية لفسلام السياسي، وهي تحتضن اليوم مقرات لمعظم الحركات الاسلامية، فيما رأت فيهم الولايات المتحدة ورقة رابحة يمكن إستثمارها لاحقاً. وهكذا ظهرت حركات عديدة من قبيل، تنظيم القاعدة، وجماعة العدل والاحسان، ومؤتمر الامة، وتنظيم الدولة الاسلامية، وحركة حماس، وحركة الجهاد الاسلامي، وأنصار الشريعة، وحركة تنفيذ الشريعة المحمدية، ومجلس الخلافة،
وتنظيم التجديد الاسلامي، وحزب التحرير، إضافة لتسميات عديدة لاذرع عسكرية لهذه الحركات. ومن جانب أخر فقد أنشأت إيران ومجموعات شيعية مختلفة في عدد من دول العالم، حركات وأحزاب شيعية مماثلة، مثل حزب لدعوة الاسلامية، والمجلس الاسلامي الاعلى، والتيار الصدري، وحزب الله، وغيرها. وكان لهذه الاحزاب أيضا أذرعا عسكرية مثل، قوات بدر، وجيش الامام المهدي، ولواء ابي الفضل العباس، وغيرها.
وعلى غرار ذلك، إحتضنت فرنسا الخميني وأتباعه، لتعيده بعد أربع سنوات على متن طائرة فرنسية لاقامة الدولة الاسلامية على غرار الخلافة وفقاً للمذهب الشيعي، الذي يرى إن الخليفة عنده هو “الامام” ولا يشترط أن يكون حاكماً. ومازالت ولاية الفقيه مستمرة في ايران منذ 1979 وحتى الان. وما حروب الخليج الثلاثة إلا نتيجة للصراع السني-الشيعي، وإن كانت الاسباب المعلنة غير ذلك.
وقد وجدت الولايات المتحدة الامريكية في هذا الصراع خير وسيلة لابتزاز دول الخليج النفطية الغنية, وفي مقدمتها السعودية والكويت، عن طريق إدامة شبح التهديد الوهمي. فتحملت دول الخليج تلك، نفقات الحرب العراقية الايرانية طيلة ثماني سنوات (1980-1988)، ثم عادت فتحملت السعودية نفقات حرب الخليج الثانية عام 1991 (حرب تحرير الكويت)، لمجرد أن لا تتمكن المجموعات الشيعية المسلحة من السيطرة على حكم العراق، حتى أصبحت عاجزة ثم مدينة إقتصادياً. مما دفعها الى عدم التخل واللامبالاة في المرة الثانية عام 2003، بعد أن أدركت اللعبة ورفضت تقديم أموال مقابل حكم مذهبي. فبدت وكانها غير معنية بما يحصل، وقررت الاحتفاظ بأموالها، ومقاطعة الحكم الشيعي في العراق.
وكان أخطر ما فعلته هذه الحركات الاسلامية، هو تخطي الحدود الدولية وعدم الاعتراف بها، وهو ما اسقط إبتداءا مفهوم سيادة الدول. فالجماعات السنية والشيعية تقاتل خارج حدودها في كثير من الاحيان.
وبإقامة حكم الشيعة في العراق عام 2005، سقط العراق بيد إيران، وإنتشر لهيب الصراع الديني والطائفي الى دول عربية عديدة في حملت عرفت بالفوضى الخلاقة عام 2011 ساهمت إيران بشكل كبير في تأجيح هذا الصراع من خلال تدخلها في لبنان وسوريا واليمن والبحرين وفلسطين، بالاضافة الى العراق، معتمدة إسلوب تصدير الثورة الاسلامية، وإقامة الكيان الشيعي العابر للحدود الدولية المعترف بها، وهذا أصبح تدفق المقاتلين من العراق الى سوريا أمراً طبيعياً. مما حدا بدول إقليمية أخرى مثل بتركيا والسعودية وقطر الى نفس التطبيق بفلسفة مختلفة.
