في صباح هذا اليوم توجهت بصحبة اقاربي الذين حصلوا على دعم من بعض فاعلين الخير بتقديم مساعدات للنازحين، و كان معنا اربعة شباب من المتطوعين. توجهنا الى مخيم حسن شامي 4 المفتوح حديثا. كانت سيارة النقل بانتظارنا قرب مفرق الخازر لينظم الينا السيد جمال كيكاني ممثل شبكة منظمات نينوى، و عندما وصلنا الى السيطرة الرئيسية كانت هناك ثلاثة مدرعات حديثة و بدأت أشعر بأجواء الحرب. توقفنا هناك لأكثر من نصف ساعة لتسجيل أسماء المرافقين و كان للسيد جمال الدور الكبير بتسهيل و تسريع هذه المهمة.
توجهنا بعدها باتجاه المخيم سرنا بمحاذاة المخيمات واحد و اثنان و ثلاثة و أخيرا أنتهى الاسفلت و بدأت السيارات تغوص في الطين لنصل أخيرا الى مدخل مخيم حسن شامي اربعة. كنت برفقة السيد جمال و الذي قال ” أتوقع قريبا رقم ستة و سبعة” اوقفتنا القوات الامنية مستفسرة عن سبب الزيارة و بعد التوضيح توقفنا في القاطع الأحدث في المخيم.
كان قسم منهم قد وصل المخيم في اليوم السابق. المشهد العام، شوارع طينية و صفوف من الخيم على مد البصر، و ناس ينتعلون احذية و نعالات بسيطة، أقدام ملطخة بالطين و ملابس خفيفة لا تناسب الجو بتاتا. تم إعلامنا أنه تم تسكين ستمائة عائلة في المخيم,
المشهد الاول:
ما أن توقفت السيارات حتى بدأ المتطوعون بانزال الحمولة، توجه الي طفل صغير ابيض البشرة ذو تقاطيع جميلة و سألني هل لديك ماء؟ حقيقية، لم استوعب أنه كان يعني فعلاً الماء بل تصورت أنها طريقة ليسألني فيها عن العون. رفعت نظري لأجد أمامي أمرأة تجمع من مياه الامطار المتجمعة على طرف الطريق. عندها أدركت ما كان يعنيه الطفل. دخلت سيارة في الطريق و شقت طريقها من خلال هذه المياه. توقف المرأة عن جمع الماء لدقيقتين و عادت تغرف من هذه المياه الكدرة. اعتذرت من الطفل قائلا مع الاسف الماء ليس من ضمن المواد التي سنوزعها هذا اليوم. نظر الي بنظرة عتب و قال شكرا و غادر المكان.
المشهد الثاني:
بحثت عن النازحين من الاحياء المحررة حديثا الزهور، الفلاح و المحاربين قبل أن أبحث عن غيرهم. مهمتي كانت تقديم العون المادي في المخيم، التقيت خمسة عوائل من هذه الاحياء. عائلة السيد ع من حي الفلاح جاء الى المخيم مع زوجته و أمه و أخته و زوجها مع الاطفال. مظهرهم كان يدل على أنهم عائلة ميسورة، علامات خيبة الأمل كانت واضحة على الجميع.
قال لي لقد هربنا خوفا من قنابر الهاون. سألته إن كان بحاجة للعون المادي؟ أجابني هذا آخر شيء أحتاجه ثم أكمل حديثه.
– توجد في هذا القطاع اربعة عوائل في وضع يرثى له. أرجو أن تساعدهم؟
توجهت الى العوائل الاربعة وقمت بالمطلوب، ثم عدت بعد ذلك بصحبة السيد ع الى عائلته سألني هو و أمه إن كان بامكاني مساعدتهم في أمر ما؟
أكدت لهم أنني سأفعل كل ما في وسعي لمساعدتهم. قالت لي أمه:
– أريد العودة الى بيتي في أسرع وقت ممكن. الجو شديد البرودة و نحن لم نحصل على ما يكفينا من الاغطية و أشارت الى نهاية الخيمة كانت هناك اربعة بطانيات خفيقة. و التفتت الي بسرعة و كأنها تخاف أن أغيب عن المشهد قبل أن تخبرني برغبتها.
– يا اخي كنا نعتقد أننا سنتمكن من الوصول الى اربيل، لكننا وقعنا في هذا المخيم البائس. أرجوك أطلب منهم أن يساعدوننا بالعودة الى بيوتنا. عيون العائلة كانت تتوسلني بفعل شيء لهم.
