رغم اختلاف القوميات والمذاهب والأديان ، إلا إن لرأس السنة الميلادية طعم خاص في الاحتفالات الكبرى في مختلف البلدان ، فالتاريخ الميلادي معتمد لدى اغلب الشعوب لذا فان الساعات أو الدقائق الأخيرة تعني بان عام انقضى وعام آخر قادم ، والمتفائلون يفرحون بقدوم عام جديد وهم على قيد الحياة في حين إن المتشائمين يرون أن تكون تلك الليلة موضع حزن لان عام انقضى من عمرهم ويرد عليهم الكثير بالنقد لان لا أحدا يعرف كم تبقى له من العمر كي يندم على ما فات لان المهم هو الحاضر والقادم من الأعوام ، ورغم إن دراسات (غير معول عليها كليا ) صنفت العراق قبل أيام بأنه من أدنى الشعوب سعادة بحيث إنها تبلغ تحت الصفر، ورغم الظروف الصعبة التي تواجه الكثير من حيث حروب التحرير والنزوح والفقر والطلاق والترمل والايتمة وغيرها من العوامل والأحزان ، إلا إن شعور العراقيين بالفرح والسعادة لم ينقطع يوما رغما عن كل الظروف لان الحالة تتعلق بشعب تعداده 35 مليون أو أكثر وليس مجموعة محددة من الأفراد .
ولا يعني ذلك إن ( الدنيا ربيع ) في اغلب أيام العراقيين ولكن القصد إن هناك مظاهر للبهجة والفرح والسعادة في بعض المناسبات كالأعياد والطقوس الدينية والمناسبات الاجتماعية وبعض الأيام كرأس السنة الهجرية أو الميلادية أو غيرها ، وبعض المناسبات تكون ذات طابع محلي مناطقي أو على الصعيد الوطني أو القومي أو الأمة الإسلامية أو العالمي ، وهي أيام معدودة بالطبع ومن يتهمنا بعدم السعادة أو ضعفها يقارن بين أوقات الأفراح والأحزان فيقول إن الأحزان أكثر من الأفراح وربما يضعنا تحت الصفر وهي وجهة نظر نسبية تقبل الكثير من النقاش ، والمهم في الموضوع إن أيام الأفراح التي ربما تكون محدودة يحاول البعض أن ينغصها ويحولها إلى حالة نكد أو ضجر من خلال ممارسات غير منظمة وتتصف بالعديد من المخاطر في اغلب الأحيان ، ونقصد بالتحديد استخدام العياران النارية والرمي الحي من الأسلحة باعتدة قاتلة مما يسبب سقوط العديد من حالات الوفاة أو الجروح الخطيرة وما يتبع ذلك من مطالبات عشائرية وطلب الدية أو اثار أو الملاحقات القانونية من خلال تحولها إلى جنح وجنايات .
والأكثر إزعاجا وشيوعا في الأفراح هو استخدام الألعاب النارية لا في أيام المناسبة وإنما قبلها أو بعدها لأيام وأسابيع ، والمشكلة في هذه الألعاب إنها تتسبب بأخطار جمة كالجروح أو الحرائق فضلا عن الخوف الشديد لدى البعض ، وهذه الألعاب أكثر انتشارا وخطورة من إطلاق العيارات النارية لأسباب عديدة أبرزها :
– استخدامها من قبل الفئات العمرية كافة فهي ليست مثل الأسلحة التي تحتاج إلى مهارة وقوة إذ يمكن استخدامها من قبل الأطفال والكبار وحتى من قبل الإناث باعتبارها وسيلة للتسلية والاستمتاع .
– عدم وجود نصوص قانونية مطبقة فعلا لمنع استخدامها لان النهي يأتي بهيئة إعلانات ودعوات على غرار ما يجري بعد انتهاء مباريات بكرة القدم بالفوز وهناك من يتحرج بمنعها بسبب علاقتها بالمناسبة .
– انتشارها في منافذ البيع بشكل واسع مما يعني سهولة الحصول عليها بكل يسير ومن يبيعها ليست لديه موانع من بيعها لمختلف الفئات لان الغاية هي جني أعلى قدر من الأرباح فالقضية تجارية فحسب .
– انخفاض أقيامها عند الباعة مما يتيح للكبار والصغار الحصول عليها سواء كانوا من الأغنياء اوالفقراء علما بان البائع لا يوصي بأية تحوطات للامان عند البيع والعائلة لا تملك السيطرة وربما تشجع الشراء .
