جاء رجل إلى الإمام(عليه السلام) فقال له: يا أمير المؤمنين إن لي إليك حاجة، قد رفعتها إلى الله قبل أن ارفعها إليك، فان قضيتها حمدت الله وشكرتك، وان لم تقضها حمدت الله تعالى وعذرتك؟ فقال له(عليه السلام): اكتب حاجتك على الأرض، فاني اكره أن أرى ذل السؤال على وجهك، فكتب الرجل: اني محتاج، فأمر الإمام(عليه السلام) بإحضار حلة فأهداها له.
ظاهرة غريبة وطارئة على المجتمع العراقي، وبعيدة كل البعد عن الأخلاق والقيم الإنسانية أو الدينية أو العرفية، بدأت تظهر للعيان وبشكل متكرر ومتوالي، تقوم بها مجموعات مختلفة سواء كانت منظمات تدعي المدنية أو الحزبية، أو أفراد ذوو مكانة سياسية أو اجتماعية، هي ظاهرة الإساءة للمحتاجين والفقراء أو الجرحى أو عوائل الشهداء، بحجة مساعدتهم أو تكريمهم!
أعجب وأنا أرى صور جرحى أبناء القوات المسلحة، سواء كانوا من الجيش أو الشرطة أو الحشد الشعبي أو من غيرهم، وهم يُستخدَمون كأدوات، يستعرض من خلالها المتبرع كرمه و تفضله أمام المجتمع، من دون مراعاة لكرامة هؤلاء المحتاجين، فيتم تصويرهم بصور متعددة، وبعض هذه الصور تكون بطريقة سيئة وغير مقبولة، حيث يظهر فيها المتبرع وكأنه هو واهب الحياة.
هذا سياسي يتخذ من الفقراء دعاية إعلامية لحزبه، فيظهر نفسه متكرماً على جرحى أبطال القوات العراقية، ويقوم بالنشر والدعاية لموقفه هذا، حيث قام بالتبرع بعدد من الكراسي المتحركة، لعدد ممن فقد ساقيه، ولم يبقى الأمر منحصراً عند السياسيين، بل ظهر علينا هذه الأيام “وسيم بغداد” فقام بالنشر والإعلان عن تكرمه وعطفه على النازحين، وهو يصور هباته وكأنه في عرض للأزياء، أو لأخذ صورة لعرضها في مجموعات “شباب موديل”.
الفقراء والمهجرون، قد تكون ظروف الحياة جبرتهم على الفقر والحاجة، لكنهم لهم كرامتهم، فلا يجوز لا أحد أن يهبهم مقدار من المال أو الطعام، ليشتري كرامتهم أو ليتخذ منهم وسيلة لغاية سياسية أو اجتماعية، ومن يفعل ذلك، فليرى كيف تعامل الإمام علي(عليه السلام) مع الفقير الذي أتاه، فهو لم يحتمل أن يرى ذل السؤال على وجه الرجل.
أما الجرحى العراقيين فهم كرامتنا، وبهم حفظ الوطن، فكل الشعب مدين لهم، وليس من الصحيح الرقص على جراحهم، أو جعلهم يحتاجون لرحمة وعطف المتاجرون في كرامهم، بل يجب أن يخجل من يرى عائلة لشهيد بحالة عوز، أو جريح لا يملك راتباً، فهم قد ضحوا في سبيل حماية العراق، ويجب أن يحصلوا على حقوقهم كاملة.
مسألة تجريح الفقراء والجرحى والمحتاجين، ظاهرة غير أخلاقية ويجب أن تنتهي، ومن واجب الحكومة توفير الرعاية لهم، بما يحفظ كرامتهم وعزتهم، وأن لا تتركهم لأصحاب الضمائر الميتة، ليتاجرون بكرامتهم وفقرهم.