* الأثر الاقتصادي للاسلام السياسي
إلا أن فصول المسرحية لم قد إكتملت بعد تماماً، فمن المؤكد إن المقصود هو ثرواتهم أولا، دون المبالاة بمذهب من يحكمهم، وإن الخراب هو مايسعون اليه، لان السياسية الغربية يمكن تلخيصها بعبارة (إنتزع أمواله ثم تخلص منه). وتساعدهم في ذلك جملة عوامل طبيعية، منها تمسك الحكام بمناصبهم حتى لو إقتضى الأمر التضحية بمصالح الجماعة، وإن المسلم يمكن التعامل معه بشكل منفرد، وقابليته للخيانة
مشهود بها، في ظل غياب قانون ومؤسسات تعزز الروح المواطنة، وتعاقب على الخيانة.كما إن التفرقة تساعد في تحقيق ذلك وفق مبدأ (فرق ثم أحكم) المعروف بفرق تسد.
وكان لابد من تحريك اللامبالاة السعودية، بالتقرب الى ايران تارة، والى السعودية تارة خرى، على أمل البحث عن الضحية القادمة، التي لم تكن ملامحها قد إتضحت بعد. وعلى هذا المنوال سارت مفاوضات الاتفاق النووي، لحين ظهور تنظيم الدولة الاسلامية في العراق، بعد إنتزاعه لمدينة الموصل ثاني أكبر المدن العراقية في حزيران 2014.
وسارعت الولايات المتحدة الى إنشاء تحالف دولي مكون من اكثر من عشرين دولة لمحاربة داعش، وقدرت كلفة الحرب 500 مليار دولار للقضاء على مقاتي تنظيم الدولة الت قدّر عددهم بين 25-30 الف شخص، أي إن تكلفة قتل كل ارهابي هي أكثر من 20 مليون دولار في الوقت الذي يكلف تجنيده 20 الف دولار. وبلغت تكاليف الحرب حتى أواخر عام2016 وفقاً للتقديرات الاميركية أكثر من عشر مليارات دولار، وبعدل 12 مليون دولار يومياً، أو 5200 دولار في الدقيقة، أو تقريباً 87 دولار بالثانية.
إن نفقات الحرب الباهظة تعطي تفسيراً عن سبب إنحصار في مناطق الشرق الاوسط وتحديداً في منطقة الخليج الغنية بالنفط. ويمكن إعطاء تصور لذلك:
* تكاليف الحرب العراقية-الايرانية (حرب الخليج الاولى) 1000 مليار دولار
* تكاليف حرب تحرير الكويت (حرب الخليج الثانية) 620 مليار دولار
* تكاليف حرب إسقاط نظام صدام (حرب الخليج الثالثة) 3 تريليون دولار
* تكاليف حرب القضاء على داعش (الحرب على الارهاب) 10.2 مليار دولار
* تكاليف الحرب في سوريا 800 مليار دولار
* تكاليف الحرب على اليمن 38.7 مليار دولار
* تكاليف الحر ب الليبية 240 مليار دولار
إن هذه الارقام المهولة كانت قادرة على تحقيق الرفاهية لكل سكان المعمورة.
إلا إن حادثتين غيرتا مسيرة الاسلام السياسي الى جانب حوادث أخرى كثيرة، الا وهي:-
الاولى- ضرب صحفي عراقي للرئيس الاميركي جورج بوش بالحذاء أثناء زيارته للعراق أواخر عام 2008، ممانبّه الاذهان الى حجم الاحتقان الذي يسود المسلمين والعرب من حجم الدمار الذي حصل في العراق، وهي سابقة خطيرة هزت الولايات المتحدة نفسياً بشكل غير متوقع.