وعدتها بأنني سأفعل ما بوسعي و قبل أن تستودعني قالت عددنا ليس بالقليل، هناك عدد ليس بالقليل من العوائل الراغبة بالعودة الى بيوتها. سرت و أنا أسمع صوتها تذكرني ” لا تنسى أريد العودة بأسرع وقت ممكن”
المشهد الثالث:
استوقفني الكثير من الرجال و النساء لأنهم كانوا يعتقدون أنني أسجل الحالات المرضية الخاصة، رغم أنني كنت أوضح لهم أنني لست طبيبا كانوا يشرحون لي عن حالات مرضية تستوجب العلاج في المشافي، و لا تلقى الرعاية المطلوبة في المخيم و لا يتم تحويلها الى مستشفيات اربيل، إلا في حالات الطوارئ.
المشهد الرابع:
العنف العائلي وفق منظوري البسيط كان السمة العامة في التعامل، كانت الام قد ذهبت لجلب الطعام الساخن للعائلة و كانت تمشي بخطى سريعة و كان ابنها الصغير يحث الخطى للحاق بها و هو يحمل قدرا بيده. لم يكنم من السهل أن يلحق بها و هو يحمل هذا القدر. كانت تلتفت اليه بين الحين و الحين و تأمره بأن يركض و تقول له سنأكل بعد قليل، و كلما وصل اليها تمسك القدر الذي بيدها بيد واحدة و تجر أذنه و هي تهز رأسه. و تسير لخطوتين ثم تقف و تقطع قطعة خبز تضعها في شوربة العدس تأكل قطعة و تعطعمه قطعة قبل أن تواصل المسير و تصرخ في وجهه ” مفجوع من الجوع اربعة و عشرين ساعة” . عندما توقف للمرة الثالثة ممسكة بأذنه تدخلت و طلبت منها أن تأخذ عمره بنظر الاعتبار.
– أختي العزيزة لحظة من فضلك. قلت لها هو طفل صغير بينما كنت أشير اليه مبتسماً، دعيني أساعده بحمل القدر. شكرتني على تقديم المساعدة. دار حديث بيننا، شرحت لي أن وضع النساء الارامل و المطلقات صعب للغاية، و أوضحت لي ما لم يكن من الصعب علي فهمه. قبل أن أغادرها طلبت منها أن تعامل الطفل بحنان. قالت لي و هي تنظر الي بعتب: أنا أمه، تعال و عيش معنا يومين هنا ثم أطلب مني أن أكون أكثر حناناً، حياتنا داعشية.
المشهد الأخير:
عندما وصلت الى أحد القطاعات كان هناك جمع من الرجال و ما أن شاهدوني أحمل دفتري بيدي، حتى طلبوا مني بدون أي مقدمات.
– الخاطر الله خيمة 245.
لم أكن أعلم اي نوع من المساعدة يحتاج هذا الشخص. خرج رجل في عقده السادس من خيمته و توجه نحوي بخطى ثقيلة و له تقاطيع حزينة و عيون غارقة في أخاديد الزمن. بعد أن قدم نفسه أمسك بيدي و اقتادني باتجاه خيمته.
قال لي أخي الكريم أحتاج الى حفاظات كبار السن، احتاجها ضروري. قال جملته الاخيرة بينما كان يفتح باب الخيمة لي و طلب مني الدخول. شاهدت فتاة في عمر المراهقة تجلس في زاوية الخيمة، ما أن رأتني حتى وقفت و قفزت عدة قفزات في المكان.
وقامت بحركات غير مفهومة و اصدرت أصواتا غريبة ، أحرجت والدها. وقفت صامتا للوهلة الاولى قبل أن ألتفت اليه ثانية. قبل أن أسأله أجابني: هي ابنتي… و هي من ذوي الاحتياجات الخاصة … و نحن هنا بوضع لا نحسد عليه.
سألته كيف يتدبر أمره معها. أجابني بيأس ” لا شيء يمكن أن أفعله لها” .
سألته : هل تخرج لوحدها من الخيمة؟ أجابني و كأنه يسترعي انتباهي الى نقطة قد غابت عن ذهني.
– لا أخي لا نسمح لها بالخروج، نحن نخاف مِن مَن لا يخاف الله. سألته مستفسراً
– وهي لا ترغب بالخروج، أم ترغب بالبقاء في داخل الخيمة. نظر عميقا في عيني و أجابني
– أخي هي مربوطة، و أشار بيده الى الحبل.
أعدت النظر اليها لأستكشف حجم الكارثة و حجم وجع هذه العائلة.
شعرت بقلبي يعتصر و نظرت الى الحبل الذي يلف خصرها و مربوط من الجهة الثانية بدعامة ارضية الخيمة منظر يدمي قلب الانسانية. سجلت المعلومات على عجل و دفعت له حصته من المساعدات المالية، ووعدته بفعل ما بوسعي لتوصيل حفاظات الكبار له باسرع وقن ممكن.
دخلت أول خيمة فارغة و أغلقت الباب خلفي كنت بحاجة الى أختلي بنفسي و أفكر في عمل الدولة الاغاثي و الذي لا يرتقي حتى الى مستوى الهواة في العالم…. .