26 نوفمبر، 2024 1:39 م
Search
Close this search box.

طائر الضوع يزقو ليلاً في بغداد

طائر الضوع يزقو ليلاً في بغداد

بجفون اثقلهما السهر وتعب السفر اخذت امني النفس بأن ماتبقى من الطريق الى الحبيبة لايتعدى بضع عشرات الكيلومترات حينها حاولت الارتخاء والارتماء في احضان غفوة قصيرة علها تعود علي ببعض النشاط الذي سأكون بأشد الحاجة اليه عند الوصول، مرت لحظات ثم دقائق لا استطيع ان اتذكر ماجرى فيها وفجأة صحوت بفعل محاولة لتخفيف سرعة اندفاع السيارة فنضرت حولي في ذعر وتذكرت اني لم اغفو طويلا اذ انها لم تمر سوى بضع دقائق سمعت بعدها صوت المذياع ينساب هادئاً رتيباً بموسيقى اعرفها كما يعرفها الملايين غيري حق المعرفة موسيقى كلما عانقت انسام الصباح جعلت العصافير ترقص طرباً .. تطلعت في الافق فرأيت منظر الشفق الرائع عبثاً حاولت ان اشيح بناظري عنه وانا استمع لفيروز وهي تحاول التذكير بمكانة هذه الحبيبة فتصدح حنجرتها “بغداد والشعراء والصور.. ذهب الزمان و ضوعه العطر” فتهادى الى مخيلتي شكل هذا الطائر المسمى بـ (الضوع) الذي ما ان يشعر بقرب الصباح صدح وصاح، كدت خلال ذلك اشم عبير بغداد التي ما ابتعد عنها انسان الا والالم يعتصر قلبه.. استمررت في التحديق كأني ارى شيئاً لايراه احداً سواي وشيئاً فشيئاً اخذت الجفون ترتخي مرة اخرى فترتفع تارة وتنخفض اخرى محاولة جري الى هنيهات من الراحة لكنها توقفت فجأة وهي في حالة الارتفاع على صوت موسيقي كنت اعلم جيداً ان اذاعة مونتي كارلو لاتصدح به الا اذا كان هناك نبأ عاجل ومهم وبالفعل جاء صوت المذياع يعلن عن نبأ عاجل ومقتضب من بغداد فتحت حدقات عيني جيداً ونفضت عني كل النعاس كان مفاد الخبر ان سلسلة من الانفجارات تضرب في مناطق متفرقة من العاصمة بغداد سقط خلالها عدد من الضحايا لم تتوافر حصيلة رسمية عنهم لغاية الان، ولم يترك لنا المذياع اية فرصة لبيان اراءنا فجائنا بنبأ عاجل اخر يعلن فيه اسماء المناطق التي تم استهدافها ليذكر فيه “البياع والكرادة وباب المعظم والقاهرة والاعظمية والشعب ومدينة الصدر وحي الجهاد…” اكفهرت الوجوه واصابها شيء من الوجل عند سماع هذه الانباء ففي لحظات كنا نعيش اجواء حماس وترقب لقرب وصولنا وفجأة اختفت الحماسة وبدى القلق يعلو الوجوه بدأت اراء المسافرين في التدفق بشيء من الالم والحسرة على مايجري وكان الرأي الغالب هو هل يعقل ان يختلف السياسيون فيما بينهم فينعكس هذا بالتالي على الشارع والمواطن البسيط؟ وهل ان هناك ازمة سياسية ام امنية في العراق؟ وماهو ذنب المواطن في ذلك؟ ومتى “نرتاح” من كل “هذا”؟ تساؤلات كثيرة واراء اكثر ظلت تحلق على مدى اكثر من نصف ساعة حتى بلوغنا العاصمة الحبيبة.