وهنا وجدت الولايات المتحدة نفسها ملزمة بتجميل صورتها أمام العالم. فأفرزت إنتخابات 2009 عن صعود أول رئيس أسود من أصول أفريقية مسلمة الى البيت الابيض. كما إن ضم منافسته الرئاسية الخاسرة هيلاري كلينتون الى تشكيلة حكومته وتكليفها بوزارة الخارجية، وهي المعروفة بمكيافيلليتها. إضافة الى نائب الرئيس جو بايدن صاحب مشروع تقسيم العراق. فإكتمل طاقم ميّال الى دعم الاسلام السياسي عبر رئيس من جذور مسلمة ونائب يسعى لتفتيت العراق ووزيرة خارجية مكيافيللية. وقد إعتقد أوباما أول الامر إن الاسلام قد فتح الولايات المتحدة كما فتح الاسلام الممالك القديمة، لذا نراه يوم ترديد القسم أعلن على الملأ بأنه باراك حسين أوباما، مذكراً بإسم والده الاسلامي، مما دفع مجلس الشيوخ الى طلب إعادة ترديده للقسم في اليوم التالي لوجود خطأ. ثم في أول زيارة له للشرق الاوسط زار القاهرة والقى خطاباً حماسياً في جامعة القاهرة في حزيران 2009. إلا الأحداث اللاحقة اثبتت خضوعه للدولة العميق في أميركا.
وظلّ الاسلام السياسي يتصاعد ويتمدد في سوريا بشكل ينذر بكارثة، إثر ظهور تنظيم الدولة الاسلامية في العراق وبلاد الشام الاكثر طموحاً والاشد خطورة كل ماسبقه من تنظيمات كالقاعدة وجبهة النصرة وغيرها، خاصة إذا علمنا إن زعيم التنظيم والخلافة فيما بعد كان سجينا لدى القوات الاميركية في سجن بوكا بالعراق، قد جرى إطلاق سراحه عام 2009 اي بعد أستلام أوباما للرئاسة.
كانت الامور تسير حسناً وفقا لما هو مخطط لها، وبدأ نجم تنظيم الدولة يسطع منذ 2010، وبدت مسألة تحويل الحلم الاسلامي في الخلافة الى كابوس يجري إستثماره بشكل رائع من الناحيتين الاقتصادية والسياسية، وخاصة بعد وصول أعرق الحركات الاسلامية للسلطة في مصر، وكاد المشروع أن يطبق على الارض، والمتمثل بإقافة الخلافة الاسلامية في بلاد المسلمين من سيناء الى تركيا والسعودية. ألا إن الحادثة الثانية لم تكن في الحسبان.
الثانية- إنتزاع السلطة من يد الاخوان المسلمين في مصر في 3 يوليو 2013 حيث قام الجيش المصري بانقلاب عسكري تحت قيادة عبد الفتاح السيسي وعزل الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي ، بإعتراف هيلاري كلينتون في مذكراتها خيارات صعبة.
وهنا أسقط في الامريكان حلم تفجير المنطقة من الداخل ككل ليصل سعر البرميل الى عشرة دولارات، ولتقوم دولة الخلافة الاسلامية بذبح المسلمين تخفيفاً لاعباء إسرائيل بهذا الصدد. ومع كل ذلك، فبعد إنقلاب الجيش المصري بسنة واحدة إحتلت داعش مدينة الموصل التاريخية، ثاني أكبر المدن العراقية، بطريقة سهلة جداً، توحي بوجود أوامر عليا لتسليمها الى هذا التنظيم. فهوت أسعار النفط العالمية من 110 دولار للبرميل الواحد الى 58 دولارا، حيث دخلت المنظمات الارهابية سوق تصدير النفط.
لقد كانت داعش وهو الاسم المختصر لتنظيم الدولة، ورقة الجوكر التي أغرت كل الاطراف الدولية والاقليمية والداخلية للعراق للعب بها، فالشيعة أرادوا من خلالها معاقبة السنة في العراق، والاكراد أرادوها وسيلة للإستحواذ على أراضي أكثر لاقامة الدولة الكردية الموعودة، ورأت فيهم تركيا والسعودية وقطر أفضل سلاح لمعاقبة الحكم الشيعي في العراق وإيران. ورأت فيه إسرائيل أفضل معول حاد ونشط لتدمير
بقايا الحضارة الاشورية وأثارها، التي تظل التوراة تذكرهم بإضطهادهم وتدمير مملكة يوذا القديمة وسبي شعبها عام 586 ق.م.
