لماذا هاجم وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قبيل مغادرته وزارة الخارجية رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي ومتّهما إياه بإضعاف الحكومة والتسبب بتمدد تنظيم داعش في العراق ؟ هل فعلا أنّ سياسات نوري المالكي هي السبب في نشوء داعش وتمددها في العراق ؟ وهل أنّ تأسيس نوري المالكي للحشد الشعبي هو السبب في ظهور داعش وتمددها كما يدّعي كيري ؟ أم أنّ رفض نوري المالكي لإسقاط النظام في سوريا ورفضه منع وصول الإمدادات والمساعدات العسكرية إلى سوريا ولبنان هي السبب الحقيقي الذي دفع إدارة أوباما لتبّني داعش ودعمها ماديا وعسكريا ولوجستيا وإرسال السلاح لها ؟ أو أنّ كيري أراد قبيل مغادرته وزارة الخارجية أن يوهم الرأي العام العالمي والأمريكي أنّ إدارة أوباما ليست مسؤولة عن نشوء وتنامي داعش في العراق ؟ خصوصا بعد اتهام الرئيس الأمريكي الجديد ترامب بأنّ إدارة أوباما هي التي خلقت داعش ؟ أم هو تبرير لفشل السياسية الأمريكية في عهد جون كيري ؟ , أسئلة سنحاول أن نقف عندها والإجابة عليها بموضوعية وإنصاف من أجل إيضاح الحقيقة أمام الله وأمام الشعب العراقي , وسنحاول إماطة اللثام عن هذا التزييف المتعمّد لحقيقة الرجل الذي أسس الحشد الشعبي وحارب الإرهاب ومنع سقوط النظام في سوريا ومحاصرة حزب الله في لبنان واسقط المشروع الأمريكي الإسرائيلي السعودي .
في مقالنا السابق ( الدور الإجرامي لإدارة أوباما في تمدد عصابة داعش ) , كنّا قد أوضحنا أنّ المخابرات الأمريكية والبريطانية والموساد الإسرائيلي وراء صناعة وإنتاج تنظيم داعش الإرهابي , وأنّ هذه الأجهزة قد تعاونت فيما بينها في خلق هذا التنظيم ليكون قادرا على ضم أكبر عدد من المتشددين في العالم إلى هذا التنظيم , وأوضحنا كذلك أنّ الدور الأمريكي في دعم داعش كان الأكثر شمولية , فبعد الضربات الساحقة التي تلّقاها تنظيم دولة العراق الإسلامية في زمن رئيس الوزراء نوري المالكي والتي توّجت بمقتل زعيم التنظيم أبو عمر البغدادي ونائبه أبو أيوب المصري عام 2010 والتي دمرّت البنية التنظيمية لهذا التنظيم الإرهابي , دفعت هذه الضربات الساحقة زعيم التنظيم الجديد أبو بكر البغدادي لنقل نشاطه إلى سوريا بعد اندلاع تظاهرات الربيع الإسرائيلي , وبعد اندلاع التظاهرات في مناطق الغرب العراقي على أثر اعتقال حماية الوزير رافع العيساوي عام 2012 , أصبحت الفرصة سانحة لزعيم التنظيم أبو بكر البغدادي لاستغلال هذه التظاهرات والمنصّات التي نصبت في المحافظات الغربية والتمدد من خلال هذه المنصات , وكل هذا كان يجري تحت أنظار وعلم إدارة أوباما وجهاز المخابرات الأمريكية وبدعم مادي وعسكري ولوجستي مباشر من أمريكا وإسرائيل ودول الخليج العربي وتركيا , ليتحوّل التنظيم الإرهابي عام 2013 إلى الدولة الإسلامية في العراق وسوريا والتي يطلق عليها اختصارا داعش .
فداعش هو تنظيم ولد من رحم القاعدة ونشأ في السجون مع البعث وأصبح وحشا بفضل رعاية إدارة أوباما لهذا الوحش الذي أرادته أمريكا أن ينمو ويتمدد في العراق , وأمريكا هي من صنعت داعش باعتراف الرئيس الأمريكي الجديد ترامب واعتراف وزير الدفاع الأمريكي أمام الكونغرس حين قال كنّا نعلم بتحرك داعش ووجودها ولكننا لم نتدّخل لمواجهتها ولم نساعد العراق بتسليم أسلحته المشتراة حتى لا يكون ذلك دعما لحكومة رئيس الوزراء المالكي , وهذا دليل لا يقبل الشّك أنّ أمريكا هي من صنعت داعش وهي التي سمحت بتقديم الدعم المادي واللوجستي وتقديم السلاح لها , فسلاح داعش وعشرات الآلاف من السيارات اليابانية الحديثة ذات الدفع الرباعي وفتح الحدود التركية للمقاتلين من كل أرجاء المعمورة للدخول إلى سوريا والعراق وسرقة نفط العراق وسوريا وبيعه عبر تركيا وتدّفق الأموال والسلاح من السعودية وقطر وباقي دول الخليج العربي , كان يجري تحت علم وتخطيط إدارة الرئيس أوباما وجهاز المخابرات الأمريكية , فهل يعقل أنّ وزير الخارجية الأمريكية لا يعرف هذه الحقائق عن نشأة داعش ونموها ؟ بالتأكيد هو يعرف كل هذا الحقائق ويعرف أنّ أمريكا أرادت من خلال تمّدد داعش داخل العراق أن يكون سببا لإسقاط نوري المالكي الذي اكتسح صناديق الاقتراع في العراق , فأمريكا التي أخرجها نوري المالكي من العراق ولم ينّفذ إرادتها بمحاصرة نظام بشار الأسد وإسقاطه , هو السبب الحقيقي وراء دعم إدارة أوباما لداعش والسماح بتمددها .
أمّا الادعاء بأنّ تأسيس الحشد الشعبي هو السبب في إضعاف الحكومة , هو ادعاء واهي ومغالطة تاريخية فاضحة , فالحشد الذي أسسه نوري المالكي والذي حارب وأوقف تمدد داعش , قد تأسس بعد مؤامرة سقوط الموصل , وليس كما يدّعي كيري بأنّ المالكي قد عمل على تشكيل مليشيات طائفية الأمر الذي أضعف القوّات الحكومية في مواجهة داعش , ولولا تأسيس هذا الحشد المبارك لكانت داعش قد أسقطت الحكومة في بغداد , ومهما حاول كيري واوباما أن يظللا الرأي العام العالمي والأمريكي , فالحقائق ستظهر قريبا للرأي العام بعد استلام الرئيس الجديد ترامب لمهام عمله كرئيس للولايات المتحدّة الأمريكية .