المطر ، تلك الظاهرة التي طال انتظارها ، وقد سامنا الصيف الماضي الجفاف والغبار وسوء عذاب جهنم ، المطر الذي تستبشر به كل أمم الأرض ، كرمز للخير والنماء ، تتمرغ تحته استبشارا كل حيوانات الأرض ، بوحشها وعاشبها ، وتنتعش الأنهار وتدب فيها الحياة بدماء جديدة ، إلا في العراق الذي يعاني الجفاف أصلا والسنين العجاف الطويلة ، فمن أول الغيث ، نضع أيدينا على قلوبنا ، فكل النعم في بلادنا ومنها المطر ، قد تحولت إلى لعنات ونِقَم ! .
وأخيرا أمطرت في بغداد مطرا جميلا معتدلا ، ورغم ذلك فاضت المياه ، وعجزت كالعادة كل مجاري تصريف مياه الأمطار عن العمل ، لكنا قلنا لا بأس ، فهذا خطأ البشر الذي جحد نعمة الخالق ، لكنّا فوجئنا بأصوات انفجارات متسلسلة ، مصدرها المحولات الكهربائية المتهالكة ، منذرة بغسل اليدين (بسبع صابونات) من خدمة الكهرباء (التعبانة جدا) أصلا ، هكذا انقطع التيار الكهربائي منذ أكثر من 24 ساعة ، لكن الأمر لم يصل لهذا الحد ، فكل أصدقائي المقيمين في معظم أنحاء بغداد ، قد عانوا من هذه الظاهرة!.
هكذا أضطررنا الى (تملق أصحاب المولدات) مرة أخرى ، مستفهمين عن عدم تشغيلهم أياها أثناء المطر ، فكان الجواب من (واحد مترهّي) ومتعالي ، من أن توصيل الكهرباء للأسلاك المبتلة والعارية من العوازل والتي تفتقر لأبسط معايير البشر ، سيسبب حريقا في هذه الأسلاك ، وهذا ما حصل فعلا ! ، ولم تسعفني حتى الخلايا الشمسية التي نصبتها في منزلي بسبب الغيوم الكثيفة ، فأضطررت للتوجه الى مولدتي الخاصة ، هكذا طفت الشوارع المغمورة بالمياه بقدمين مبتلّتين حاملا (جليكانا) فارغا للحصول على السائل السحري (البنزين) ، وبعد سكبي إياه في خزان المولدة ، تمردت هي الأخرى بعد أن خُلِعَت أكتافي من (الهندر) ، لأنها إبتلّت من (الكيس) وحتى (قبغ الولفات) ! ، وشربت (الكابريتة) من مياه المطر ما شربت ، لكن المطر لم يمهلني لأعادة الحياة اليها ، هكذا خذلتني كل مصادر الكهرباء !.
وزارة النفط ، أنعمت علينا بحصة من النفط الأبيض ، بواقع 50 لتر في الشهر ، لكنها لا تكفي العائلة العراقية ، ففي المعدل يجب أن تعمل مدفئتان على الأقل ، كل واحدة منها تستهلك ما لا يقل عن 5 لترات في اليوم ، أي 10 لترات في اليوم لمدفئتين ، أي أن الحصة لا تكفي لأكثر من 5 أيام ، وكل أمم الأرض تنعم بنفطنا ، إلا نحن المالكون الشرعيون ! ، يضطر المواطن بعدها لتدفئة منزله بواسطة الطاقة الكهربائية ، وهذا ما يسبب ضغطا على الشبكة الكهربائية .
هكذا أضطررت لأستنزاف آخر قطرة من (شحنة) البطاريات لتشغيل حاسبي المحمول وشبكة (الأنترنيت) لبث هذه المقالة ، من وسط الظلام ، مقتربا من (الصوبة) وهي تستنزف قطرات النفط الأخيرة ، وكأننا عدنا لعصور الظلام !