ولقد لعبت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلنتون دوراً كبيراً في صعود الاسلام السياسي المتشدد، معتقدة إنها بذلك تعبد الطريق الى حلم الرئاسة الذي خسرته. إلا إن تسريباتها بدعم الولايات المتحدة للاسلام السياسي المتشدد أضرها كثيراً وخاصة في جلسة إستماع الكونغرس الاميركي عن حادثة مقتل طاقم السفارة الاميركية في بنغازي عام 2012، وكررت ذلك ثانية في مذكراتها عام 2014، وكانت سبباً رئيسياً لخسارتها في انتخابات الرئاسة الامريكية عام 2017.
وظلت إدارة أوباما وطيلة ثماني سنوات من حكمه، تدعم الاسلام السياسي المتشدد بشكل خفي، وأبدى عن قصد أو غير قصد عبر وزير خارجيته جون كيري موقفاً مرناً مع إيران أثناء محادثات الاتفاق النووي بحيث بدت إيران هي المنتصرة عند توقيعه في 15 تموز 2015، وهو الاتفاق الذي عارضه كل الاميركيين، وقد عاونه في ذلك اركان طاقمه بايدن وكيري وكلينتون. والاكثر من ذلك، فقد أعلن أوباما صراحة رفضه إرسال قوات أمريكية للعراق عند إحتلال داعش للموصل صيف عام 2014، على الرغم من وجود إتفاقية أمنية بين العراق والولايات المتحدة عام 2009.
بعد أن ساهم الجميع بخلق الاسلام السياسي، والاستمتاع بنتائجه الكارثية، تحول فجاءة الى كرة نار يتقاذفها أحدهم على الاخر. فقد نسي قادة الغرب إن العالم اليوم وفي ظل العولمة قد أصبح قرية صغيرة، وإن مايحث في أي بقعة من بقاع الارض، سيظهر أثره على البقاع الاخرى عاجلا أم آجلا. ,إن اشعال النار في بيت الجيران، لن يضمن عدم تسرب النار الى بيتك.
وهكذا سرعان ما بدأ تاثير الاسلام السياسي المتشدد ينتشر الى معظم دول العالم، فزحفت موجات اللاجئين الميلونية الى كل أرجاء العالم، وضرب الارهاب دولا كانت الى حد قريب جداً تساعد حركات الاسلام السياسي المتطرف، لمصالحها الخاصة. وهكذا ضرب الارهاب فرنسا وتركيا وبلجيكا والمانيا، وحتى أمريكا.
* إدارة جديدة أم نهاية عهد
كان موضوع الارهاب والحركات الاسلامية المتشددة أحد أبر محاور الحملة الانتخابية لرئاسة الولايات المتحدة عام 2016. بل إن هذا المحور كان السبب الرئيسي لخسارة المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون. وظلّ منافسها الجمهوري دونالد ترامب يردد عبارة إن أوباما وكلينتون هم من خلقوا داعش. وعلى الرغم من كثرة أخطاءه الشخصية، وتصرفاته الطائشة، وعدم كفاءته السياسية، الا إنه بدا في نظر العالم أجمع بمثابة حَمل وديع الى جانب هيلاري رغم كل مهاراتها الدبلوماسية.
إن شعوراً عاماً قد تولد في العالم أجمع، بأن الاسلام السياسي المتشدد هو أسوأ اختراعات البشر في تاريخه الطويل، وهو يعيد البشرية الى العصور المظلمة وشريعة الغاب. ومن جانب أخر، فقد حقق هذا الاختراع غاياته المتوخاة، فدمر معظم دول الشرق الاوسط، وبدد ثرواتها وحطم صناعتها، وجعلها مدينة للمؤسسات المالية الكبرى، وغدت عروشها خاوية بعد أن مزق الارهاب شعوبها وفرقها.
إن نظرة سريعة على فوز الرئيس المنتخب ترامب، يجعلنا ندرك إن مرحلة الاسلام السياسي قد شارفت على الانتهاء. وهذا لا يعني بالضرورة نهاية الاسلام كدين عبادة، بل سيبقى حاله حال الاديان الاخرى، ولكنه سيكون مقيداً بعد كبح جماحه نحو إعادة بناء دولة الخلافة الاسلامية.
