18 ديسمبر، 2024 11:06 م

من قاموسنا الاجتماعي (الزكرتي)

من قاموسنا الاجتماعي (الزكرتي)

تطلق كلمة (الزكرتي) على الرجل الذي يعيش بمفرده ولم تكن له زوجة، حتى يقضي بعظم حياته وهو على هذه الشاكلة. ومنهم من يصحا على زمانه- كما يعبرون – فيترك حياة العزوبية ليتزوج قبل فوات الاوان، فلا يطلق عليه بعد ذلك القول بـ (الزكرتي). ولا اعرف- على وجه الدقة واليقين- من اين جاءت هذه المفردة، ومتى قيلت، وما هي المناسبة التي من اجلها قيلت. وارجح بأنها كلمة تركية، او فارسية.
وفي بعض الدول العربية، فأن لهذه المفردة معنى غير المعنى الذي يقصده العراقيون، ففي سوريا يعنون به الشجاع او الكريم او غير ذلك.
وجمع زكرتي: (زكرتية)، واحيالنا تطلق كلمة (زكرتية) على متزوجون ولهم اسر، لكن حين ما تذهب مجموعة من الرجال من محافظة الى اخرى نائية، لغرض العمل لمدة طويلة، لربما يبقون سنة او اكثر من ذلك، بحسب الظروف، ويبقون بعيدين عن اسرهم، ولا يعودون الا بعد مضيء سنة، فتطلق الناس عليهم بأنهم (زكرتية).
ونستطيع أن نعرّف الزكرتي: بأنه الرجل الاعزب الذي يقضي معظم حياته من دون زوجة. لكن كلمة الاعزب، ربما تكون عنوان كبير، مثل الرجل الذي تموت زوجته، فيرفض بعد ذلك الزواج من اخرى، اما اكراماً لذكرى زوجته المتوفية، كأنه كان يحبها حبا شديداً، فلا يرضى أن تأتي مكانها امرأة اخرى تشغل مكانها، او أن وضعه المالي لا يسمح له بالزواج مرة اخرى، او انه يريد المحافظة على اولاده وبناته، لأن الزوجة الجديدة، عادة لا تميل الى اولاد ضرتها، ولا تعتبرهم اولادها، فتقسو عليهم، وتؤذيهم، وربما تهملهم، وتضغط عليهم، وهذه امور واضحة خصوصاً في مجتمعاتنا العربية. وهناك حالات كثيرة من هذا النوع، جعلت من المرأة الجديدة أن تلصق التهم بأولاد زوجها، حتى جعلت من زوجها أن يعادي اولاده، وربما يطرده او يبتعد عنهم ويهملهم. ويحدثنا التاريخ بأن هناك كثير من الرجال من اعرض عن الزواج، ومن الشخصيات الكبيرة المعروفة، كالشاعر العربي الكبير ابي العلاء المعري، والذي تحجج بأن ابيه جنى عليه حينما اخرجه للحياة، ولا يريد أن يكرر هو نفسه ما فعله اباه به، فظل (زكرتي) ومات وهو (زكرتي)، كذلك فأن الفيلسوف شوبنهاور ايضا لم يتزوج قط، حتى تأثر به الفيلسوف الالماني نيتشة، حيث هو الآخر لم يتزوج، فعاش حياته زكرتي.
وبعكس ذلك، هناك من تزوج بأكثر من امرأة، اربعة وربما خمسة وستة، حتى ان جدي ابي لأمي قد تزوج بسبع نساء، ولا ادري: هل انهم كانوا يخافون من عدوة (الزكرتية)؟، ام انهم شبقيين؟، ام انهم كانوا يعبرون عن قوة رجولتهم؟.
وبالمناسبة، أن في بعض اصدقائي عدد من (الزكرتية) احيانا احسدهم على (زكرتيتهم) هذه، واحيانا هم يحسدونني على حياتي الزوجية، والحقيقة اننا لا نعلم من منا يحسد الآخر؟ ، ومن منا الاكثر سعادة، علم ذلك لعلام الغيوب.
وفي ايامنا هذه يعش العديد من الشباب (زكرتية)، والسبب غلاء المهور، ولأن الظروف المعيشية اصبحت صعبة للغاية، وهناك كثيراً من الشباب يعيشون في حالة بطالة قاتلة، حيث يجلسون في المقاهي ويدخنون الاراكيل، بسبب هذه الظروف القاسية التي يمر بها الشعبي العراقي، فهم سيبقون (زكرتية)، مع سبق الاصرار والترصد. واللهم نحمدك على اننا متزوجون ولسنا زكرتية.