– استخدامها أحيانا لخارج حدود المناسبات كوسيلة للإزعاج أو لتوفير الغطاء لاستخدام الأسلحة النارية الحية والقيام بجرائم أو مخالفات سيما بعد انتشار نوعيات بأصوات عالية تفوق الاطلاقات النارية الحقيقية .
– عدم تحديد أوقات وأماكن محددة لاستخدامها فهي تستخدم على مدار اليوم صباحا ومساءا كما إنها تستخدم في البيوت والشوارع ومن السيارات دون الانتباه لما تتركه من إضرار ومخلفات رغم مداها العالي أحيانا .
وكما هو معلوم فان الألعاب النارية لا تنتج محليا وان يتم استيرادها من المناشيء العالمية وحسب مصادر مطلعة فان تكاليف استيرادها تكلف مئات الملايين من الدولارات سنويا وهذه الاستيرادات تتم تغطيتها من خلال البنك المركزي العراقي ، أي إنها تسنزف الكثير من العملات الأجنبية المتأتية من صادرات النفط وكما هو معروف فان المردود من هذه التكاليف العالية هي أضرارا وليست منافع ، وهذه الأضرار هي مباشرة وغير مباشرة فالأضرار المباشرة هي الانزعاج وأصوات الانفجارات التي لم تنقطع في الحروب الني مرت بالعراق منذ أكثر من 40 عام والتي كرها الشعب ، أما الأضرار غير المباشرة فهي الإصابات والحرائق التي يمكن الاطلاع على جسامتها من خلال تقارير وإحصاءات الدفاع المدني ووزارة الصحة والطب العدلي ، وما خفي كان أعظم لان الموضوع يحتاج إلى فحوصات دقيقة حول مدى احتوائها على الفسفور أو المكونات الضارة الأخرى ، وفي الوقت الذي تندد فيه الأجهزة الحكومية باستخدام الألعاب النارية فإنها تقف عاجزة عن إيجاد حلا لها نظرا لكثرة وسعة استخدامها في المناسبات وخارجها ، ولعل الجهة الوحيدة القادرة على منعها هي المنافذ الحدودية من خلال تحريم دخولها الأراضي العراقية وإدراجها في قائمة الممنوعات ولكن هناك من يشكك في إمكانية تطبيق ذلك بسبب واقع تلك المنافذ وما تسودها من ظواهر وحالات .
ونحن إذ نتناول هذا الموضوع لا يعني بالضرورة الدعوة لمنع مظاهر الأفراح عن أبناء شعبنا الكريم ، ولكن القصد هو توظيف الاحتفالات وإخراجها بالشكل الصحيح وتفويت الفرصة على إزهاق الأرواح وتعذيب النفوس وهدر أموال المواطنين والمال العام ، فهناك دول اشتهرت باحتفالاتها بأعياد رأس السنة الميلادية بحيث إنها راحت تستقطب السياح ووسائل الإعلام لزيادة مظاهر الأفراح والفخر بالانجاز الوطني وبتكاليف تعادل عشر ما ننفقه على الألعاب النارية حاليا ، ونخص بالذكر هنا استراليا أول المحتفلين بأعياد الميلاد كل عام ودبي في برج خليفة أو غيره ولندن وباريس ، فذكرى احتفالاتهم تنقل عالميا عبر وسائل الإعلام ويترقبها العالم يشغف وتبقى عالقة في الذهن ، في حين إن بعض احتفالاتنا غير المنضبطة تترك القتلى والجرحى والمعوقين والحرائق والعداوة والحقد الدفين رغم ما تكلفنا من أموال ، ونعتقد إن هذه الكلمات سوف لا تجدي نفعا في احتفالات رأس السنة لهذا العام التي ستزداد ذروتها اليوم لان الحالة ستتكرر كما تعودنا عليها ، إذ سنشهد ليلة ليلاء في الاستخدام ( المفرط ) للألعاب النارية وكأننا نعيش ليلة سقوط بغداد التي أمطرنا فيها المحتلون بأنواع الأسلحة المحرمة والمحللة وتلك التي تستخدم للمرة الأولى على سبيل التجريب أو للتخلص من قدم خزنها في ترسانات ( أمريكا ) ومن شاركها بتلك الاحتفالات .