إن من أهم العوامل التي ساعدت على فوز ترامب هي:-
1. دور الكنيسة، فقد لعبت الكنيسة دوراً كبيراً في فوز ترامب، على الرغم من التشنج الاولي الذي ظهر في إنتقاد البابا لموقف ترامب من بناء جدار على حدود المكسيك، ورغبته في طرد اللاجئين والمهاجرين، فقال: بان من يقول بذلك، لا يمكن أن يكون مسيحياً. وجاءت رسالة الفاتيكان قبل موعد الانتخابات بثلاثة أيام ضربة موجعة لكل من عوّل على الاسلام السياسي المتشدد للوصول الى البيت الابيض. وقد إلتفت كل الكنائس الامريكية حوله وفي مقدمتها الكنيسة الانجيلية، حتى إعتبره البعض بانه يؤسس لأممية اليمين الديني المسيحي. وعلى الرغم من نفي الفاتيكان لبعض الاخبار الكاذبة، الا إن 60% من الانجيليين، و52% من الكاثوليك، صوّتوا لصالح ترامب.
2. روسيا، لقد لعبت روسيا دوراً كبيراً في فوز ترامب الذي رأت فيه رجل أعمال بلا خبرة سياسية،ويتسم بالبساطة والصراحة، والصدق في التعامل، الذي يمكن التعامل معه بعيداً عن الخداع وألاعيب السياسة. وعلى الرغم من كل الشيهات التي أثيرت حول دور موسكو في فوز ترامب، إلا إنه لم يثبت ذلك.
3. مكتب التحقيقات الفدرالي، الذي أرسل مديره على حين غرة رسالة الى الكونغرس يخبره بنيته في إعادة فتح التحقيق في قضية البريد الالكتروني لكلينتون، قبل عدة ايام من موعد الانتخابات.
4. الاختلاف الكبير في فلسفة الحزبين المتنافسين. فالحزب الجمهوري هو على شاكلة الاحزاب العقائدية العربية من حيث إنضباط وتماسك أعضاءه، حيث إن معظمهم من المتدينين الذين يصوتون لمرشحهم بغض النظر عن مواقفه. وعلى خلاف ذلك، فإن الحزب الديمقراطي يضم أعضاء متحررين فكرياً ويصعب إقناعهم بسهولة. ولا ينظرون الى الدين كمرجع فكري.
5. الاخلاق، إن التصدع الكبير الذي أصاب الاخلاق في الولايات المتحدة، وخاصة في السنوات الاخيرة من عهد أوباما الذي يبدو إنه إحتفظ بها في بيته، فيما طبق العكس على الولايات المتحدة، وخاصة توقيعه لقانون حقوق المثليين الجنسيين عام 2015، وتقنين الاجهاض، وتقنين مخدرات الماريغوانا، وحيازة الأسلحة. ورغم كل القبول الامريكي الظاهر، الا إن الشعب كا، يشعر إن هذا الامريكي الاسود من أصول مسلمة لن يصير مسيحياً حقيقياً مهما حاول إجادة تمثيل هذا الدور، وكشفت أيامه الاخيرة حقيقة ذلك، في طرد 35 دبلوماسياً روسياً، والدور السلبي في صدور قرار ضد إسرائيل في الامم المتحدة
حول المستوطنات، ورفع العقوبات الجزئية عن السودان، وإعادة معتقلي غوانتنامو الى دولهم، ومنح نفسه ونائبه أوسمة الحرية، وغير ذلك. لذا شعر الامريكيون البيض إن سيطرة الرجل الابيض في خطر، وإن شعوراً عاماً بدأ يسود وهو أن السلطة قد تسربت من أيديهم. وربما كان الديمقراطيون سيفوزون لو قدموا بيرني ساندرز العجوز الذي قدم مشروعاً قائماً على العودة للاخلاق، لانه كان سيبدو أكثر قبولا أمام ترامب الطائش. لا بل إن الكثيرين إمتنعوا عن التصويت لصالح كلينتون نظراً لتصويتها لصالح الحرب في العراق.
