مصطلح “المرجعية العربية” مرادفاً لتجربة السيد محمد الصدر (المقتول في العام 1999), والذي فسر حينها تفسيراً حسناً, غير أنّ أول من إستحدث المفهوم في التاريخ المعاصر هو المنظومة المخابراتية لحزب البعث العربي الإشتراكي في العراق. ويروي في هذا الصدد السياسي البعثي المنقلب على نظام البعث حردان التكريتي في مذكراته “كنّا عصابة تحكم العراق” ما مضمونه: أنّ الحزب وصل إلى أفكار مختلفة لضرب المرجعية الشيعية في النجف, إنتقى منها فكرة المرجعية العربية لمواجهة المرجعية الفارسية.تبدو الفكرة غير منسجمة مع التراث الإسلامي, لاسيما الشيعي منه والعابر للقوميات وفق الأدبيات الإسلامية الثابتة.. فكيف إستطاع البعث العراقي فرض فكرة التمييز القومي في الحوزة النجفية؟!
يخبرنا حردان التكريتي في كتابه آنف الذكر, أنّ القصة بدأت عندما أحتجّ المرجع الأعلى للطائفة الشيعية السيد محسن الحكيم الطباطبائي على النظام آنذاك, وكان إحتجاجه في بغداد وتحديداً في مدينة الطب عندما خرجت الجماهير لإستقباله. كان الصراع بين السلطة والحوزة قد أحتدم, الأمر الذي جعل المرجع الأعلى يقاوم السلطة في بغداد وبطريقة أثارت الرعب في نفوس قادة البعث. يضيف التكريتي: “بعد أن عرف ميشيل عفلق بالأمر, طلب إجتماعاً عاجلاً للحزب, وقد تكلّم في الإجتماع قائلاً: لا يجتمع في العراق إثنين؛ إما الحوزة أو الحزب”..
يظهر أنّ ذلك الإجتماع بمثابة ناقوس الخطر الذي دقّ في إسماع العراقيين المنتمين للبعث, ويبدو أنّ عفلق قد نبّههم على خطر المرجعية لإنّه من بيئة إجتماعية أخرى. فعمل البعث الذي كان يخطو خطوات الأخيرة نحو القمة, على ترجمة نصائح مؤسسه, فيقول حردان التكريتي: قررنا العمل الفوري, فوضعنا مجموعة خطط, منها الحرب المباشرة ضد المرجعية عبر إتهام نجل المرجع السيد مهدي الحكيم بالعمالة للأجنبي, وتسفير الطلبة الإيرانيين الذي يشكلون ثقلاً كبيراً في الحوزة, والبحث عن رجل دين موالي للسلطة ونصنع منه مرجعاً عربياً.. ويضيف التكريتي: وقع الإختيار على الشيخ علي آل كاشف الغطاء وكان من المنتمين للحزب وخصص له مبلغ 25 ألف دينار عراقي للترويج لمرجعيته وذهب إلى لبنان بهذا الغرض, لكنّ مشروع كاشف الغطاء فشل”. يشير التكريتي إلى أنّ حادثة كاشف الغطاء كانت في بين العامين 1973-1975, أي قبل إنتفاضة آذار 1991, بحوالي خمسة عشر سنة.الفاصلة الزمنية الممّتدة بين تاريخ ما يذكره التكريتي وإنتفاضة 1991, ضعف بها النشاط الإسلامي الشيعي في داخل العراق, ورغم كون الخطر إنتقل إلى الخارج, بيد أنّ السلطات البعثية لم تأمن من حوزة النجف, وبقيت خطة 1969 (خلق المرجعية العربية) قائمة.. تحدّي ثورة آذار لنظام البعث العراقي, مثّل فرصة ذهبية إنتهزتها أجهزة حزب البعث أيما إنتهاز. أكتشفت السلطات المخابراتية عن طريق الصدفة السيد محمد صادق الصدر, وجاء بمقاييس ومواصفات خاصة ونادرة.يتبع.