23 ديسمبر، 2024 10:35 م

في ليلة اغتيال ( مدينتي )

في ليلة اغتيال ( مدينتي )

بين هذه الأعمدة تتداخل أصوات شدت رحال أنينها لساعات توزعت بين أشلاء النخيل وغربة الاشنات وخرير منفي لماء يتجه إلى الجنوب .. أنها المنارات وقباب الذين كانوا يستظلون بالتقوى . الرمادي مدينتي   تحول رخام جوامعها إلى أناشيد حزينة وشوارع الرمادي  ( اليوم )  تستصرخ ضميرا وقلوبا توشحت بها أرصفتها المتكسرة , انظر ها هم أهلها تعاد إليهم الهموم  والمشاكل من جديد  ، بعد ان وضعت الحرب أوزارها في هذه المدينة الباسلة المجاهدة .. أو هكذا يبدو, حسنا أعود من جديد إلى مدينتي  الحبيبة وأعلن في هذه اللحظات وقريبا من أفق يحمل ألينا فرات العراق وشمس أمنياتنا بعيدا عن حزن مدفون مقتبسا من صحراء الانبار وانين السدود ومنارات الدعاء المخضب بصلواتنا دعاء متبسما بعشق العراق وأهل العراق اعذروني ..  إنا مغرم بالذين وهبوا قلوبهم حبا وزرعوا أنفسهم حصادا للطيبين من اجل هذا البلد أيها الوطن الكبير الجميل العزيز اقترب مني فانا محتاج إليك جدا في هذا اليوم  ليلة  28 – 29 – 2013 يوم اسود في تاريخ مدينة الرمادي وليلة انطلاقة شرارة ( داعش اللعين ) بين إرجاء المدينة  في التاريخ .. دثرني يا نخل العراق احملني إلى ضفاف دجلة الخالد ثم إلى الفرات إلى البصرة والي بغداد أوصل بي كركوك الغالية وارجع بي إلى النجف الاشرف وديالي والعمارة والرمادي ودهوك والناصريه واربيل والحله هل أبدو بعيداً عنها ..  أم قريبا من ساحل فارغ يقع على شاطئ دجلة العجيب .. أنها ساعات النهار الأخيرة ..  

تودع الشمس أبناء مدينة السلام (الرمادي  الحبيبة) يوم أخر اسمه يسبح به الناس لله العلي القدير يبدأ بعبير وتلاوات المسبحين نحو جهة الغروب فإذا بجموع الناس ترفع الأذرع إلى الباري عز وجل وتنقل رائحة السلام والأمان إلى أبناء هذه المدينة حيث بدأت مئات المآذن تدعو الناس إلى صلاة المغرب .. سرت في شارع طويل بعد الصلاة يكاد يفرغ تماماً من الناس بينما كانت الأعداد من السيارات المسرعة تذهب من حيث لا ادري .. وفي اللحظة نفسها لا ادري لماذا تذكرت ذلك السؤال لو أحصينا عدد المآذن والمساجد والمعابد الدينية في الرمادي  لفاتنا الكثير لكنها تبزغ شامخة من بعيد يرفرف الطير فوق أحواض جميع المعابد الدينية ولجميع طوائف هذه المدينة وأهل الرمادي وإنا واحد منهم  يتمسكون بالتقاليد العربية والإسلامية والديانات الاخرى التي ورثوها من آبائهم وأجدادهم لكنهم يتآلفون مع الغرباء حتي ينصهر الغرباء بينهم .. لكن مع الأسف لا ادري ما حل في هذه المدينة التي لها من الحضارة انتثرت شواخصها في كل بقاع العالم .. تحكي قصة شعب عريق مبدع متسلح بالعلم .. 
كان ولا يزال يثير في النفس اعتزازا ومباهاة واعتلاء لناصية الفخر عبر ما تحقق لها ضمن مسيرتها الطويلة الحافلة بالعطاء حتى وصفها احد المؤرخين بأنها قطعة من التاريخ والحضارة والإنسانية .. وها هي المدينة التي خطفها الأعداء في  28 – 29 – 2013   من الفاسدين والطامعين الذين يعتقدون ان هذه المدينة مزرعة مهجورة لا أصحاب لها ولا أهل يحرسونها ويحمونها من قوات الاحتلال والعفاريت الجديدة التي خرجت للتو من القمقم لهذه الأرض رافعين شعارا لأبناء هذه المدينة يجب ان تغادروها ولكنهم نسوا ان في الرمادي الجريحة عباقرة كثر وشجعان كثر وحكماء كثر لكن الوقت غير متاح للمبارزات بين أولئك العباقرة والشجعان والحكماء بل هو وقت إيجاد المخارج للناس قبل ان تحترق هذه المدينة.. والسؤال هنا يطرح نفسه إمام  حكومة الأنبار وأعضاء مجلس المحافظة والنواب  كافة ماذا فعلتم لهذه المدينة التي شوارعها مقفرة .. أبنية تهاوت وتهدمت .. أزقة لونتها الشعارات الطائفية .. ومآذن ومعابد أتعبها الرصاص يكاد الدخول إلى مدينة العز الرمادي الغالية  يشعر بالرعب التام ويكون دخوله أشبه بالدخول إلى مدن تحاصرها جيوش العالم.. 
فالخروج من المدينة يتطلب  وقت طويل والدخول إليها يدخلك في دوامات التفتيش والأسلحة والاستفزاز قبل ان تتعرض سيارتك إلى فحص دقيق وسلب محتويات كرامتك .. هذا هو حال مدينة الخير والكرم والغيرة والشرف والكرامة  اليوم عادة إليها  العنتريات العشائرية من يحمل لقب ( البو ) يا أبناء العالم كافة.. تلك المدينة التي كانت غافية على حلم الفرات الخالد  لكن حالها تحول إلى كابوس أطبقت من خلاله  القوانين العشائرية المقيتة على جميع مفاصلها الحيوية وشرايينها التي تؤدي إلى استمرار الحياة فيها ..
فهي تعيش في حصار جديد لم تألفه كتب المصطلحات السياسية والعسكرية وهذا حال لسان أبنائها الطيبين.. علي من تقع مسؤولية هذا التدمير المبرمج وفقدان الحياة المدنية العامة وتهجير أهلها المساكين في مدينة كانت عقدة المواصلات المهمة في الشرق الأوسط وتسمي وما زالت (مدينة السلام) أهلها يتهمون من يريدون من يتهمون باصطناع هذا الوضع للحيلولة دون استمرار الحياة فيها والقوات الحكومية  أغلقت أبوابها إمام الجميع وتبقي الأسئلة بلا أجوبة واضحة برغم الحملات الأمنية الاستعراضية ..  فمن المسؤول يا ترى ولماذا !
وهاهي (الرمادي ) اليوم  رجع فيها الأشرار من العصابات النفعية  ..  إلى بعثرت كل جهد يؤدي إلى الإصلاح في هذه  المدينة  بقي ان تعرف عزيزي القارئ الكريم ان يوم ( 28 – 29 – 2013 ) هو يوم اسود في تاريخ أهل (  الأنبار )   وان من اغتال مدينة الشرف سيدفع الحساب قريبا ان شاء الله …