6. الرغبة في التغيير. فقد أدرك الامريكيون تماما، إن الفساد قد تسرب اليهم كثيراً، حتى بات يهدد كيان الاتحاد، الذي لم يعد كما أراده مؤسسوه مثل واشنطن ولينكولن وأخرون. لهذا جاء شعار حملة ترامب مدغدغاً لشعور معظم الامريكين في عودة أمريكا عظيمة مرة أخرى، كما كانت في بداية تأسيسها. إتحادا لعموم الشعب وليس لمجموعة النخبة الصغيرة أمثال كلينتون التي تبحث عن الثراء، في حين أعلن ترامب عدم رغبته في إستلام مرتب الرئاسة.
7. فرق ترامب المسيحي الشرقي، وعلى عكس كلينتون التي إعتمدت على هوما عابدين أمريكية من أصل سعودي لتكون سكرتيرتها المقربة اليها، ولتثير مجموعة فضائح حول علاقتهما الجنسية، وبعد ذلك وجود رسائل سرية لكلينتون في حاسوب زوج هوما. فأن فريق ترامب ضّم مجموعة من المسيحيين الشرقيين المعروفين، من أمثال اللبناني الدكتور وليد فارس، والسوري الدكتور غابرييل صوما، ثم الحقهما أخيراً بالمصرية دينا حبيب. وهكذا نجد إن فريق ترامب يضُم مسيحيين شرقيين ولهم توجهات مسيحيية معروفة.
* ملامح المرحلة القادمة
سيؤدي ترامب بعد ساعات القسم ليصبح الرئيس 45 في سلسلة رؤوساء الولايات المتحدة الامريكية لمرحلة جديدة من أبرز ملامحها التغير الكبير في سياسة الولايات المتحدة تجاه الاسلام السياسي المتشدد، وكانت ملامح ذلك قد ظهرت فيما يلي:-
1. إنتقاد ترامب للاسلام السياسي المتشدد وفي مقدمته تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) الذي ركّز على إتهام منافسته كلينتون والرئيس سابقا أوباما بانهم هم من خلقوا داعش.
2. لقاءه بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أثناء إفتتاح الجعية العامة للامم المتحدة في تشرين الثاني/أكتوبر 2016، وتفار وجهات نظرهما حول الاخوان المسلمين.
3. تشكيلة فريق حملة ترامب الانتخابية الذي يضم مسيحيين شرقيين معروفين بميولهم المسيحية.
4. إعداد مشروعين لتقديمهما للكونغرس بإعتبار حركة الاخوان المسلمين والجيش الثوري الايراني منظمات إرهابية.
5. التقارب مع الكنيسة بمختلف مذاهبها سواء الكاثوليكية أو الانجيلية.
6. تقارب وجهات النظر بين ترامب والرئيس الروسي بوتين حول إقامة علاقات بناءة بينهما بدلا من الصراع.
7. إرسال رسائل مشجعة ومطمئنة لاسرائيل بأن عليهم أن يصبروا حتى يوم توليه السلطة رسمياً.
8. إعتبار قرار غزو العراق عام 2003، أسوأ قرار في تاريخ الولايات المتحدة، وهو الذي قاد الى صعود الاحزاب الاسلامية المتشددة سواء الشيعية أو السنية منها،وأطلق يد إيران في العراق، وبعض دول المنطقة.
9. النظر الى الاتفاق النووي الايراني على إنه إتفاق غير متكافىء ويجب على الاقل تعديله إذا تعذر الغاءه.
إن هذه الملامح والكثير غيرها، تشير ضمناً الى إن مرحلة الاسلام السياسي قد شارفت على الانتهاء، وإن إندحارها مسألة وقت ليس إلا، بعد أن اثيتت فشلها الذريع أينما حلت. وإن غدا لناظره لقريب.

أحدث المقالات

أحدث المقالات