18 ديسمبر، 2024 10:13 م

هكذا دجنّوا الشعب العراقي !!

هكذا دجنّوا الشعب العراقي !!

أن جميع دول العالم المتحضرة التي تؤمن بحرية الرأي والتعبير  تنظر إلى  الشعب العراقي بأستغراب وتعجب  ، وهم يرون هذا الشعب يعيش حالة لم يصل إليها أي شعب في العالم ،حيث لم يجدون منه تجمعاً أو إعتراضاً أو تظاهرةً كبيرة ، أو نوع من أنواع المطالبات بالحقوق ، فهم يستغربون ذلك لأن هذه الأمور لم تحصل في بلدانهم وشعوبهم  ، ولأن دول العالم الصغيرة والكبيرة وبسبب حادثة واحدة  من أبسط الحوادث من مثل التي تصيب الشعب العراقي يومياً نرى الملايين من تلك الدول تخرج وتتظاهر وتندد  وتعترض ولاتخاف من بطش الحكام ولايوقفها جميع  الأجهزة الأمنية المرتبطة بالسلطة !!
إذاً ..ماالذي يحصل في العراق اليوم ، وهو يعيش حالة مزرية لم يصلها أي شعب من شعوب العالم ، وهو لايتحرك ولاينتفض ولايعترض ولايتظاهر كبقية شعوب الدنيا ..مالسبب ياترى …ولماذا …!!؟؟
ألا يستحق منا هذا الأمر الغريب الدراسة والتحليل  ، ونحن نعرف بأن الشعب العراقي معروف برفضه للظلم ، معروف بعدم خنوعه ،ومعروف بعدم أستسلامه ، ومعروف بأخلاقه التي لاتسمح له بالركون إلى الذل والأستكانة !!
أعتقد بأن السبب الرئيس لذلك هو أن أغلب رجال الدين (مع الأسف الشديد) قد نجحوابتدجين الشعب العراقي ، وعلّموه على الخنوع وعلى الأستكانة ، وكلما أراد الشعب أن يتحرك لكي يرفض هذا الظلم ولكي يزيل هذا الظلم ، يقابله رجال الدين  بالكلمات المخدرة والأماني المقدسةالتي تعيده إلى السبات وإلى النوم العميق !!
إن رجل الدين  أو (المعمم) ليس من درس الفقه  والأصول وأجاد المصطلحات المنمقة ،ولوسألنا أي أنسان عن معنى العالم الفقيه لأجاب حسب الفهم السطحي  : بأن الفقيه هو الذي أتقن الفقه والأصول وحضر البحث الخارج وصار يستنبط الأحكام الشرعية ، هذا هو الجواب العام لمعنى الفقيه وفق المصطلح  ..لكن الأمام علي عليه السلام يقول : [الفقيه كل الفقيه من لم يؤيّس الناس من رحمة الله ، ولم يؤمنّهم من عذاب الله ] ..وهذه الصفات ليس لها علاقة بمانعرفه من فقه وليس لها علاقة بمانعرفه من أصول أو لغة أو منطق أو فلسفات ومباحث نظرية أو كلامية وغيرها من الدروس التي يتناولها الفقيه خلال دراسته !! بل أن المعارف الحقيقية وبلوغ الناس إلى الكمال، وحثهم على رفض الظلم ومناهضة أهل الباطل  ،هذه الأمور إذا أستطاع الفقيه أن يحققها للناس فهو الفقيه الحقيقي ، وليس ذالك الفقيه الذي لا يعرف سوى جملة من المصطلحات اللغوية الغريبة ، والإلفاظ الفقهية الغامضة ، ويستعملها مع الأسف لتضليل الناس ولتدجينهم ولسلب أرادتهم ومصادرة قرارهم وحريتهم !!
أنه بالواقع دور سلبي رهيب مع الأسف الشديد تؤديه العمامة – وبالخصوص الشيعية منها – كما قال أحد  العلماء الشيعة الكبار – بعد أن مارسته العمامة السنية من قبل ذلك خلال عقود طويلة من الزمن ، وكما أطلق عليهم الدكتور علي الوردي (وعّاظ السلاطين ) ..