ويبدو للوهلة الاولى ان هذه الاراء فيها الكثير من الصحة، فبمجرد ان طفت بعض المشاكل على سطح العملية السياسية وفي ليلة وضحاها كما يقال تمكنت زمر ارهابية من زرع اكثر من عشرون قنبلة تنوعت مابين السيارات المفخخة والعبوات الناسفة واللاصقة في عدد كبير جدا من احياء بغداد لتتمكن بعدها من تفجير الجزء الاكبر منها والذي اوقع اكثر من 233 شخصاً مابين قتيل وجريح، ولعل تنوع المناطق المستهدفة وكثرتها لم يترك بصمات واضحة المعالم لمرتكبيها، فهمل يعقل ان تستهدف جهات ارهابية تعمل ضد الحكومة العراقية مبنى لجنة النزاهة في منطقة الكرادة والتي تعد جهة مستقلة تمتلك ادلة فساد مالي واداري ضد العديد من مفاصل الدولة لتنسف بذلك العديد من القضايا التي من شأنها فضح مسؤولين كبار يسرقون اموال الشعب؟ ام ان هناك عدد من المفسدين في الدولة من الذين شعروا ان هناك ملفات وقضايا من الممكن ان تطالهم وتضعهم تحت قبضة القانون فسارعوا الى تفجيرات عشوائية في مناطق عدة ومن بينها مقصدهم الرئيس لتترك خلفها حالة من الضبابية لايمكن تفسيرها بسهولة، وبالتالي الخلاص من قبضة النزاهة والقانون؟ ام ان تفجير مبنى النزاهة جاء اختياره بشكل عشوائي لاعلاقة له بكل ما ذكر وان كل ما جرى هو لخلق نوع من التوتر لدى المواطن والشارع وبيان هشاشة القوات الامنية العراقية وعدم قدرتها على المسك بزمام الامور خصوصاً مع انسحاب القوات الامريكية؟ ام ان للامريكان نصيب في ما حدث يمهد الطريق لجهات حكومية لتسارع  بالتذرع بضعف الوضع الامني وتطلب من الامريكان العودة او البقاء لحفظ الامن والنظام؟ وهنا لا نستطيع ان نفسر هل ان مجرد وجود الامريكان حتى وان كان في قواعد عسكرية خارج المدن كفيل بأن يرعب الارهاب ولايدع له المجال في ارتكاب جرائم ضد المواطنين الامنين؟ وهل يعقل ان يبقى الامريكان لحفظ الامن في العراق الى ابد الآبدين؟ فذهن المواطن لايستطيع ان يتقبل نظرية ويترك اخرى من دون ايجاد اسباب وافية تقنعه بأن احدى هذه النظريات هو الاقرب الى الحقيقة.
وهنا لابد من ذكر ملاحظة مهمة، فمن هي تلك الجهة التي تتمكن وبسهولة ويسر وفي غضون ساعات من زرع هذا الكم الهائل من السيارات والعبوات وفي مناطق حيوية ومهمة كالتي حدثت فيها التفجيرات؟ فأن كان هناك ضباط وسياسيين ممن هم في خضم العملية السياسية متورطون بذلك فعلى الحكومة ان تتخذ اجراءات عاجلة جداً لان اناس كهؤلاء بأستطاعتهم ان يسقطو العملية السياسية بكاملها خلال ساعات، وان كانت تقف وراءها جهات ارهابية خارجة عن القانون تعمل على اضعاف الحكومة واسقاطها فهي استطاعت ان تثبت ان الحكومة وقواتها الامنية ضعيفة الى درجة انها لاتتمكن من ضبط الامن على الاقل في الحد الذي يتمناه المرء، فأن كانت الديمقراطية تعني ازهاق ارواح الابرياء فتباً لها وان كانت تعني ترميل النساء وتيتيم الاطفال فتباً لها وان كانت تعني ترويع الامنين وزرع روح الفتنة والتفرقة فتباً لها وان كانت تعني تشتيت المجتمع ونزع الهوية الوطنية فتباً لها فحتى الديمقراطية نفسها لاترتضي ان يرتكب كل هذا تحت شعاراتها ومسمياتها، اما الاثمون ممن تلطخت ايديهم بالدماء الزكية لاطفالنا وشبابنا وامهاتنا وابائنا فتباً والف تباً لهم ولمن يقف وراءهم.
[email protected]

أحدث المقالات