لقد إهتم الاسلام بالعقل الانساني, و جعل له أهمية عظيمة, و حمّله مسؤولية فهم وإثبات اعظم القضايا كوجود الخالق والديانات والرسالات السماوية ومنها الاسلام, والالتزام بتطبيقه, و تظهر أهمية العقل من خلال استعراض المهام والوظائف التي أُسنِدت إليه وكلف بالتفكر بها والتي منها علي سبيل المثال: التأمل في ملكوت الله تعالى والتفكر في قدرته والنظر للتعرف على وجود الخالق جلّ جلاله, وقد وردت في ذلك النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة: (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها وآذان يسمعون بها فإنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور) الحج – 7- وقد ورد ايضا في القرآن والسنة النبوية الشريفة الكثير من الموارد والشواهد والأدلة التي تبين دور العقل وأهميته وحجيته، وهو ما تؤمن به جميع الأديديولوجيات الوضعية كما انه من سمات التحضر والرقي والكمال. لكن ائمة الجهل والتخلف والضلال وحكام الجور لايريدون لنعمة العقل والتعقل والفكر والتفكر ان يطلق لها العنان لتمارس دورها في هداية البشر والأخذ بأيديهم نحو الرقي والكمال، لأن ذلك يقضي على مشاريعهم ومصالحهم وعروشهم ولذلك نصبوا العداء الى العقل والتفكير فرفضوا ان يعطي للعقل تلك المسؤولية الألهية في ممارسة دوره وراحوا يحجمون العقل والعقول بل يلغونها ويكفرون من يمنح العقل دوره المرسوم له فاستعبدوا الناس وزجّوا بهم في مستنقع الجهل والتخلف ومحرقة الأتباع الأعمي فسيطروا على عقولهم وأرواحهم ومعتقداتهم وساقوهم من سيء الى اسوا.
ومن اؤلئك الذين ينقمون على العقل والتفكير ويلغونه هو ابن تيمية مؤسس الفكر التكفيري الظلامي وإمام الدواعش والتنظيمات الإرهابية الذي ذهب الى أبعد درجة من التطرف والأستبداد، حيث كفّر كل من يُعطي العقل دوره ومسؤوليته المجعولة من الله، وهذا مابيّنه المرجع الصرخي في المحاضرة {14} في بحث (الدولة المارقة.. في عصر الظهور.. منذ عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم)) ضمن سلسلة بحوث: تحليل موضوعي في العقائد و التاريخ الإسلامي حيث قال مانصه : ((يا تيمية مقدمة الواجب واجبة من مدركات العقل قال تعالى {{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً * قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ * قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}} البقرة30… أ ـ … ب ـ … جـ ـ … د ـ ثم قال ابن كثير: {{وقد استدل القرطبي وغيره بهذه الآية على وجوب نصب الخليفة، ليفصل بين الناس فيما اختلفوا فيه ، ويقطع تنازعهم وينتصر لمظلومهم من ظالمهم، ويقيم الحدود، ويزجر عن تعاطي الفواحش إلى غير ذلك من الأمور المهمة التي لا يُمكن إقامتها إلا بالإمام،وما لا يتم الواجب إلّا به فهو واجب }} . أقول: سجل هذه (وما لا يتم الواجب إلّا به فهو واجب) هذه قاعدة، يعني مقدّمة الواجب واجبة، ما هو الدليل على أنّ مقدّمة الواجب واجبة؟ هل يوجد نص قرآني على هذا؟ هل يوجد حديث نبوي على هذا؟ لا يوجد، إذن من الذي حكم بهذا، ومن الذي أدرك هذه الحقيقة بأنّ مقدّمة الواجب واجبة؟ إنَّ هذا من مدركات العقل، فإذا كان العقل يحكم ويدرك هذه الحقائق، يدرك الوجوب، فلماذا يؤخذ على المعتزلة وعلى الشيعة عندما يتحدثون عن العقل وادراكات العقل؟!! إذن مراد قوله هو أن الفصل بين الناس فيما اختلفوا فيه وقطع تنازع الناس والانتصار لمظلومهم من ظالمهم وإقامة الحدود والزجر عن تعاطي الفواحش وغير ذلك من الأمور المهمة يقول هذه واجبة وهذه لا تتم إلّا بوجود الإمام إذن يكون تنصيب الإمام واجب، وجود الإمام واجب؛ لأن الإمام مقدمة لواجب وهو الفصل بين الناس وقطع تنازع الناس)).