19 ديسمبر، 2024 12:18 ص

مدراء إلى الأبد .. !

مدراء إلى الأبد .. !

كم من الوقت يمكن أن يتولى مسؤولا ما منصبا إداريا في دائرة ما ..؟؟ 
في كل الأعراف التشريعية والتنفيذية ، لا يمكن أن يتجاوز المسؤول أن كان مديرا عاما أو مدير ناحية أو قائمقاما لأكثر من أربع سنوات من تاريخ توليه لمنصبه وهذا في أعلى تقدير. ولكن ما الذي يجري في العراق الآن ونحن نجد أن المدير العام وعضو المجلس البلدي ومدير الناحية يتجاوز الفترة المحددة له مع انه أتى للمنصب وفق آلية العمل لخدمة الناس بأحسن ما يمكن . عرفت من احد الأصدقاء أن مدير عام تربية إحدى المحافظات تعين في منصبه منذ عام 2005 وباق حتى الآن يدير الدائرة المعنية . والكلام نفسه ينطبق على مدراء عامين كثيرين وأيضا المجالس البلدية ومدراء النواحي وقائمقامو الاقضية الذين تأجل تغييرهم عدة مرات . وهنا يتبادر السؤال الملح :
ما الذي يستطيع المدير العام ان يعطيه لدائرته بعد كل تلك السنوات ..؟؟ هل يستطيع أن يدير دائرته بنفس الكفاءة التي تعين بها هذا إن كان يمتلك كفاءة تذكر بعد مرور ست أو سبع أو ثمان سنوات ؟ في العرف السائد يكون المدير العام قد أعطى كل ما عنده خلال الأربع سنوات المقررة رسميا ، أما السنوات التي تأتي بعدها فهي سنوات ترهل وجهد إضافي وتكرار للأعمال وسأم وملل لا أكثر . وهذا ينسحب على أداء كل الدائرة التي تؤشرا انخفاضا في الكفاءة لا تصاعدا في الإبداع أو العمل الدؤوب مما يضيف اعباءا إضافية تولد طبقة من أشخاص طفيليين يدخلون على خط العمل ليمارسوا المحسوبية والمنسوبية والحزبية على حساب المدير المتعب الذي استقر في قلعته لا يهزه احد . ومما لا شك فيه فان كل مدير عام يقاس بمقدار ما يقدمه من إبداع وتجدد وابتكار في عمله مما ينعكس على أداء دائرته التي تتطور في سلم الكفاءة . ولكن الذي نجده الآن عكس ذلك تماما إذا ما استثنينا القليل النادر من الكفوئين الذين مازالوا يعطون ويعملون بإخلاص .. أما إن يبقى مسؤولا في الإدارة لمدة كبيرة فقد يؤدي إلى إثارة الانتقادات ـ وما أكثرها ـ إلى الحكومة باعتبارها هي المسؤولة عن عدم التغيير وبالتالي فإنها ستكون عنصرا مشجعا لهؤلاء الذي يتمادون في إدارة دوائرهم كما نرى في معظم الدوائر التي يشغلها مدراء لا يمتلكون ادني مقومات المعرفة والثقافة والأسلوب الحسن .. إن اغلبهم لا يعرف سوى الأساليب البالية التي عفى عليها الزمن إضافة إلى أنهم باتوا يصنعون لهم أستارا وحواجز وجدران من الابتعاد عن الناس وسماع مطالبهم . إنهم طبقة النبلاء الجديدة في العراق أو سمها ما شئت لأنهم خرجوا حتى عن الأخلاق العامة التي يعرفها العراقيون عندما يرفض البعض لقاء الناس والاكتفاء بالبقاء في مكتبه الفخم منزويا أو يقضي معظم وقته في الايفادات والسفر ولتذهب دائرته إلى الجحيم ..!! واعتقد أن الحكومة مطالبة بتغيير هؤلاء الذين تجاوزا الفترة المحددة لهم والإتيان بكفاءات جديدة ودماء هادرة ساخنة لتقود الدوائر التي حولها البعض إلى كانتونات ومقاطعات قبيلية وكأنها صارت ملكا صرفا لهم . إن أي تغيير ديمقراطي يشمل جميع مرافق الدولة دون استثناء ، ولطالما يتغير الوزير بعد كل انتخابات برلمانية وتشكيل حكومة ، فلا بد ان يتغير المدير العام وأعضاء المجالس البلدية ومدراء النواحي  والاقضية . إنها طريقة النجاح المثلى لوضع عربة الديمقراطية المنشودة على السكة المناسبة لتنطلق نحو آفاق جديدة أكثر رحابة . إن ما نجده اليوم من أوضاع بائسة في بعض دوائرنا لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يساهم في بلورة فكرة التطور والانفتاح على الناس المظلومين الذين باتوا لا يثقون بمدير الدائرة المهيمن على كل شيء والتي حسب أن دائرته ضيعة من ضياع عائلته . وكيف لنا أن نحتفل بعراق ما بعد الظلم والموت الأعمى الذي كان يمارسه الجلادون قبل 2003 ونحن نضم بين أذرعنا أناسا حسبوا أنفسهم  إنهم من كوكب أخر لا يمكن أن يتهاووا بفعل أية عاصفة أو زلزال . إنهم حسبوا أنفسهم ملاكا لدوائرهم وغير مسموح لأحد أخر ذو كفاءة أو قدرة أو شهادة أو خبرة من الاقتراب منهم . إنهم حفنة شبعت وأثرت وكسبت وبات عليها المغادرة والحل الأمثل أن تأتي خبرات لها وزنها وثقلها لإدارة المرافق التي وقعت تحت هيمنة هؤلاء منذ سبع أو ثمان سنوات عجاف .. إنها دعوة من الشعب الذي عانى ويعاني ويريد أن يرى انجازا يسعده أو كلاما يريحه من قبل هؤلاء الذين أثثوا مكاتبهم بالمليارات وكأنهم خالدون فيها أبدا .. هل سنطلق عليهم لقب الديناصورات التي وضعت في المتحف بعد أن عاثت في الأرض خرابا لآلاف السنين ؟ أتمنى ان نجد من يهتم ويقرر ويبادر إلى تغييرهم ولنا منه كل المحبة والتقدير ..
* مدير مركز الإعلام الحر
[email protected]