في الوقت الذي تُشحن فيه الأوساط السياسية الحكومية والمجتمعية، بين مؤيد للتسوية الوطنية، التي أطلقها التحالف الوطني، ومدافع عنها ومعارض أومحارب لها، يخرج السيد مقتدى الصدر الى الساحة السياسية، بعد سبات دام لأشهر، بمشروع مختزل من التسوية الوطنية نفسها بعنوان “المصالحة المجتمعية”..!
الصدر وبعد لقاءه الأخير برئيس الوزراء الدكتور “حيدر العبادي”، بتاريخ 26/12/2016، أكد على التقارب المجتمعي، وتصفير الأزمة بين الجماهير، وهذا ما يجعل خلف تطلعاته، العديد من علامات التعجب والاستفهام.
كيف ينظر السيد الصدر لمشروع التسوية الوطني؟ ليطالب بالمصالحة المجتمعية..! وهل المصالحة كانت ثمن تذكرة الدخول لمكتب السيد رئيس الوزراء؟ ومن يعي بأن المجتمع متخاصم فيما بينه على نطاق مستوياته ومكوناته؟ وكيف للمصالحة المجتمعية أن تفعل دورها؟ أذا ما بقي الشركاء السياسيين متخاصمين فيما بينهم..! وهل ستتخلى المجتمعات المتخاصمة عن ولاءها للكتل والتيارات والمكونات لتركن هي للمصالحة؟ ومن هي المجتمعات المتخاصمة التي يدعو الصدر لمصالحتها..؟
سأختصر تلك التسؤلات بقراءة واقعية، تخرجنا الى المضمون الصريح، إن التخاصم المجتمعي هو أصلا نشأ من التخاصم بين السياسيين، وهذا ما لا يغيب حتى عن ذهن المجنون فضلا عن ذهن العاقل، وإذا ما سرى مفعول التسوية الوطنية، التي أطلقها التحالف الوطني بين الشركاء، والتي وافق عليها ممثلي السيد “الصدر” في داخل التحالف، سنضمن نتائج التصالح المجتمعي بلا أدنى منازع..
من بعد هذه الصورة، التي تحاكي واقع الحدث، ماذا يريد السيد “مقتدى الصدر” بخروجه الأخير مع رئيس الوزراء..وموضوع المصالحة المجتمعية؟ هل هي إنعاش لجماهيره بعد غيابه الأخير؟ ومحاولة لإعادة إتزان المعادلة الصدرية، أم اراد أن يوصل رسالة للشركاء والمجتمع بأنه لازال في الساحة السياسية؟ أو هي تنازلات جديدة لإذابة جليد إعتصامات الخضراء والبرلمان و شعارات (الشلع – قلع)..؟
أما من وجهة نظر السيد “العبادي” هل يرى بالصدر الشريك الذي لا يمكن إغفاله؟ أم هو ظرف مغلق يحمل بداخلة ورقة للضغط على الشركاء الآخرين..؟ بما فيهم جناح السيد المالكي، يقول فيها بأنه لازال حليفا لقواعد جماهيرية لا يستهان بها عدداً..؟ مع جزم ويقين الجميع، بأن سياسة السيد الصدر تشبه الى حد كبير تأثر الطبيعة بالفصول الأربعة.. إلا أن الصدر لا ربيع في سياسته..!الصدر وخلال تواجده مع السيد العبادي، خلال المؤتمر الصحفي الذي أعقب إجتماعهما الأخير، بانت ملامحه بأنه في نزهة سياسية ليس إلا..! ولم تبدوا حالات الإنفعال والتوتر المفتضحة على تصرفاته، خلال تواجده بالمؤتمرات السابقة، والتي دائما ما يظهر بها بصورة المعترض، وهذا ما يؤكد بأن الزيارة تلك كانت صورية أكثر مما هي جوهرية أو مصيرية، أو أبدت بأن الطرفان خرجا متفقين برؤية موحدة، وهذا ما يؤكد أيضا بأن الإجتماع، لم يتطرق الى القضايا الخلافية العالقة بين الطرفيين.
نلخص ما سبق؛ زيارة السيد الصدر لرئيس الوزراء الأخيرة بمفهومين:-
الأول: جاءت لدوافع شخصية أكثر مما هي سياسية بالإطار العام، وما هي إلا للإستحمام من درن السكون الصدري خلال الأشهر السابقة، أو إستعلام للشركاء السياسيين والشعب، بأنه لا زال لاعبا أساسيا في الحكومة، إذا ما كانت هي دعوة من الدكتور “حيدر العبادي” لكسب غلة المحصول سياسيا، وتعزيز الموقف لصالحه، وبذلك يكون “الصدر” طعماً..! أو العصا التي يحركها العبادي لمآربه.
الثاني: من المؤمل أن تكون بداية لتحركات أخرى في الساحة السياسية، خصوصا وإن تقارب الرؤى بينهما، أضف إليها كلام وإشارة الصدر الى تصريحات السيد “المالكي” عن صولة فرسان جديدة، فهذا يعني بأن هنالك تسوية بين الطرفين، وقد تشهد لقاءات بين “الصدر” و”المالكي”، وهذا ما يفسر مشروع المصالحة المجتمعية، الذي لوح به الصدر مؤخراً.