حيث أن وعاظ السلاطين كان دورهم يشرعنون عمل السلطات وعمل الحكام  وتصرفاتهم المجنونة ، حيث وصل بهم الأمر  إلى أن بعضهم قد أفتى بشرعية قتال الحسين (عليه السلام ) وقتله ، ثم قالوا بعد ذلك في فتاواهم : [ أن الحسين قُتل بسيف جدّه ] !! فإذا كانت مثل هذه الجريمة الفضيعة التي لم يشهد لها التاريخ الأسلامي مثيلاً ، ومع ذلك يعطوها الشرعية والمقبولية لدى الحكام والطواغيت  ، فكيف هي فتاواهم  مع من هم أقل شأناً وأدنى منزلة من سبط النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم !!وهناك الكثير من نماذج الفقهاء وأهل العلم في زمانهم ممن ليس لديهم ورع أو تقوى حيث أغروا الحكام بقتل الأولياء وسفك دمائهم وأعطائهم الشرعية لأعمالهم المشينة  !!
فهكذا كان المعممون ووعاظ السلاطين ، وهذا بسبب حب الدنيا ، والتهالك على متعها الزائلة ، وقد حذرنا الإمام الصادق عليه السلام من ذلك بقوله : [إذا رأيتم العالم مكباً على دنياه فأتهموه بدينه ] ..فهذا الخطا وهذا الأنحراف من علماء السوء أو كما سماهم الدكتور الوردي (وعاظ السلاطين ) والكثير من المصطلحات التي حذرنا فيها الأئمة عليهم السلام منهم ، وهذا ليس معناه بأن هناك تباين في المواقف حيث كان  الفقهاء في موقع الحق عندما لم تكن السلطة بأيديهم، ولكن حينما أصبحت السلطة بأيديهم قاموا بنفس الإعمال التي كان يقوم بها وعاظ السلاطين من قبلهم مع رعيتهم ، وعملوا نفس العمل الذي كانوا يعملونه ، وأصبح المعممون يعطون الشرعية لكل عمل ولكل هذه المظالم التي تجري بأسم الأسلام وبأسم المرجعية ..أليس هكذا هو الحال اليوم !!؟؟
ونسمع من بعضهم يستنكر وينتقد في خُطبهِ الرنانة (التي تفلق الصخر وتغرق البحر ) السرقات والأختلاسات وتأخير عملية الأعمار  التي تجري في البلاد ، ويدّعي بأن العلماء ومراجع الدين لايرضون على هؤلاء الحكام والمسؤولين ولايلتقون بهم ولايجتمعون معهم ولايعطونهم الشرعية في ذلك !
ولكنهم في كل مؤتمر صحفي أو أجتماع تقيمه السلطات وأعوانهم يخرجون به على الناس فأن الفقهاء والعلماء معهم ، وفي كل أحتفال تقيمه الحكومة وأتباعها فان ممثلي المراجع يحظرونه ، ويجلسون في الصفوف الأولى مع الحكام الفاسدين الذين نهبوا ولازالوا ينهبون أموال الشعب العراقي يومياً ، وما قصص ومسلسلات الفساد الأداري التي حفلت بها أكثر المؤسسات الحكومية إلا صورة مزرية من صور الظلم والباطل الذي يلحقه هؤلاء  بالشعب العراقي  تحت مضلة شرعية علماء السوء ووعاظ السلاطين  .!!
 فأي شرعية أكبر من هذه  تُعطى إلى الحكام وإلى سياساتهم الظالمة !!؟؟ ومالفرق بينهم وبين أولئك الذي كانوا يعطون الشرعية للحكام الظلمة الذين كانوا من قبلهم ، من الذين نصفهم حتى اليوم بأنهم علماء السوء وأتباع الظلمة ؟؟
لاشك أن هذا الأستياء الشعبي العام وعدم الرضى والغضب الجماهيري المتصاعد الذي يشهده العراق اليوم – لعدم توفر الخدمات والتراجع الفضيع في نظام الأدارة والتخبط العشوائي في أهدار المال العام –  ماهو إلا حالة إيجابية نحو تحرير الأرادة النفسية من أسر علماء السوء ووعاظ السلاطين ، وإبعادهم عن القداسة المزيفة التي هي السبب  في الأستمرار بأعطاء الشرعية للحكام الفاسدين والتغطية على أتباعهم المختلسين وسراّق المال العام الذين أهدروا ثروات الشعب العراقي دون محاسب أو رقيب !!
وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون والعاقبة للمتقين ..